"احداث"الخبز اواخر 1983- اوائل 1984: خيبات سياسية وركود اقتصادي وتراجع حاد في نسب النمو

الشعب نيوز/ باقلام النقابيين* - لم تكن هذه الأزمة الاجتماعية التي حدثت من أواخر سنة 1983 وخلال الأيام الأولى لسنة 1984 الأولى من نوعها التي عرفتها تونس خلال عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي.
1. السياق العام للازمة
فعلى المستوى السياسي عرف الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم العديد من الخلافات داخله أدت إلى استقالة سبعة وزراء ( ) كما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام في كامل البلاد ( ) مما أدى إلى مواجهات عنيفة بين المنتمين للنقابة العمالية من جهة وقوى الأمن والجيش وميليشيا الحزب الحاكم من جهة أخرى وأدى إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى وسجن المئات من القيادات المركزية والوسطى للاتحاد العام التونسي للشغل( ).
كما عرفت البلاد سنة 1980 قيام مجموعة من التونسيين المسلحين القادمين من ليبيا والجزائر بعملية مسلحة في مدينة قفصة(الجنوب الغربي) كان هدفها السيطرة على المدينة وتحويلها إلى قاعدة لانطلاق حركتهم الهادفة إلى السيطرة على الحكم ( ) ثم جاءت خيبة نتائج الانتخابات التشريعية الديمقراطية الأولى( السابقة لأوانها) سنة 1981 التي أُتهم النظام بتزويرها( ).
والى جانب كل تلك الخيبات السياسية عرفت تونس خلال هذه الفترة أزمات اقتصادية واجتماعية متتالية التي من أسبابها أيضا الأزمة الاقتصادية العالمية و من مظاهرها في تونس ركود اقتصادي وتراجع حاد في نسب النمو وعجز متواصل لميزان المدفوعات وارتفاع مديونية البلاد إلى الخارج ( ) وانعكس كل ذلك على الأوضاع الاجتماعية فازدادت نسبة البطالة وتدهورت أوضاع الفئات الفقيرة والمتوسطة بالتوازي مع بروز طبقة اجتماعية جديدة من رجال الأعمال استفادت من قوانين الانفتاح الاقتصادي الذي باشرته الدولة منذ بداية السبعينيات و من تداعيات هذه الأوضاع تضاعف عدد الإضرابات العمالية المطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل..( ).
و بلغت الأزمة الاجتماعية ذروتها عندما قررت الحكومة مضاعفة أسعار المواد الغذائية دفعة واحدة في أواخر ديسمبر 1983 للتخلص من عبء صندوق التعويض( ) بعد أن سبق للوزير الأول محمد مزالي( ) أن نفى عن طريق التلفزيون أية نية لحكومته في إلغاء صندوق التعويض واعدا بالمحافظة على أسعار المواد الغذائية الأساسية ( ).
لقد كان قرار الزيادة في الأسعار الحبوب ومشتقاتها عاملا مباشرا لخروج السكان المحرومين والمهمشين بالأحياء الشعبية الفقيرة بالعاصمة و بالمدن الكبرى و الجهات الداخلية غرب البلاد وجنوبها ووسطها ( ) فحطموا وخربوا و حرقوا ونهبوا كل ما وجدوا أمامهم من أملاك عامة وخاصة وكانت المواجهات عنيفة بينهم وبين قوات الأمن والجيش مما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بالإضافة إلى الخسائر المادية الكبيرة ( ).
2. تطور الأحداث:
تطورت الأحداث باتجاهات ثلاثة:
أ- المرحلة الأولى:بدأت بعد قرار مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 20 أكتوبر 1983، بحضور رئيس الدولة الحبيب بورقيبة، الخاصة بإلغاء صندوق التعويض و بالرفع من أسعار الحبوب ومشتقاتها لكن دون الإعلان رسميا عن مقدار الزيادة في الأسعار بالتوازي مع ذلك أعلن رئيس الوزراء عن خطة لحماية ضعفاء الحال من الفئات الاجتماعية مما قد يتولد عن الزيادة في أسعار المواد الأساسية، وصولا إلى مناقشة الميزانية الجديدة للدولة من قبل البرلمان الذي أقر حذف الدعم عن صندوق التعويض و إلغاءه وضمنيا الإقرار بالرفع من أسعار الحبوب ومشتقاتها.
بـ - المرحلة الثانية:انطلقت من الإعلان عن الرفع من أسعار الحبوب ومشتقاتها واندلاع الاضطرابات وذلك يوم 29 ديسمبر 1983 داخل البلاد أولا ثم تونس العاصمة إلى يوم 6 جانفي.
ج - المرحلة الثالثة:وتأتي عقب خطاب رئيس الجمهورية صباح يوم 6 جانفي الذي أمر بالرجوع عن قرار رفع أسعار الحبوب ومشتقاتها واعتماد الأسعار القديمة وخروج الناس للشوارع للترحيب بهذا القرار.
• و عرفت شوارع العاصمة وأحوازها يوم 3 جانفي 1984 أكبر المظاهرات وأعنفها حيث هاجمت الحشود الغاضبة كل رموز السلطة البورقيبية وحرقت وكُسرت مقرات حزب الدستور ومراكز الشرطة والمغازات والبنوك والمباني الفاخرة و محطات النقل والسيارات الخاصة والمحلات التجارية.
• أُعلنت حالة الطوارئ يوم 3 جانفي وسرى منع التجوّل وأُغلقت المعاهد والجامعات
• استغلت السلطة المناسبة لتقوم بسلسلة كبيرة من الاعتقالات في صفوف المنتفضين بالموازاة مع اعتقالات واسعة في صفوف النقابيين والناشطين اليساريين والإسلاميين أعقبتها عشرات المحاكمات
• ما بعد الاحداث:
• رُفعت حالة الطوارئ في 25 جانفي 1984.
• إعفاء إدريس قيقة وزير الداخلية من مهامه يوم 8 جانفي 1984
• رفعت في فيفري 1984 بـ10% من سعر الحبوب
• . تم يوم 12 أوت 1989 التخفيض من وزن الخبزة من 600 إلى 500غ وزادت 10مليمات في ثمن "الباقات"، ورفعت قليلا في أثمان الزيت والسكر والحبوب ومشتقات الحليب في حين أقرت زيادة بين 5و10% في أسعار بعض المواد الكمالية والمشروبات الكحولية.
التنكيل
• عبد الستار المعروفي (أصغر سجين: 15 سنة، أصيل جندوبة) ومنصف العجيمي (الكرم) ومحمد بوزيان (الكرم)، إلى ما حف بعملية اعتقالهم، من عمليات تعذيب أثناء التحقيق
• "التنكيل" بالعائلات عند كل زيارة الى السجن
• لطيفة بن حمادي (زوجة حبيب بن ابراهيم، أحد ضحايا منطقة الكرم بالضاحية الشمالية للعاصمة) رحيل زوجها، بعد إصابته برصاص قوات الأمن بأكثر من 3 سنوات متأثرا بإصابة بليغة خلفت له مرض السرطان"، فقد تعرضت إلى ما عانته طيلة السنوات الماضية، من تهميش ورفض لتشغيلها، هي وابنها، "بسبب إدراجهما في قائمة سوداء"، وفق روايتها.
• محمد السلامي (أصيل صفاقس) الذي تم قنص ابنه ومنعه هو من حضور جنازته أو حتى دفنه، إذ أشار إلى "استمرار معاناته إلى اليوم، بتهديده ومضايقته ومداهمة منزله، إلى حدود سنة 2013" .
• تلقت هيئة الحقيقة والكرامة 1230 ملفا بخصوص الانتهاكات المرتبطة بأحداث انتفاضة الخبز، منها 85 ملفا تعلقت ب"القتل العمد" و213 ملفا تعلقت بانتهاك "الإصابة أثناء الاحتجاجات أو بمناسبتها" و932 ملفا تعلق بانتهاك "الإيقاف التعسفي والتعذيب والسجن".
* د. عبد اللطيف الحناشي، استاذ جامعي مختص في التاريخ ومناضل نقابي



