ثقافي

من أجل الاعتراف بيوم 26 جانفي يوما وطنيا للحركات الاجتماعية: فيلم "عالبار" يعيد فتح ذاكرة النقابيين في كامل البلاد بحملة "مانسيناش 26 جانفي"

ناجي الخشناوي

ربّما لن نتعسّف على الزعيم الوطني فرحات حشاد في إعادة صياغة مقولته التي أصبحت شعار الاتحاد العام التونسي للشغل: "بالفكر والسّاعد نبني هذا الوطن" عندما نعيد صياغتها ونكتب "بالفكر والساعد نستعيد ذاكرة هذا الوطن"، فالذاكرة الوطنية هي جزء من مستقبلنا، ومن تفاصيلها أيضا تتشكّل ملامح المستقبل، فالذاكرة هي عنوان انتماء، وهي أيضا صورة من صور التاريخ الوطني، ومنها أحداث 26 جانفي 1978 تلك التي نشير لها بالخميس الأسود وتسعى "الذاكرة الرسميّة" إلى طمس معالمها وتجاهلها بغاية طمعا في نسيانها ومحوها من الذاكرة الشعبية ومن تاريخ تونس الحديثة، وربّما لهذا السبب وغيره أيضا تواصل حملة "ما نسيناش 26 جانفي" نشاطها وديناميكيّتها لتثوير ذاكرتنا والنبش في خبايا ما لم يُكشف من أحداث الخميس الأسود، وهذه الحملة الوطنية التي تنفض الغبار عن ذاكرتنا من خلال السينما وتحديدا من خلال الفيلم الوثائقي "عالبار" للمخرج التونسي سامي التليلي، تسعى إلى: إحياء الذكرى والتحسيس عبر أنشطة ثقافية وفنية في كامل البلاد، والتوعية حول الأحداث عبر نشر وثائق وشهادات-والدعوة إلى حفظ الذاكرة الوطنية لضحايا الأحداث.

يطرح فيلم "عالبار/sur la transversale " لسامي التليلي، الذي يمتد لساعة ونصف، تقاطعات السياسة والرياضة في تاريخ تونس الحديث، مستحضرا قدرة كرة القدم، مع ترشح المنتخب الوطني لكرة القدم لكأس العالم في الأرجنتين لأول مرة في تاريخ الرياضة التونسية، على استيعاب غضب الجماهير من السلطة وتحويل وجهتها بعيدا عن التصادم، وتدور أحداث الفيلم بين عامي 1977 و1978 عندما كان التونسيون يعيشون أزمة اقتصادية واجتماعية حادة فجَّرها الإضراب العام، الذي دعى له ونفَّذه الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة الزعيم الحبيب عاشور في مواجهة سلطة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، والتي تكثّفت يوم 26 جانفي 1978 الذي بات يعرف بالخميس الأسود عندما اندلعت مواجهات بين السلطة المدججة بكل أسلحة القمع والشعب الأعزل إلا من حناجره وشعاراته الرافضة لسياسة التجويع والظلم والقمع، لتنتهي المواجهات بأكثر من 300 ضحية حسب عديد المؤرخين، بين القتلى والموقوفين، ليظل السؤال مشروعا ومفتوحا على أكثر من أفق: هل فعل هذا كل شيء عن الخميس الأسود؟.

الأكيد أن كل من شاهد فيلم "عالبار" منذ أن شارك في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية سنة 2009، سيقف على جزء كبير من ذاكرة هذا اليوم التاريخي، خاصة إن سامي التليلي استغرق سنوات طويلة لإعداد الأرشيف اللازم والبحث عن الوثائق والفيديوهات النادرة لحادثة الخميس الأسود في تونس ومظاهر القمع الذي مارسته سلطة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ضد الخصوم النقابيين، وقد صرح المخرج بأنَّ 80% من الصور والفيديوهات تمَّ جلبها من أوروبا ومراكز البحث السمعي البصري في فرنسا التي وثّقت فترة السبعينيات من القرن الماضي في تونس، وهي وثائق وشهادات جعلت من الفيلم سندا ومرجعا لمعرفة جانب كبير مما حدث يوم 26 جاني 78، وربما لهذه الميزة استندت مكوّنات الحملة التحسيسية على الفيلم وتجعله مطيّة ومدخلا ذكيا لاستفزاز ذاكرة النقابيات والنقابيين ولتحريك خباياها وما يمكن أن تبوح به لمزيد إثراء ذاكرتنا الوطنية، وأيضا من أجل الاعتراف بيوم 26 جانفي يوما وطنيا للحركات الاجتماعية.

في اتصال لنا بالمناضل الهاشمي بن فرج أحد رموز حركة برسبكتيف أكّد لنا ان حملة "ما نسيناش 26 جانفي" إلى إحياء ذكرى أحداث 26 جانفي 1978 المعروفة بالخميس الأسود في كامل أرجاء البلاد والضغط من اجل الاعتراف بيوم 26 جانفي يوما وطنيا للحركات الاجتماعية، وتتكون اللجنة المنظمة للحملة من منظمات المجتمع المدني التالية: جمعية دوك هاوس، جمعية برسبكتيف - العامل التونسي للذاكرة والمستقبل، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وتتم الحملة تحت إشراف الاتحاد العام التونسي للشغل.

وقد انطلقت الحملة منذ مدة حيث تم عرض فيلم "عالبار" في عدد من الاتحادات الجهوية للشغل بكل من الكاف وجندوبة وبنزرت وباجة والمنستير والقيروان والمهدية، ومثلما أكّد لنا المناضل الهاشمي بن فرج عن جمعية برسبكتيف - العامل التونسي للذاكرة والمستقبل، فقد كان التفاعل إيجابي ونجح الفيلم في تحريك سواكن من شاهدوه في مختلف العروض وفتح المجال لذاكرة عدد كبير من النقابيين والنقابيات لتقديم شهادات جديدة وإثراء المعطيات والأحداث والمواقف التي رافقت أحداث يوم 26 جانفي 78 وما لحقه.

ومواصلة في نفس المسار، ستكون ولاية سوسة المحطة الجديدة لحملة "مانسيناش 26 جانفي" حيث سيتم عرض ونقاش فيلم "عالبار" بمقر الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة يوم السبت 09 أكتوبر الجاري بداية من الساعة التاسعة صباحا، وهو عرض ستكون له خصوصيّاته باعتبار أن سوسة شهدت في ذاك اليوم إيقاف أكثر من 101 من النقابيين وشهدت أيضا استشهاد الزعيم النقابي حسين الكوكي، والعديد من الخفايا الأخرى التي لن تبقى حبيسة ذاكرة النقابيين، فاللجنة المنظمة لهذه الحملة لا تكتفي بعرض الفيلم ونقاشه فقط، بل هي تقوم في نفس الوقت بتدوين وتصوير الشهادات المسكوت عنها أو المنسية وتوثيقها لإثراء وحفظ ذاكرتنا الوطنية، وسعيا لتتويج هذه الحملة في أفق جانفي 2022 بجعل يوم 26 جانفي يوما وطنيا للحركات الاجتماعية، إنصافا لشهداء الحركة النقابية والحركات الاجتماعية وتنويرا لذاكرتنا الجماعية، وهذا وستتواصل العروض لتشمل كامل ولايات البلاد.