رياضي

تشافي...ممرر الكرات الساحرة المؤمن بفلسفة كرويف

عبقري، ساحر، سيّد التمريرات وصناعة اللعب في ​برشلونة​ و​منتخب إسبانيا​...سيعود ​تشافي هرنانديز​ مدرب ​السدّ​ القطري السابق إلى ملعب " كامب نو" لتسلّم مهامه الفنية ضمن خطة إحياء الجينات التي تميّز بها النادي الكتالوني: لعب جماعي و"تيكي-تاكا" بنى بفضلها برشلونة أمجاده وهيمن على الكرتين الأوروبية والعالمية.

أعلن السد الجمعة على لسان المدير التنفيذي للنادي ​تركي العلي​ موافقته على انتقال تشافي لناديه السابق "بعد دفع قيمة الشرط الجزائي المنصوص في عقده تشافي أبلغنا في الايام الماضية برغبته في خوض تجربة برشلونة في هذا الوقت بالتحديد، بسبب المرحلة الحرجة التي يمر بها نادي مدينته ونحن نتفهم ذلك وقررنا عدم الوقوف في طريقه".

سيعود تشافي (41 عامًا) بطل مونديال 2010 وأحد أبرز النجوم في تاريخ الكرة الإسبانية إلى "منزله" في كتالونيا، وهو قدٌر بدا مكتوباً لهذا التلميذ الذي ترعرع في ظلّ المدربين الهولندي الراحل ​يوهان كرويف​ ومواطنه ​بيب غوارديولا​، مع أسلوب يعتمد على فكرة الاستحواذ على الكرة، اشتهر به برشلونة في مطلع العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين.

عاد تشافي، الُمكنّى بالـ"ماكينة"، إلى الفصل الأوّل من قصّة العشق مع برشلونة والتي أسدل الستار عليها في عام 2015 مع رحيله إلى السدّ، عقب فوزه بلقب مسابقة رابطة أبطال أوروبا للمرة الرابعة في تاريخه، والأخيرة حتّى الآن في تاريخ النادي الكتالوني.

انبهر عالم الكرة المستديرة بتمريرات لاعب الوسط تحت إدارة غوارديولا (2008-2012)، حيث بدا حينها وكأنه يتحكم بها عن بُعد وبفضل دقة أشبه بدقة طبيب جرّاح. ففرض الإسباني نفسه قائد اللعب الحقيقي لنادٍ سيهيمن على أوروبا وعلى العالم لعدة سنوات...ولكن كل هذا السحر لم يسمح له بالخروج من ظل الأسطوري الارجنتيني ليونيل ميسي ونجوم آخرين.

اعتزل تشافي اللعب في عام 2019، ليبدأ مسيرته كمدرّب مع السدّ، لذا يعتبره كثيرون قليل الخبرة نسبياً، على الرغم من أنه بدأ بتطوير عِلمه في اللعب والنهل من معرفة تاريخ كرة القدم وعلوم التدريب على مرّ العصور.

- سجل خالٍ من الكرة الذهبية -

قصير القامة وممتلئ الجسم (1.70 م و67 كلغ)، انضمّ تشافي إلى أكاديمية "لا ماسيّا" في سن الـ11 عاماً، وهو مركز تدرّج اللاعبين في برشلونة، على بُعد حوالي ثلاثين كيلومتراً جنوب شرق مسقط رأسه " تيراسّا". تدرّج في جميع الفئات العمرية حتى بداياته مع الفريق الأوّل عام 1998، في سن الـ18.

وعلى الرغم من الشكوك التي رافقت بداياته، بسبب مواصفاته البدنية، إلا أنه فرض نفسه سريعاً في التشكيلة الأساسية قبل أن يتقلّد شارة القيادة ويحصد الألقاب: أربعة في مسابقة رابطة أبطال أوروبا (2006، 2009، 2011 و2015)، و8 في البطولة الاسبانية، بالإضافة إلى فوزه بكأس العالم (2010)، وبكأس أوروبا مرتين (2008 و2012) مع منتخب "لا روخا" الذي ارتدى قميصه في 133 مباراة دولية.

ثقّل تشافي سجله بالكؤوس، ففاز بـ25 لقباً مع النادي الكاتالوني وخاض معه 767 مباراة، كثاني أكثر اللاعبين ارتداء لقميص "بلاوغرانا"، حيث يتجاوزه في هذه الفئة "البرغوث" الصغير ميسي مع إجمالي 778 مباراة.

على الرغم من هذه المسيرة الاستثنائية، يخلو سجل تشافي من الكرة الذهبية حيث كان ميسي عائقاً أمام إحرازه لقب أفضل لاعب في العالم، فتقدّم عليه في الترتيب النهائي في عام 2010 على رغم فوز الإسباني في ذلك العام بمونديال جنوب إفريقيا.

ولكن من يهتم بالكرة الذهبية؟ فبالنسبة لعشاق الكرة المستديرة، يمثّل تشافي اللعب الجماعي قبل كلّ شيء!

- لامع لكن متحفظ -

في مقابلة أجراها العام الماضي مع صحيفة "لا فانغارديا" الإسبانية اليومية، استشهد تشافي بـ"والده الروحي" عندما أراد التحدث عن مثاله الأعلى، وقال "بالإضافة إلى كرويف، الذي غيّر تاريخ كرة القدم، وجوان فيا بوش، في كرة القدم (لاعب خط وسط والمدير التنفيذي السابق في لا ماسيّا) الذي يعرف عن أسلوب كرويف في كرة القدم أكثر من كرويف نفسه".

ويتابع "...وغوارديولا أيضًا، له تأثير كبير"، علماً أنه كان لعب مع بيب وجاوره في غرفة تبديل الملابس في برشلونة، قبل أن يخلفه في خط الوسط ... ويصبح المتحدّث باسمه على أرض الملعب.

وعن كونه اضطر لإجراء تنازلات عن أفكاره في كرة القدم بعد انتقاله من المستطيل الأخضر إلى دكة المدربين، قال "القليل، في الحقيقة"، قبل أن يحرز لقبه الأول من أصل أربعة بفوزه بلقب البطولة القطرية مع السد في أفريل 2021، علماً أن عقده مع " الزعيم" كان يمتد حتّى عام 2023.

"أنا أؤمن بالاستحواذ على الكرة قدر الإمكان، مع الضغط العالي، واللعب في نصف ملعب الفريق المنافس، والضغط عليه عبر الهجمات"، يقول تشافي شارحاً فلسفته على أرض الملعب، ويتابع "هذه هي كرة القدم التي اختبرتها في برشلونة ومع لا روخا".

لاعب لامع لكن رجل متحفظ، لا يُعرف سوى القليل عن حياته الشخصية: بالكاد نعرف شغفه بقطف الفطر، ليسير على خطى زميله السابق جيرارد بيكيه وصديقته المطربة شاكيرا.

يشتهر تشافي بكرمه، حيث تبرّع مع عقيلته الصحافية نوريا كونيليرا والتي اقترن بها في عام 2013، بمليون يورو لمستشفيات برشلونة التي رزحت تحت معاناة تداعيات وباء فيروس كورونا في ربيع عام 2020، وذلك قبل ثلاثة أشهر من إصابة تشافي بالفيروس.

الكرم واللعب الجميل والتوق الشديد للانتصارات: هذا هو كوكتيل تشافي وهو علاج يأمل برشلونة في أن يكون مفيدًا له لكي يستعيد أمجاده بعد فترة انتقالية شهدت رحيل أسطورته ميسي إلى باري سان جيرمان الفرنسي ومروره بأسوأ فترة في تاريخه مالياً وكروياً.