من أحزان بروسيا الى أحزان تونس : حين يرتدي الجاهل تاريخا لا يعنيه
من المضحكات المبكيات أن التلميذ الموقوف والذي اعتدى بالعنف الشديد على استاذ التاريخ والجغرافيا بمعهد ابن رشيق بالزهراء يرتدي لباس بروسيا دورتموند الرياضي
خارج سياق اللباس الرياضي دعونا نبحث عن بروسيا تلك المنطقة التي منها ولد العقل الألماني و من تلك المنطقة ولد الانتماء القومي الألماني، بروسيا أرض الأساتذة و العلماء و المفكرين وأرض الوحدة الألمانية فمنها توحدت ألمانيا و منها ولدت أمة ألمانيا أمة العلماء و المفكرين و المبدعين
بروسيا التي أعطت كانط و ماركس و آدم مولر و فريديرتش بولسن و يورغ سيميل و أعطت للإنسانية أساتذة الموسيقى الذين احتضنتهم من فاغنار الى موزارت الى بيتهوفن الى باخ الى شوبان
بروسيا التي ألهمت هيغل و نيتشه و فاغنار و شوبنهاور و التي دخلها واضع إمتحان البكالوريا نابليون بونابرت باكيا و هو يردد "هذه جمهوريتي الإمبراطورية "
التلميذ يرتدي بذلة فريق و مدينة و أقليم ألماني كان حاضنة العقل الألماني و مهده لم يفكر حين وثب بسكينه و فأسه على رأس أستاذ التاريخ و الجغرافيا و على التاريخ و الجغرافيا كمادة من مواد العلوم الإنسانية معتديا بذلك على ابن خلدون و على مؤرخي و جغرافيي وطن بأكمله أسماء أساتذته تسطع و تشع في رحاب العالم كما أنه اعتدى على تاريخ منطقة عريقة "بروسيا" و فريقها الذي احتضن السبارتاكيين و العمال و الفلاسفة و المؤرخين
قد لا يقرأ الكثير و قد لا ينتبه الكثير لرمزية و دلالة الصورة لكن الذي يفني عمره في العلوم الإنسانية بتفاصيلها لن تكون نظرته للأشياء مثلهم
فالصورة موجعة فقد إلتقى الأستاذ الضحية بالتاريخ الضحية حين شوهه تلميذ منحرف نفسانيا و مجتمعيا و أخلاقيا
لطالما كان الأساتذة هم دوما الضحايا الأوائل أمام هجمات الرعاع و الجهلة و الأغبياء
فالمعري أهانوه و ابن رشد أحرقت كتبه و ابن خلدون فر هاربا و صامويل باتي قطع رأسه و والتر بنجمين مات منتحرا و بول نيزان مات أسيرا و سقراط مات معدوما بأن تجرع السم و خالد الأسعد قطع رأسه و الصحبي بن سلامة شق رأسه كأن التلميذ يريد شق التاريخ و شرب دمه و شمه
قائمة الأساتذة الضحايا في هذا العالم كثيرة و هي دليل أن الذي اختار ان يتمترس في خندق الجمهورية و العلم و الحداثة يدرك صعوبة المعركة و مصيره فهو يقارع السلطة اذا استبدت و يقارع المجتمع بأغلبيته اذا اختارت طاعون الجهل و الإنحراف و الإجرام دينا .
ليس من السهل ان تختار مهنة تحطيم الأصنام و تختار طريق فيلسوف المطرقة فكم من مدرس و أستاذ و جامعي و مفكر كفر و أهين و شرد و عوقب و سجن لكن التاريخ أنصفه فمن يختار طريق النور و العقل و العلم الذين يقودون البشرية نحو الحرية و الجمال هو المنتصر لأنه حامل لرسالة النبل و الإبداع و التجديد .
التعليم أقدم مهن التاريخ واكب الحروب و ظل واقفا شامخا
التعليم واكب الأمراض و الأوبئة و المجاعات و ظل و أنقذ البشرية. التعليم واكب الاستبداد و الاحتراب و الجهل و ظل واقفا يقاتل كآخر خنادق الإنسانية ليثبت ان تميز الانسان في العالم عن باقي الكائنات هو العلم و التعلم و المعرفة .
مرتكب الجريمة و محيطه الذي نشأ منه و تعلم منه الانحراف و العنف لن يقدر على اركاع العلم و التعليم فالأول جاء من محيط ضيق محدود الآفاق أما التعليم و الأستاذ الضحية فقد جاؤوا من محيط إنساني منه بروسيا و منه تونس و منه العالم هذا العالم الرحب المنتصر للعقل المنتصر للثقافة المنتصر للإنسان الحضاري ضد الهمجي الإنسان
المورسكي المغدور