من أجل سياسة عمومية تضمن حق الجهات المهمشة في الولوج إلى الماء
احتضنت قاعة "الريو" بتونس العاصمة مؤخرا فعاليات الندوة التي نظمتها "انترناشونال الرت"(International Alert) بالشراكة مع جمعية "نوماد08"(Nomad08) والتي خُصصت لتقديم حملة الماء حق دستوري واختتام مشروع "تعزيز الحوكمة الديمقراطية التشاركية للماء في ولاية القصرين، كما استعرضت الضمانات القانونية والمؤسسية لتفعيل الحق في الماء.
ومثّل اختتام المشروع فرصة لعرض الفيلم الوثائقي القصير "القصرين، ماء الكرامة" للمخرج صامد حجي الذي استعرض خلاله مثالا حيّا عن عدم تكافؤ فرص الولوج إلى الحق في الماء الصالح للشراب في ولاية القصرين، كما تناول التلوث الصناعي وتأثيره على الموارد المائية.
وناقش المشاركون هذا الوثائقي بحضور كل من ألفة لملوم مديرة مكتب "انترناشونال الرت" بتونس وعلاء مرزوقي المدير التنفيذي لجمعية "نوماد 08" والمخرج صامد حاجي والمحامي محمد بوزقرو الذي استعرض خلال مداخلته مسألة الضمانات القانونية والمؤسسية ومواطن قصورها في مجال ضمان الحق في الماء في تونس.
وأكدت ألفة لملوم على "ضرورة تكوين تحالف جمعياتي واسع يدافع عن حق الجهات المهمشة في الولوج إلى الماء وضرورة صياغة بديل تنموي صديق للبيئة يقطع مع استنزاف المائدة المائية جرّاء أساليب الإنتاج المتبعة حاليا".
ولئن اتخذ المشروع من الجهات الداخلية المهمشة نموذجا حين خيّر الانطلاق من تناول الأوضاع الحالية في ولاية القصرين التي تحتل المرتبة الثالثة وطنيا من حيث تواتر انقطاع الماء، فإن الندوة استعرضت مظاهر اللامساواة في الولوج إلى الحق في الماء على المستوى الوطني عبر تقديم ورقة بحثية قانونية "أعدتها المنظمة حول "منظومة المياه في تونس والتي تستعرض الاطار القانوني والتشريعي لحوكمة المياه وضمانات النفاذ إليه.
قدّم المشاركون والمشاركات جملة من المعطيات المتعلقة بسوء التصرف في الموارد المائية وشحّ مياه الشرب في البلاد، حيث بيّنت الدراسة أنه، ورغم أن النسبة الوطنية لربط المساكن بشبكة الماء الصالح للشراب بلغت 84%، إلا أن القصرين، على سبيل المثال، لم تتجاوز النسبة فيها الــ 60%، إضافة إلى ما ينجر عن اهتراء المنشآت المائية وافتقارها للصيانة وتدهور البنية التحتية التي تسببت في نسبة تسرب للماء قُدرت ب 03%.
رغم أن الفصل الرابع والأربعين من الدستور التونسي لسنة 2014 ضمن الحق في الماء، إلا أنه، وبعد مضي سبع سنوات على المصادقة عليه، لم تقع مراجعة السياسات والتشريعات الحالية لتكون كافلة لحق جميع المواطنات والمواطنين دون استثناء في الماء، كما لم تعتمد الحكومات المتعاقبة أي سياسات عمومية تشاركية بوسعها ترشيد حوكمة الثروات المائية وتطبيق العدالة في توزيعها بين الجهات مع ضمان حق الأجيال القادمة رغم تفاقم وتيرة الاحتجاجات في العديد من الجهات المهمشة والتي جوبه البعض منها بالقمع أو بالمحاكمات الجائرة.
لا تزال مجلة المياه الصادرة سنة 1975 سارية المفعول إلى حدود اليوم رغم اقتصارها على الجوانب التقنية وتجاهلها للجوانب الحقوقية التي لا يجب أن تتوقف عند احترام أحكام الدستور بل كل ما نصّت عليه المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، سيما منها العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا الإطار، ذهب علاء المرزوقي إلى اعتبار "مسألة التسريع في إحداث مجلة المياه باعتماد مقاربة تشاركيّة، ضرورة ملحة للتقليص من الفوارق وضمان حق الجهات المهمشة في الولوج إلى الماء".
أوصت الورقة البحثية بتخصيص الاعتمادات اللازمة لضمان حق الجميع في الماء وتطبيق مبدأ العهدة على الملّوث وإجبار المؤسسات الصناعية على التقليص من استعمال المياه.