وثائقي

شهادة في عبدالسلام جراد من ناشط سياسي مناضل رابطي ونقابي قاعدي

بقلم سالم الحداد

 بعد أن فقدت الساحة النقابية أخانا المناضل بوعلي المباركي فسقط من على صهوة جواده، ها هو فارس نقابي آخر يترجل عن عمر 84 سنة بعد نضال تواصل طيلة عقود في صفوف المنظمة الشغيلة التي تصدت لعدة ضربات موجعة من النظام بعهديْه، كان للأخ عبد السلام جراد دور فاعل فيها .

عبد السلام جراد  فارس نقابي من أيام الجمر يترجل

كل جواد قد يكبو، وكل فارس قد يتعثر، وكل سيف قد يُفلّ، لكن مسيرة الصادقين تتواصل مستفيدين من تجربة الخطأ والصواب مصداقا للاية الاكريمة " أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض"،  
 فمن أهم المحطات النضالية التي علينا أن نسجلها في مشوار هذا الرجل من خلال مسؤولياته النقابية :

أولا ـــ مسؤولية الكاتب العام لقطاع للنقل زمن الجمر
تحمّل الأخ عبد السلام مسؤولية الكاتب العام لجامعة النقل جهويا ومركزيا، قبل أزمة 26 جانفي وأثناءها .القطاعات الحساسة التي مكنت الاتحاد من إثبات استقلاليته وزعزعة أركان نظام الاستبداد. وكانت ردود فعل النظام السجن والتعذيب مما تسبب للمرحوم في إعاقة سمعية لازمته إلى الممات
ثانيا ــ الانخراط في الكتلة العاشورية
لم ينخرط الأخ عبد السلام في اللجنة التي شكلتها حكومة مزالي لعقد مؤتمر قفصة سنة 1981 حيث أصر بورقيبة على استثناء الامين العام الحبيب عاشور من الترشح وبقي وفيا لثوابت الاتحاد في الاستقلالية والنضالية مطالبا برفع المظلمة التاريخية عنه وعن المنظمة 
ثالثا ــ المؤتمر 16 ودوره في مواجهة الشرفاء والاتحاد الوطني
كان المرحوم ضمن البقية الباقية من المؤتمر 16 التي حافظت على العهد، فتمسكت باستقلالية المنظمة الشغيلة وتصدت سنة 1985 لاتحاد الشرفاء وللاتحاد الوطني اللذين شكلهما النظام لتمزيق صفوف الحركة النقابية وانهاكها في مؤتمر1989 
رابعا ــ تصحيح المسار النقابي 
خلال عشر سنوات 1990... 2000 بدأت العولمة تهيمن على اقتصاد الدولة ودجن النظام المنظمة النقابية تحت شعار النقابة المساهمة ، فعاش الاتحاد حالة من الاحباط وفقد جذوته النضالية وعزف النقابيون عن النضال في صفوفه مما اشعر القيادة بالفراغ الذي تعيشه المنظمة ،فكان ذلك من اهم العوامل القادحة للمراجعة التي بدأت من الصين الشعبية وصولا إلى ساحة محمد علي مرورا بقصر قرطاج ، لم تكن جذرية لكنها كانت ضرورية لتصحيح المسار النقابي الذي تولى فيه عبد السلام مسؤولية الأمين العام في 21 سبتمبر 2000 لاستكمال الدورة السابقة وبدا الاتحاد يسترجع نفسه النضالي بخطى وئيدة ويستعيد مصداقيته كمنظمة جماهيرية
خامسا ــ قرار تاريخي في مسيرة الاتحاد والشعب التونسي
انتخب الاخ عبد السلام كأمين عام لأول مرة في مؤتمر جربة سنة 2002 الذي اقتحمه المعارضون للقيادة النقابية و سجلوا حضورهم كخيار رافض للنهج المفرط في استقلالية المنظمة. لم يعترض عليه الاخ عبد السلام بل قد يكون اتخذه مبررا لضرورة مراجعة المسار النقابي واستيعاب المناضلين الذين وقع التعسف عليهم . وكان اهم قرار اتخذه المؤتمر هو تحديد مدة مسؤولية أعضاء المكتب التنفيذي بدورتين. 

كانت تلك مبادرة نوعية في محاربة التكلس والمكتبية في قيادة الاتحاد وبذلك فُسح المجال امام الطاقات الشابة المناضلة وقد نسجت الاحزاب السياسية على منوال المبادرة كما اخذ بها المجلس التأسيسي في تحديد دورتين لرئيس الدولة.
سادسا ـــ خطوتان معبّرتان نحو استعادة الاستقلالية
  ـــ رفض خيار المستشارين النقابيين
رفض الاتحاد الدخول إلى مجلس المستشارين الذي أنشأه النظام في أوت 2005 محددا شروطا على المقاس كغرفة ثانية للديمقراطية المزيفة
  ـــ رفض قبول دخول الإرهابي شارون لتدنيس الأرض التونسية
في مؤتمر قمة مجتمع المعلومات الذي انعقد قي شهر نوفمبر 2005 التي ارادها النظام منبرا للدعاية في الداخل والخارج، انقلب السحر على الساحر فقد هزّ اركانه اعتصام ائتلاف 18 اكتوبر، ورفض الاتحاد العام التونسي للشغل دعوة الكيان الصهيوني لأنه  يتعارض مع "المواقف المبدئية الثابتة لجميع التونسيين الذين يرفضون كل أشكال التطبيع .  
لم تنجح الفعاليات الوطنية في منع زيارة الوفد الصهيوني لكنها غيرت رئاسة الوفد من الإرهابي شارون إلى وزير الخارجية وهو صهيوني آخر أقل استفزازا للرأي العام وقُدم على أنه من أصل تونسي(قابس )
وهذا الموقف الثابت يؤكد تجذّر رفض الصهيونية لدى كل المناضلين النقابيين وقد تمسكت كل القيادات بهذه الثوابت وقد كرسها الاخ عبد السلام خاصة في حرب الخليج
سابعا ــ انتفاضة الحوض المنجمي ودور الاتحاد
كل المتابعين لانتفاضة الحوض المنجمي يعرفون أنها انتفاضة شعبية عفوية لم تكن بتخطيط او قيادة أي فصيل سياسي لكن اليسار تفاعل معها وساهم في دعمها وفي بلورة اسبابها العميقة ، وسرعان ما فرضت الانتفاضة نفسها فتفاعلت معها القيادة المركزية فتحول ثلاثة أعضاء من المكتب التنفيذي إلى الحوض المنجمي. افضى كل ذلك إلى تغيير المركزية لموقفها معتبرة الانتفاضة تعبيرا موضوعيا عن معاناة شريحة عمالية واسعة من المعطلين والعاملين فصارت المركزية تتعامل مع رموزها كقيادات نضالية وأعتقد أن الاخوين عدنان الحاجي والبشير العبيدي مؤهلان اكثر مني للحديث عن هذه المرحلة المفصلية الصعبة بعيدا عن التجريم والتخوين او التمجيد .المهم أن المرحوم استوعب آثار الانتفاضة وتواصل مع أهم رموزها ولم تكن المنظمة النقابية ولا امينها العام عصا غليظة لقمع المناضلين 
ثامنا ــ الاتحاد والثورة
من الأكيد أن الاتحاد لم يطلق شرارة الثورة ولم يدّع يوما أنه فعل ذلك، لكنه كان أول الفعاليات الوطنية التي تابعت تحركاتها وفتحت مقراتها لحماية مناضليها بل كانت منطلقا لمسيراتها ويكفي أن نذكّر ب :
 ــ المظاهرتين الجهويتين :في صفاقس وتونس
  ــ المظاهرة المركزية التي قسمت ظهر البعير وانهت النظام 
 ــ تغطية وتمويل اعتصامي القصبة الأول والثاني كما تعاطت إيجابيا مع مطالب الثائرين الاجتماعية بل والسياسية
لذا لا غرابة أن تكون المنظمة الشغيلة وهياكلها محل نقمة الثورة المضادة التي فقدت السلطة لكنها مازالت محتفظة بالثروة وبالأذرع الإعلامية فوظفتها ومازلت توظفها في شيطنة المنظمة الشغيلة مركزة خاصة على الأمين العام عبد السلام والأخ عبيد البريكي فنبشت كل وثائق نظامها المنهار لتقديم القيادة للعدالة لكنها عبثا فعلت.
لم تكتف المنظمة النقابية بدورها في دعم الجماهير المنتفضة بل ساهمت في بناء المؤسسات الاولى للثورة فكانت من أهم مكونات المجلس الوطني لحماية الثورة والهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة متبنية استحقاقاتها في الحرية والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية وتجريم التطبيع.
تلك في تقديري مسيرة الأخ المرحوم عبد السلام جراد وهي لا تنفصل عن مسيرة الاتحاد العام التونسي للشغل في خضم بحر هائج بين المد والجزر كما تابعتها خلال أربعة عقود وكما تواصل معها النقابيون قطريا وقوميا وعالميا . 
بالَاضافة إلى هذا الدور الوطني فإني أسجل بكل اعتزاز ووفاء، 5 مواقف على الأقل لن تغيب من ذاكرتي ما دمت على وجه البسيطة وهي:
 1 ــ انه ــ والأخوين محمد سعد وعبيد البريكي ــ شجعني على اصداركتاب "الاتحاد العام التونسي للشغل بين الاستقلالية والتبعية" في جزأين فاقتنى الاتحاد 250 نسخة فتوفر للأجيال اللاحقة زاد معرفي بنضالاتهم الاجتماعية والوطنية .
 2 ــ أنه ــ مع الأخ محمد الطرابلسي وبلقاسم عفية ــ رفض إحالتي ــ صحبة مجموعة من النقابيين بالجهة ـــ على مجلس التأديب وطردي من الاتحاد
 3 ـ أنه أنقذ المركب الصناعي( 500عامل)من الانهيار ببلدتي زرمدين وهي المؤسسة الوحيدة العمالية التي صنعت حدث 26 جانفي بولاية المنستير بعد انتفاضة قصر هلال في 12أكتوبر1977. فذات صباح، اتصلت به لأعلمه بحالة الإحباط في المؤسسة وتداعياتها على المنظمة فأوقف كل الأنشطة ليتواصل مع كل الأطراف الفاعلة فأنقذنا ما أمكن انقاذه وتواصلت المسيرة.
4 ــ أنه حال دون الزج بي في السجن ــ صحبة 3عاملات(بنات فرج عباس)ــ سنة 2010 لما أوقفنا رئيس المحكمة و أودعنا بيت الإيقاف بتهمة تحدي القضاء، فهاتف ــ من كندا ــ وزير العدل بشير التكاري فأفرج عنا وكيل الجمهورية السيد محمد فوزي.
 5 ــ أنه نسّق مع الأخ المختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية لتمكيني من الالتحاق بالهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة ،لما تعذّر الاتفاق في الجهة على ممثل لها فمكنني ومكّن الجهة من ان تقول كلمتها في مرحلة مفصلية من تاريخ تونس.
يوم العيد الفارط بادرت بمعايدته ، بعد اسبوع فقط تلقيت مكالمة منه يسالني عن احوالي، شعرت بإحراج ان اسأله عن خلفيتها . لما بلغني نعيه أدركت أنها مكالمة توديع تغمده الله برحمته. 
انتم السابقون ونحن اللاحقون.     

سالم الحداد زرمدين / المنستير ـ 2 جوان 2021