وثائقي

علي السحيمي، صديقي الذي حفظت عنه الوفاء واحفظ له الود

 بقلم  :  عمار الزين 
 يقول الشاعر العراقي مظفر عبدالمجيد النواب في إحدى قصائده " لو جئت لحاربك الداعون إليك وسموك شيوعيا " . صاحبي الذي أعني لم يولد شيوعيا ولم ينشأ في بيئة شيوعية . كلما أعرف أنه يكنى بالشيوعي ، كنيته هذه ذاع صيتها في بلدتي التي غابت عنها المباهج من زمن ، فمن سأل عنه ومن طلب منه شيئا و من جالسه و من تحدث له و من إرتبط به في الشغل ، في " الحومة "  في أسواق المدينة في مقاهيها على قلتها أواخر الستينات و بداية السبعينات و كثرتها في أيامنا هذه ، في دار ثقافتها اليتيمة ، في نادي السينما المندثر ، في حلقات النقاش التي ضمت مثقفين ، موظفين ، إطارات و مسؤولين من مختلف الميادين ، سياسيين على كثرتهم و أحادية إنتمائهم ، في رحاب المرافق العمومية المتقلصة الفعل و الأداء .

الشيوعي

 عرف علي السحيمي بالشيوعي في أوساط المدرسين أساتذة و معلمين أصيلي البلدة و من حمله قدره للعمل هناك من مختلف أرجاء البلاد . تشابكت علاقاته بعمال المناجم بكل مدن الحوض المنجمي و المدن التي إرتبطت بتحويل وترويج الفسفاط مثل قابس و صفاقس و تونس. حتى أئمة المساجد يعرفونه وينادونه بالشيوعي . ذاع صيت كنيته بين نقاباتها ليمتد إلى مركز الولاية حيث مقر الإتحاد الجهوي للشغل . الكل يعرفه بالشيوعي من تحمل المسؤولية النقابية ومن كان في حزام النقابات الذي كان متينا وحتى في أوساط المنتسبين . عرف بالشيوعي في مسالك رابطة حقوق الإنسان منذ تأسيسها و تأسيس فروعها بالجهة .
رغم بروز الكنية التي إلتصقت بإسمه وإنتشارها لم تتوفر إجابة على مصدرها و كنهها ، يتناقلها من عرفه و ينادونه بها حاضرا أو غائبا في المجالس ، في حفلات الأعراس ، الختان ، في المواسم ، بمناسبة الأعياد ، عند إقامة أفراح النجاح و التفوق و الحج و غيرها .
هكذا عرفته .
اما أنا فقد إقتربت منه حد الحميمية ، عاشرته خلال مرحلة فعرفت أنه من طينة قل أن تعترض المرء . مرهف الإحساس ، حنون ، لا يحسد ، لا يضمر السوء حتى لمن عاداه ، لا يبخل بالنصح لمن يرى فيه خطأ أو إنحراف ، لا يتوانى عن مساعدة من يقصده معنويا وماديا رغم قلة ذات اليد ، يؤثر على نفسه لحساب أقاربه و أصحابه . إنتمى للحزب الشيوعي التونسي في وقت عز فيه حمل فكر مغاير لحزب وسلطة البلاد بعد أن مر بتجربة عروبية في ليبيا و الشرق . تحمل بجلد المحاصرة و التضييق و لم يطأطأ و لم ينحن . لازم كل التحركات و الإحتجاجات في البلدة و الجهة و البلاد و فعل فيها . عايش تجربة تنظيم " العامل التونسي " في منطقة المناجم و الجهة و ربطته برموزها و قادتها علاقات وطيدة .

في المائوية

هو سليل عائلة ناضلت ضد الإستعمار أنجبت أعلاما أهملتهم ذاكرة البلدة ، بينهم الأستاذ و المعلم و الطبيب و المهندس و المحامي و الإطار النقابي و المسؤول السياسي . واصل نشاطه ولم ينقطع عن رفاقه وأصحابه . كسب إحتراما قل أن حظي به مواطن وسياسي في البلدة .
تم تكريمه منذ يومين على هامش ندوة إحياء مائوية النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية ( 1921 - 2021 ) في اطاريوم دراسي حول مساهمة جهة قفصة في تاريخ اليسار و الحركة النقابية وهذا إعتراف بفرادة علي السحيمي وتقدير لمسيرته . إنتشيت لهذا التكريم المستحق وأسفت لعدم الحضور وأشكر من حرص على ذلك .

وداعا علي بن عمر السحيمي. حفظت عنك آيات الوفاء وأحفظ لك الود ، الله يرحمك يا سيدي علي وينعمك .