ثقافي

عرّبها عبد المجيد بالهادي وقدّم لها سامي العوادي: وثيقة مرجعية للاتحاد العام التونسي للشغل عمرها أكثر من سبعين سنة

يضع قسم الإعلام والنشر بالاتحاد العام التونسي للشغل، من خلال العمل الجديد للأستاذ بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر بجامعة منوبة وعضو مخبر التبادل المغاربي الأفريقي الأوروبي، عبد المجيد بالهادي، يضع بين أيدي القراء والمهتمين والمتابعين وثيقة مرجعية يعود تاريخها إلى منتصف القرن العشرين، وهي أولى الوثائق الاقتصادية التي أعدّتها لجنة الدراسات والدّعاية بالاتحاد العام التونسي للشغل وعنونتها بقضايا اجتماعية في تونس 1956، وهي وثيقة تستند وترتكز بالأساس على لوائح وتقارير المجلس القومي الاستثنائي 1950 والهيئة الإدارية للاتحاد العام المنعقد بتاريخ 22 جويلية 1951. وقد اشتغل الأستاذ عبد المجيد بالهادي على تعريب هذه الوثيقة المرجعيّة ونقلها إلى اللغة العربية، وقدّم لها وراجعها الأستاذ الجامعي بكلية الاقتصاد والتّصرف بتونس المنار سامي العوّادي، لتصدر في كتاب أنيق عن منشورات قسم الإعلام والنّشر وجريدة الشعب بإدارة الأخ سامي الطّاهري الأمين العام المساعد.

يصف الأخ سامي الطاهري هذه الوثيقة في تقديمه للكتاب، بأن المطّلع عليها سيكتشف من خلالها: "بعد نظر واسع واستشرافا ثاقبا ووعيا سابقا لعصره وقدرة كبيرة على التحليل ومنهجية متماسكة..." وهو أيضا ما يؤكده الأستاذ سامي العوادي عندما يكتب في مقدمته أيضا للكتاب: "سنلمس هذه الرؤية الشاملة الاستشرافية مجسدة في واحدة من بواكير أدبيات الاتحاد العام التونسي للشغل حين كانت هذه المنظمة الفتيّة ترسم خطواتها الأولى لتحديد أهدافها ومناهج عملها".

ويتضمّن هذا العمل توطئة ومقدّمة وستة فصول وردت تباعا: التشريع الاجتماعي، مشاكل الوظيفة العمومية في تونس، مشكل التعليم، السياسة الاقتصادية، ملاحظة حول وضع العملة من قدماء المحاربين وخلاصات عامة ونهائيّة، حيث جمعت فصول هذا الكتاب الجوانب التشريعية والتربوية والاقتصادية والسياسية في مرحلة مفصلية من تاريخ تونس الحديثة، تاريخ بداية بناء دولة الاستقلال وبناء مقومات مجتمع حرّ ونام مثلما يقول الأستاذ سامي العوادي.

ويُنزّل الأستاذ عبد المجيد بالهادي هذه الوثيقة ضمن إطار عام تقاطعت فيها جملة من الأولويات، فهذه الوثيقة تم إعدادها في إطار المجهود الدعائي الذي قامت به المنظمة النقابية للتعريف بالقضية الوطنية على المستوى الدولي، وهي أيضا تتنزل ضمن ترابط المسارين السياسي والاجتماعي الذي لخّصة الزعيم المؤسس فرحات حشاد في مقولتها "التحّرر السياسي ليس إلا مظهرا لكفاحه من أجل التحرّر الاجتماعي"، ولذلك كانت هذه الوثيقة شديدة التفصيل والتدقيق في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهو ما يتجلّى في مختلف عناصر الفصول الستة التي احتوتها وبوّبها الأستاذ عبد المجيد بالهادي.

يقدّم الفصل الأول: التشريع الاجتماعي في تونس جملة من المحاور منها مواطن القصور على مستوى التشريع، جدول مقارنية بين الأسعار والأجور، البطالة، مجالس التحكيم المعطلة، نظام المنح العائلية، عدم تطبيق النصوص القائمة، تفقّد الشغل، العمل الفلاحي، الصحة العمومية والسكن، انتهاك الحرية النقابية، قمع حركة الإضرابات، جدولة حركة الإضرابات، غياب المؤسسات الديمقراطية، نشاط المنظمات الشعبية لصالح الضمانات الدستورية والتمثيل الديمقراطي، برنامج الحركة المطلبية للاتحاد العام التونسي للشغل... أما الفصل الثاني: مشكل الوظيفة العمومية في تونس فتضمّن عدة محاور أيضا منها انتصاب الحماية الفرنسية، طريقة انتداب الموظفين، عراقيل وانتهاكات القوانين، غياب اللغة العربية في الإدارة التونسية، تضخم عدد الموظفين، وهم إصلاحات 08 فيفري 1951، أرقام وإحصائيات، أما الفصل الثالث المعنون بمشكل التعليم فقد تضمن التعليم في تونس، عرض تاريخي سريع، مبادئ السياسة التعليمية الاستعمارية، جداول إحصائية واستنتاجات أولية، نشاط الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا المجال، الخطة النظرية للتعليم، اللغة التوقيت البرامج، المجهودات المبذولة من أجل الإصلاح، إصلاحات أكتوبر 1949 التعريب، لائحة حول مشكل التعليم. أما الفصل الرابع: السياسة الاقتصادية فقد تضمن: النظام العقاري أداة استعمار، أشكال النهب، وسائل النهب، الأجور الفلاحية، السياسة الفلاحية لنظام الحماية، السياسة المالية تدمر الجماهير، الضرائب، الميزانية، الاتحاد القمرقي، مخطط مارشال، السياسة الاقتصادية والتجهيز، التمويل، التجهيز، من الدعاية الرسمية إلى الوضعية الحقيقية،، مشكل الإطارات الفنية، بعض القطاعات التقنية الهامة، مشكل السكك الحديدية وربط السكة-الطريق، المبادئ حول الإدارة المباشرة، برنامج التجهيز العقلاني ومخطط التصنيع, أما الفصل الخامس فجاء بعنوان الوضعية العامة لقدماء المحاربين التونسيين والفصل السادس تضمن خلاصات عامة ونهائية. كما تضمن الكتاب في صفحاته الأخيرة وثيقة مرفقة بعنوان لجنة العمل من اجل الضمانات الدستورية والتمثيل الشعبي والملاحق التي تضمنت وثائق بخط اليد

إن هذا العمل التوثيقي المهم الذي يقدّمه  الأستاذ عبد المجيد بالهادي  يبين بكل وضوح حجم الجهود التي بذلها ولا يزال، النقابيات والنقابيون من اجل خدمة القضية الوطنية والعمالية، ومثلما يقول عبد المجيد بالهادي في تقديمه للكتاب "يعتبر انجاز هذا التقرير وما تضمّنه من دراسات وتحاليل لأوضاع البلاد في الفترة الاستعمارية والحلول التي قدمها من أفضل الأمثلة على ذلك، وهو ما يدعم الرأي القائل: نؤكّد دون مبالغة أن الاتحاد كان حقا قوة دافعة نحو التقدم الاجتماعي.".

 وللتذكير فإن الأستاذ عبد المجيد بالهادي كان أصدر في السابق ثلاث مؤلفات مهمة الأول بعنوان "الاتحاد العام التونسي للشغل في الجهات، أضواء على الهياكل وقضايا العمال 1946/1957" والكتاب الثاني بعنوان "تونس والهيمنة الاقتصادية زمن الاستعمار 1863/1964" أما الكتاب الثالث فكان بعنوان "فرحات حشاد 1945/1952".

ناجي الخشناوي