ثقافي

نسرين مباركة حسن تحاور شكري بلعيد: شكري بلعيد الشّهيد الذي استشرف سيرته شعرا ولغة

(حوار مع شكري بلعيد )

كلما وضعت اللحاف على وجهي تحسّس وجهي وجهك حين وضعوا عليه اللّحاف الغائب مرة أخرى
يحرك أصابعي 
على وجهه المفتوح بالرصاصة
والعسس
والنظام
كلما أردت ان أنام
يتهمني بالسكينة
ويكتبني بلغة الحرام،  وباغتني السّؤال الذي صار يقفز الى سماء التونسيين كلّهم حتى قبل الشمس، ظلّ سامرا هناك في كبد السّماء : ترى ماذا قال الشّهيد في المسافة التي بين الرّصاصة

إليه و الموت

ترى ماذا رأيت؟ ترى في ماذا فكرت؟

ربّما فكرت فينا واحدا واحدا – المواطنين والديمقراطيين والفقراء والتلاميذ والمحكمة- ربّما رأيت شجرة تنبت فجأة بهدوء خيالي في الجبل – جبل الجلود- وتورق برويّة كبسمة الرّضيع الأولى على محيّا الهشاشة في معهد الوردية وفي جامعة المنار  وتُبرعم في بغداد ويطول جذعها أكثر  وتزهر في باريس قبلا وقرنفل، أصبحت الشّجرة عالية وتقوّس شكلها حتى عاد طرفها الأخر إلى شفة الأرض. ربّما رأيت القرنفل يغطّي الأرض كلّها وينادي -حبّ  يا تراب كن على الغريب دافئا- كان" هناك 

قرنفلة مائلة/ وهنا نهدها ينحني/ ثمّ يغادر مع النّزيف" حبّ  يا تراب كن على الغريب دافئا-

-         ترى ماذا رأيت؟---

-شكري:       أنا آخر من رأى-

امتزاج الذات برائحة البنفسج والخيول الراحله

أنا آخر من رأى

أمما تؤسّس عاشقيها في طقوس المرحله

 

---من أنت؟

 

-شكري:     أنا الخروج من مدن الرماد

الى البلاد القاحله

وأنا تُهشمها المرايا في الزواياا لقائمه

أنا

خيل على خيل الرحيل

تقاسمنا البداية

أنا

أعلنت دمي راية اليوم الجديد

أنا الشجر

والقادمون

الراجعون

السابقون

اللاحقون

أنا الحجر

والموجة الأولى

الصوت البدائي

وانفجار الحنجره

أنـــــا البلد  (أنا آخر من رأى  ص 156)

انا الفاصل ما بين حبّكمُ و الجنونْ

 و انتم بداية حزن المساءْ   (القرمطي ص 165)

-         نحن الحزن كلّه، نحن نبحث عن شهيد

شهيد يبحث عن شهيد
يمد يده البيضاء
الغائب مرة أخرى 
يسرق لغتي 
كلما وضعت من طين الحديقة
في ثقب العمر
انفجرت عين السؤال
مكان الرصاصة
صوب عينيه تماما
في أذنيه

ماذا قال الشهيد؟          (أربّي الربيع في وردتين مسربن مباركة حسن)
ماذا قال الشهيد؟  ماذا قلت؟ ربّما صرخت عاليا وجمّعت الرياح من حلق الذئاب بقبضتيك العاليتين "كي تغسل الروح من لحظة خائنة"–

تدري؟ صراخك بعد يعوي فينا ريحا تنفخ "يا ملك البريّةأنا لا أموت" أنا أعرّي الموت" لماذا سلبته أدباشه وفكّكت خصوصيته حتى صار أمامنا كائنا اجتماعيا، نفتح الباب فيقول صباح الخير، نجلس مع الأصدقاء فيسحب كرسيا له "على طاولة المقهىحيث نرسم "بقايا الرحلةدونك " وبقايا الحلم" يقول الموت: أنا هنا سحب الريح مني فأهديتُه القرنفل

                    "ينهار الحلم"

              "على طاولة المقهى"

               فتكسّر كل شيء تحت الرّكام والغبار،

               خلفه،

        "يتأسس تجار الكلمة

كهنوت الموت"

-         ندخل فراشنا، عسى يأوينا دفؤه "ساعة من عواء الرّياح"  التي أوقَدتَها بالغياب ولفحتْنا بحضورك اللاّمنتهي فتستيقظ "أوجاع الليلمن "زمنك المخدوعويضع الموت رأسه على المخدة المجاورة يقول : "تنامون؟ كيف لكم أن تناموا؟ وهو -يااااه "هوالغائب ..يقول الموت كيف لكم أن تناموا وهو "ينام على شفا الهيئة القاحلة"؟ كيف تنامون وهو في "الوحدة القاتلة" "ينام على الأسئلة"، هل حقا تنام على الأسئلة؟

 

-شكري:       -أنا "الصّحو" فكيف أنام

تنام البلاد على عريها

ينام الشّجر

تنام العصافير من تعب الزقزقه

تنام المرايا

وكل الصبايا تنام

وحده قلب يحاصر شهوته

ويصحو على السّؤال الحرام*   صحو ص 18

 

-         ماذا سألت؟ ماذا تريد أن تعرف أيّها الغريب؟

 

-شكري:       -"كم ليلة أخرى تمرّ؟"

"كم غريب سوف يأتي؟"

"كم من الأفلام تحتاج

لأن تسرق موجه/ أو يؤاخيك القمر؟"

"هل جاء الشّتاء؟"

-"كم ليلة أخرى تمرّ؟" ومن أربعــــــــــــــاء ؟؟

 

-         "ذبل الورد في مهرجان الخريف" ولم يأت الشّتاء، لم تأت الفصول، بعدك هذي البلاد باعت أمجادها القديمة وبدأت بك سفر التاريخ، صار لنا مجد جديد نفتتح به الذّاكرة وصار للعنف بُعد وحجّ لك الغرباء فلا تمهلهم الوقت ليأتوك تباع ا، وأمهلنا الوقت لندهن ليل البلاد بالنّجوم ونغري أحبّتنا بالضّوء وبالبقاء هناأمهلنا "قليلا من الوقت" حتّى نرتّب فراغك ونكنس مربّع العنف من تونس الحديقة، أمهلنا "قليلا من الوقت" كي نزرع مائة وردة، فمائة لون يحتاج قللا من الوقت.

-شكري:       -لا وقت لدي، فأنا مشغول بـ "غسل الرّوح من لحظة خائنة" مشغول تماما بوقتي الذي مرّ أمامي ولم يترك لي الموت "كي أزرع موتي في دهشتي"كنت أحتاج "قليلا من الوقت" حتى "وحدي أرتّبُ" "أسطورتي المقبلة"، فلم يمهلني الوقت موتا مؤجلا ورتّب معكم أسطورتي دوني، أنتم والموت والأحلام وألغانا لماض ومكيدة البوم الذي نفت حلمنا وراود الصّبر عليكم، كنت أحتاج "قليلا من الوقت"  حتى "أخرج من كلّ الأقنعة المتزنة"، حتى "خرج من وجع الرّؤية والألفاظ حرفا... حرفا... كلمة"

 

-         أين أنت؟

-شكري:       -"واقف في مخرج الرّوح"

     -  متى؟

-شكري:       -"ساعة يتقشّر في عمرها الوقت"  (لك ما لك ص 59  )

     -  أشتاقك وأحلم بك، كأني البلاد أو أمّك المرضعة، كأني المرأة التي نامت ليلتها وحدها تقضم الفراش وتنتظر الحقيقة، كيف هي الرّوح وسآتي فقد ذهبت في مواعيد كثيرة الاّ "مخرج الرّوح" لا أعرفها، هل هي مكان؟

-شكري:       -"في المكان أللذي لا مكان له"

        -       اذن لست في المدينة؟

-شكري:       -"المدينة نصل بين جسر وحصانالمدينة "رمّانة الوجع القديمالمدينة "شهوة" المدينة "قنبلة"

        -       هل تفجّرت؟

-شكري:       -هي الان "كمان يحصي أدمعه"  ***المدينة ص 40

        -       ربّما لذلك نحن نغنّيك، بحّ الصّوت، خرج الكمان السّارح في ريحك ونزل على مباني المدينة يعزف فلم تسكت امرأة ولا رجل ولا طفل ألن يصمت فقد هام محبّوك وأصواتهم دامية كأنها كفّ تمشي على الحجر والنّار ولا تقف

-شكري:       -الكمان "يرقص لنشيد من جنون وعناء القتلة" لا أنا سيّد للجنون فأوثقه ولا أنتم وثقتم القتلة

        -       وغناؤنا؟ هل تسمعنا؟ فقد سمعت "ضجيج الاناث" و"ضجيج الحنين" و"صهيل الشّجر" وسمعت حتى سيرتك وكتبتها قصيدة قبل أن تمضي

-شكري:       -أسمعكم، "الحضور

الذي لا يلين

الشعراء

الأنبياء

الورثة

"ليس لي غير-كم

ليس لي من مدد

أنا ابنكم

والأخ

ووالد اليافعين

وأحميكم بدمي"

        -حميتنا. هل عانيت؟ الى ما تعرّضت؟

-شكري:       -تعرّضت الى ما تعرّض له "الخيال الشّعري عند العرب"، تعرّضت الى قطّاع الطّرق ذاتهم الذين حلّوا بقوافل الفوانيس المضيئة وهي تقطر من عيني طه حسين، تعرّضت تعرّضت لفحيحهم الذي ضجّ في مجالس الطّاهر الحدّاد، تعرّضت للعذابات التي لفحت صدر الحلاّج ونزفتُه ونزفني "أنا من أهـوى..ومن أهوى أنا  نحن روحـان حلـلنا بدنا فإذا أبصـرتني أبصـرتَـه  وإذا أبصـرته..أبصـرتنا !روحه..روحي وروحي روحه  مـن رأى روحين حلا بدناتعرّضت للنار التي قلت ابن المقفّع وعشت محنة المعتزلة في بغداد كأني أنا جسدهم بين أيادي السّلفيين الحنابلة.  (الحوار التلفزيوني لشكري بلعيد)

        -       ماذا تعني؟

-شكري:       -"إنّ الظلامَ يُعدُّ"   (صحراء ص 125)

        -       هؤلاء قتلتك؟

-شكري:       -"فيهم من دافعت عنهم، عندما لم يكن لهم اسلاميين يدافعون عنهملقد اُيتهدفت من طرف بوليس بن علي لأنّي دافعت على هؤلاء وطرحت قضيّة التّعذيب أنا ولعض الزّملاء... كنّا قلّة قليلة في المحاماة التّونسيّة..اليوم يشحنون ضدّنا"  (الحوار التلفزيوني لشكري بلعيد)

        -       من هم؟

-شكري:       -"أعداء الذّكاء"، الذين وزّعت عليهم لحمي فقد "وزّعت لحمي على المدن القاتلة"

        -       هل أنت حزين؟

-شكري:       -"أنا كمحام حزينسأقاضيهم جميعا "حين يصوغ دمي نشيد انفصالي الأخير"

        -       سهل كنت تعرف ماذا يريدون؟

-شكري:       -"14 جانفي هو الحرة والكرامة". هم أرادوا "افقاد الحريّة قيمتها المركزيّة أرادوا أن يبتروا التّعددية، تعدّدنا واختلافنا على أساس حريّة الفكر، يريدون الرّجوع بتونس المحكومة بمنظومة قانونية وضعيّة عمرها أكثر من مائة سنة حكم كهنوت القرون الوسطى.  (الحوار التلفزيوني لشكري بلعيد)

        -       وهل ذلك ممكن؟

-شكري:       -ذلك مستحيل! "نحن بلد محمّد بن عرفة الذي حرّم العبوديّة منذ 500 سنة، نحن بلد أوّل دستور وضعي في كلّ الوطن العربي، نحن بلد المدوّنة العظيمة التي دوّنت أكبر حركة تحرير وتنوير بيد الإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور، نحن الشيخ الجعيّد الزيتوني الذي ألّف لمجلّة الأحوال الشّخصية، نحن أصحاب نصّ مؤسّس في ثقافتنا المعاصرة "الخيال الشّعري عند العرب" الذي ضرب سواكن عدّة...

نحن كلّ هذه الألوان وهم لون واحد، هم ثقافة القتل والإقصاء والقراءة الواحدة للنصّ المقدّس التي معها تصبح المحاماة حرام، نحن حديقة بمائة وردة، بمائة لون، نختلف ونتعدّد ولكن داخل إطار مدني سلمي ديمقراطي." (الحوار التلفزيوني لشكري بلعيد)

-         وهم؟

-شكري:       -هم ضدّ كلّ شيء، "هم ضدّ الصّحافة ينسون أن لا ديمقراطية دون اعلام تعدّدي ديمقراطي حرّ يمارس الرّقابة الشّعبية المباشرة على الكلّ، الكلّ هم الحاكم والمؤسّسات والجمعيات والأفراد والثّقافة والسّائد...

هم ضدّ الحقوقيين وأساسا المحامين الذين كانوا الصّوت الأعلى ضدّ بن علي وضدّ الدكتاتورية

هم ضدّ الجامعيين لأنهم ضدّ العقل المُفكّر لتونس

هم ضدّ المؤسّسة التربوية، الجهاز العصبي للمجتمع الذي يريدون أن يشلّوه

هم ضدّ الابداع، هم ضدّ كمال الزغباني وضدّ النوري بوزيد..انّهم أعداء الذّكاء

هم مروّجي البغض والكراهية هم ودعاتهم من أمثال وجدي غنيم الذين استقبلوهم ببلادنا ليعتدوا على تونس وقيمها،

هم جاؤوا لاستغلال الشباب التونسي وبيعه في سوق النّخاسة الارهابي وتجنيدهم للموت في سوريا

هم الخطاب ونقيضه، وهم السّلوك ونقيضه"  (الحوار التلفزيوني لشكري بلعيد)

-شكري:       -"سؤال وأمشي على حافة الجسد"  (الغريب ص 44)

        -       تفضّل

-شكري:       -لماذا صدمتم الانّ؟ لماذا لم تصدمو يوم 11 جانفي  عندما شحن وزير الدّاخلية خطابه ضدّ أعوان الأمن؟ ماذا لم تصدموا يوم 25 مارس عندما اعتدت ميليشيات  على المسرحيين في شارع الحبيب بورقيبة؟ لماذا لم تصدمو يوم 7 أفريل عندما حملت مليشيات عصيّها رغم أنف رجال الأمن واعتدت على المعَطّلين عن العمل؟ لماذا لم تصدمو يوم 9 أفريل عندما اعتدت مليشيات على نخبة تونس وعلى زبدة ذكائها وعلى زعمائها وعلى رموزها ومبدعيها ومثقفيها ونسائها ورجالها؟ الان تفاجأتم؟؟ لماذا لم تتفاجأوا عندما حملوا سلاحهم ضدّ جيشنا الوطني في بئر علي بن خليفة وفي الرّوحية وأسقطوا الشّهداء ظابطا وجنديّا  (الحوار التلفزيوني لشكري بلعيد)

-         "كان لابدّ من دم-ك كي نحدّدها الخطوة"

-         "كان لا بدّ من طلقة كي نحدّد"   (نشيد الدّم المفقود ص 151)

-         هل تذكر ذلك الصّباح؟

-شكري:       -أذكر"كان دمي يستعدّ لرحلته القاتلة"

        -       ماذا كنت تفعل يومها؟

-شكري:       -كنت "أحصي النّجوم"

        -       هل سمعت صوت الرّصاص؟

-شك