وثائقي

تيجان تكريم وأكاليل توسيم على رأس الأخ القويم عبد الكريم

بقلم د. بدر السماوي
لم يكن من الصدفة أن يحظى الأخ عيد الكريم جراد بكل ذلك التقدير بمناسبة كلمته المعبّرة والمؤثّرة خلال المؤتمر الخامس والعشرين للاتحاد. ويعود ذلك إلى الخصال النقابية المتميزة التي تحلى بها مما جعله يحظى باحترام الجميع بمن في ذلك الذين يخالفونه الرأي. فهو الذي تدرج في المسؤوليات من كاتب عام للنقابة الأساسية للشركة الصناعية للحامض الفسفوري والأسمدة بصفاقس (سياب) إلى الكاتب العام للفرع الجامعي للنفط والكيمياء إلى عضو بالمكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس ثم إلى عضو بالمكتب التنفيذي الوطني وذلك على مدى أكثر من أربعة عقود أي بمعدل عقد في كل محطة.

ولم تكن المسيرة مفروشة بالورود بل تخللتها تضحيات ألقت بظلالها على حياته الشخصية والعائلية والمهنية حيث أنه عايش بل تصدر أهم المواجهات النقابية في قلعة النضال النقابي مثل شن الإضراب العام سنة 1978 والتصدي لما يسمى بالشرفاء دفاعا على الاتحاد سنة 1985 مما كلفه الاعتقال والعقوبة بالإبعاد إلى مدينة قابس لمدة تجاوزت السنة اضطر خلالها إلى زيارة والدته بصفاقس سرا. 
وعند صعوده إلى المكتب التنفيذي الوطني في مؤتمر طبرقة سنة 2011 أقدم على تحمل مسؤولية قسم الحماية الاجتماعية رغم استعداده للإشراف على أقسام أخرى لقناعته بأهمية هذا القطاع ودور الاتحاد في النضال من أجل تحسين منافعه خدمة للشغالين. ولم يمنعه اختصاصه المهني البعيد عن الحماية الاجتماعية من الالمام بهذا المجال بل والتميز فيه إلى حد أن أحد المسؤولين سأله يوما على سبيل الفضول عن الكلية التي تخرج منها فأجاب بكل طرافة ولكن بكل اعتزاز " تخرجت من مقهى الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس" قياسا على المثل القائل" علمتنا المجالس ما لم تعلمنا المدارس" في إشارة إلى فضائل الاتحاد في تكوينه. 
لقد تمكن الأخ عبد الكريم خلال توليه مسؤولية قسم الحماية الاجتماعية بفضل قناعاته واعتمادا على خبرته من قيادة فريق من الخبراء من أبناء الاتحاد وأصدقائه لإنجاز دراسات وبحوث ذات صبغة أكاديمية من بينها دراسة تحت عنوان " واقع الحماية الاجتماعية بتونس وآفاقها" ودراسة أخرى تحمل عنوان " التوازنات المالية لأنظمة الجرايات" ".

كما أعدّ القسم تحت إشرافه دليلا للمضمون الاجتماعي في طبعة أولى ثم في طبعة ثانية محينة وأنجز بعض الأطباء سنة 2020 " المخطط الاستراتيجي لاستمرار نشاط المؤسسات الاقتصادية واستئنافها" في إطار مساهمة الاتحاد في التوقي من وباء الكوفيد 19 إلى غير ذلك من الدراسات والبحوث التي لم تنشر. 
وقد مكنته كفاءته وخبرته من ترشيحه أو انتخابه لتقلد مسؤوليات متنوعة داخل تونس خارجها. ففي تونس كان خلال المدتين النيابيتين الأخيرتين عضوا في مجالس إدارات الصناديق الاجتماعية الثلاثة وأشرف منذ سنة 2014 على رئاسة وفد الاتحاد في اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية في إطار العقد الاجتماعي ثم عينه الاتحاد سنة 2018 لرئاسة اللجنة القارة للحماية الاجتماعية ضمن المجلس الوطني للحوار الاجتماعي.

أما خارج تونس فقد تحمل مسؤوليات في منظمة العمل العربية وفي الجمعية العربية للضمان الاجتماعي فضلا على مشاركاته النوعية في مؤتمرات دولية من أهمها الندوة السنوية لمنظمة العمل الدولية سنة 2012 في جينيف التي صادقت على التوصية عدد 202 المتعلقة بإرساء الأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية. 
ومن الخصال النقابية الاصيلة للأخ عبد الكريم انضباطه وجديته التي تبدو للبعض مبالغا فيها من ذلك أنه لم يكن خلال الفترة التي سبقت إحالته على التقاعد يطلب رخصة نقابية لأداء مهامه النقابية بل كان يقوم بتعويض غياباته لاحقا.

وكان شديد الحرص خلال تنظيم الدورات التكوينية أو الندوات على فرض الانضباط والجدية. كما أنه لا يتردد في الإفصاح على موقفه سواء خلال المفاوضات والاجتماعات مع الطرف الحكومي أو مع منظمات الأعراف. ومن بين الأمثلة اعتراضه سنة 2020 على محاولة الحكومة تحويل التبرعات المودعة في الحساب البريدي 18-18 المحدث لمواجهة جائحة الكوفيد 19 إلى غير وجهتها وكشف ذلك إلى الرأي العام. 
وحمل الأخ عبد الكريم هموم أمته فانخرط في كل التظاهرات والنضالات التي قام بها الاتحاد في هذا الجانب وخاصة قضية فلسطين من ذلك تقديم خدمات إلى الطلبة الفلسطينيين الذين كانوا يزاولون الدراسة في كليات صفاقس. وكان من بين المشرفين على تنظيم إجراءات استقبال رفات الشهيد عمر قطاط في صفاقس في جانفي 1993 ورفات الشهيدين رياض بن جماعة وبليغ اللجمي في جويلية 2008.
ونظرا إلى الجانب الإنساني لمجال الحماية الاجتماعية لم يبخل الأخ عبد الكريم يوما عن مساعدة النقابيين بل كل الشغالين لتذليل الصعوبات التي تعترضهم في علاقاتهم مع الصناديق الاجتماعية وخاصة ما يتعلق بخدمات التأمين على المرض والتقاعد إلى درجة أن قسم الحماية الاجتماعية كاد يتحول إلى دار خدمات تضم الصناديق الثلاثة. وكان كل جزائه " دعوة خير بموفور الصحة وطول العمر والرحمة على الوالدين". وهل هناك أثمن من هذا الجزاء؟ 
إن هذه الكلمات أقل بكثير مما يجب أن بقال في الأخ عبد الكريم وفي خصاله المتميزة بعد أن أعلن التوقف عن تحمل المسؤولية النقابية داخل الاتحاد مع بقائه جنديا في خدمته. وعسى أن يستفيد عموم النقابيين من هذه الخصال وأن يراجع البعض أنفسهم وفاء للزعيم النقابي فرحات حشاد واقتداء بحفيده الاعتباري عبد الكريم جراد.