آراء حرة

محمد الكيلاني يكتب للشعب نيوز عن غزو روسيا لاوكرانيا وصراع القوى العظمى على مناطق النفوذ

غزو روسيا لأوكرانيا، وصراع القوى العظمى على مناطق النفوذ
بقلم محمد الكيلاني *
إن غزو روسيا لأكرانيا لا يمكن النظر إليه إلا على أنه اعتداء لدولة عظمى على أخرى، ولا يمكن التعامل معه إلا من زاوية حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ومن زاوية احترام حرمة الأوطان واستقلالها. 
وليس أمامنا سوى التنديد بالمعتدي ومناصرة الضحية والمعتدى عليه. لكننا مع ذلك في حاجة إلى فهم الأسباب التي دفعت إليها والقوى التي أشعلتها، خاصة وأنه بصدد قلب الأوضاع الجيوسياسية والدولية، لأنها أدخلت تغييرات عميقة في العلاقات الدولية، لا فقط لعلاقات روسيا بالاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي وبريطانيا وعدد من البلدان الأخرى أو بالولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فإننا نعتقد أن اعتبار هذا العدوان من النمط الهتلري على البلدان الصغيرة والضعيفة المجاورة لألمانية قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وأنه تعبير عن نزعة ثأرية لما لحق الروس من مهانة على إثر انهيار الاتحاد السوفياتي كما كان الألمان قد واجهوا المهانة التي تعرّضت لها كرامتهم الوطنية في الحرب العالمية الأولى. 
وسنحاول فيما يلي الكشف عن الدوافع والمتغيّرات تباعا:
1 ـ إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا لا يشبه في شيء احتلال هتلر لبلدان "المجال الحيوي لألمانيا"،
كان الهدف المباشر لألمانيا بقيادة هتلر غزو فرنسا ومن بعدها بريطانيا بدعم من حليفتها إيطاليا، تحت قيادة ميسوليني، إجبار أوروبا على الخضوع للتحالف النازي ـ الفاشي ومن ثمة مستعمراتها، وفي نفس الوقت تتوجّه نحو الشرق لإعلان الحرب على الإتحاد السوفياتي لضربه وتفكيك نظامه. 
وهو تمش له هدف واضح يتمثل في إعلان حرب عالمية للسيطرة على جميع البلدان التي تصلها الجيوش الألمانية. ومع تطور الأحداث ووقائع الحرب تحوّلت إلى حرب عالمية مناهضة للنازية والفاشية. ودخلتها أمريكا باعتبارها قوة تحريرية لتخليص أوروبا من الغزو النازي وإجبار اليابان على الاستسلام بإسقاط قنبلتين نوويتين على مدينتي، هيروشيما وناغازاكي.
أ ـ روسيا ليست مستعدة لإشعال فتيل حرب نووية
إن روسيا، رغم خسارتها جلّ دول أوروبا الشرقية، التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي والتي انضمّت جلّ بلدانها للاتحاد الأوروبي ولحلف الناتو، فهي ليست مستعدة لاسترجاعها لحظيرتها بالقوة باعتبارها تعلم علم اليقين أنه بفعلها ذاك ستدخل في حرب مع حلف الناتو، وهذه الحرب لن تكون كلاسيكية بل ستكون نووية بالدرجة الأولى. لكن، بما أن أوكرانيا كانت قد غادرت حيادها منذ الثورة البرتقالية وأصبحت تبحث على دخول الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، ولإيقاف هذا المسعى قررت روسيا غزوها لتحسين شروط التفاوض معهما حول تأمين حدودها من الأسلحة الكلاسيكية والنووية. ليس هذا فقط بل أصبح لها طلب في الأراضي ذات الأغلبية السكانية من الروس وأصبحت تعتبر جزيرة القرم أرضا روسية لأهميتها الإستراتيجية.
تلك هي الأسباب الجيواستراتيجية التي مثلت الظروف "المنطقية" لروسيا كدولة عظمى امبريالية توسعية لاتخاذ قرار غزو أوكرانيا، غير أنه لم يأخذها الجنون لإشعال حرب عالمية ثالثة، لأنها مدركة تمام الإدراك بأن هذه الحرب ستكون نووية بالضرورة، لأنها تعلم أن وقوعها سيخلف في دقائقها الأولى، حسب التوقعات، ما يناهز عن الـ90 مليون ضحية في كل من روسيا وأمريكا وأوروبا. وقد تمسح الجزء الغالب من الوجود البشري من على وجه الأرض، وقد تعود بالبشرية إلى القرون الوسطى وما قبلها. لذلك فهي لن تقرر غزو بلدان تنتمي للحلف الأطلسي، لأنها بفعلها ذاك ستدخل في حرب مباشرة معه، وهي ليست مستعدة لمثل تلك المغامرة.
ب ـ روسيا الحالية لن تكون ثأرية للسوفيات
أن يثأر أحد لأحد فلأن له رابطة وثقى تشده له. ولسائل أن يسأل ما الرابطة التي تشدّ بوتين للإتحاد السوفياتي، لا أرى واحدة مطلقا، اعتبارا للهوة الأيديولوجية التي تفصلهما الواحد عن الآخر، فالرجل كاتوليكي أورتودكسي ومدعوم من الكنيسة الأورتودكسية، المعادية ليس للشيوعية فقط بل للمسيحية اليسوعية، لذلك فإن كان له ثأر فلن يكون لغير الإمبراطورية الروسية وللقيصر بصورة أساسية اعتبارا وأن عظمة روسيا في عهد ستالين لها نكهة شعبية وشيوعية وهي طبيعة متنافرة مع الأبهة والعظمة القيصرية. لذلك يكون من الخطأ اعتبار بوتين يثأر لعظمة الإتحاد السوفياتي بل للتراث القيصري الروسي، الذي تدخل مدينة كياف من ضمنه.
2 ـ غزو أوكرانيا، حرب من أجل إعادة ترتيب الأوراق على النطاق الدولي
أ ـ أوكرانيا "قدم أخيل" لإخضاع روسيا
ما من أحد يمكنه أن يتحدث عن تاريخ روسيا دون أوكرانيا، باعتبارها مكوّنة أساسية لهذا التاريخ وللمكانة الدولية التي احتلتها الإمبراطورية القيصرية أو دولة الاتحاد السوفياتي أو في التاريخ الحاضر وبصورة خاصة منذ أن انهار جدار برلين وتفكك المعسكر الشرقي وانفصلت العديد من الدول التي كانت تنتمي لاتحاد الجمهوريات السوفياتية عن "الأخ الأكبر" لتسجّل عودتها للفضاء الأوروبي تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. وليس هذا فقط بل عملت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا كل ما في وسعها لتقليص المجال الروسي وإضعاف دولة روسيا الاتحادية اقتصاديا وعسكريا ومحاصرتها من جهة دول البلطيق ومن أوكرانيا وإعاقة مطامحها التوسعية في اتجاه دول الجوار وعلى النطاق العالمي. وإذا كانت الأولى استغلت أوضاع روسيا التي أصابها الوهن والاضطراب والتفكك لتصبح عضوة في الاتحاد الأوروبي ومنها الذي طلب عضوية الحلف الأطلسي، بينما اختارت الثانية الوجهة نفسها في المرحلة التي استعادت فيها روسيا أنفاسها وأعادت ترتيب أوضعها، فأعلنت شبه جزيرة القرم أرضا روسية ودفعت المناطق ذات الأغلبية الروسية إلى التحول إلى دويلات مستقلة كي يمكنها الالتحاق فيما بعد بروسيا الاتحادية. 
لكن أمريكا والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وجدوا في أوكرانيا، بعد أن ساعدوا فولوديمير زيلنسكي على الفوز في الانتخابات الرئاسية، البلد المناسب لدفع روسيا للدخول في حرب مرهقة تضعف قوتها الاقتصادية التي قد "تنهار تماما"، حسب تصريح وزير الاقتصاد الفرنسي، ويساعد الحلف الأطلسي على التمدد في اتجاه الشرق لإحكام قبضته على روسيا وإجبارها على الخضوع. وعلى هذا الأساس كان الهجوم الذي شنّه، الاتحاد الأوربي والحلف الأطلسي وأمريكا وكافة الدول الحليفة، على روسيا منذ اللحظات الأولى التي تجاوزت فيها آلتها الحربية الحدود الأوكرانية، عاما وعاتيا، شمل الاقتصاد والسياسة والسلاح وحتى الرياضة والثقافة والصحة والخدمات لم يسلم التعليم والعلم والمعرفة من المقاطعة والعزل والطرد والتجميد، بشكل أصبحت فيه روسيا حكومة وشعبا معزولة عن العالم الخارجي. وحسب تطور سير الوقائع والأحداث نفهم الدور المنوط بعهدة أوكرانيا هو أن تصبح بمثابة "قدم أخيل" روسيا.
ب ـ الحرب على أوكرانيا في إطار تعديل ميزان القوى بين الشرق والغرب
شهد العالم الحرب العالمية الأولى بين تحالفين للكواسر الذين تصارعوا من جديد من أجل تقسيم العالم، حسب ميزان القوى القائم فيما بينهم، بينما اندلعت الحرب العالمية الثانية على أساس أنها في مضمونها السياسي المباشر قائمة بين القوى الفاشية والقوى المعادية للفاشية غير أنها كانت اقتساما جديدا للعالم، على أساس المصالح التي كرّسها الميزان بين القوى المتقابلة، بعد الإطاحة بالفاشية، بين الدول الرأسمالية العظمى بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة للديمقراطية وبين "الجمهوريات الشعبية" بزعامة الاتحاد السوفياتي، المنحازة أيضا للديمقراطية.
ومنذ أن تفكك المعسكر الشرقي ومعه الاتحاد السوفياتي وانهار جدار برلين، هيمنت النيوليبرالية في جميع البلدان تقريبا وأصبح العالم محكوما بقطب واحد ممثلا في الإمبراطورية الأمريكية، واصطف وراءها الاتحاد الأوروبي وبطبيعة الحال عجوز الاستعمار بريطانيا.
أمّا الصين فقد لازمت سيرها المتأني لكي تأخذ مكانة مرموقة في الاقتصاد العالمي، وهي تستعد الآن لتصبح الأولى في العالم. بينما انفصلت العديد من دول الاتحاد السوفياتي (سابقا) عن "الأخ الأكبر"(روسيا)، وكذلك الشأن بالنسبة لبلدان أوروبا الشرقية. فتفككت يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وتوحّدت ألمانيا، وإذا بروسيا تفقد "مجالها الحيوي" وتتراجع على جميع الأصعدة، وظلّت تطلب ودّ الغرب الذي تعمّد تجاهلها وإذلالها وتحقيرها. لكنها، منذ أن مسك بوتين بالسلطة، ضمدت جراحها واستعادت عافيتها وأخذت طريق النمو وأعادت تنظيم أجهزتها وجددت ترسانتها الحربية. وعلى أساس ذلك سجلت عودتها للساحة الدولية تدريجيا، فقطعت الخطوة الحاسمة على هذه الواجهة في "الحرب على الإرهاب" وبالتحديد في تدخلها في سوريا، حيث أصبح لها فيها موطئ قدم بقواعدها العسكرية وحضورها الاقتصادي وبوضع حجر الأساس لبناء حلف جيواستراتيجي مع إيران وسوريا، وقد يتحول إلى حلف دولي مع الصين وعدد من الدول في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وأمام هذه العودة القوية لروسيا على النطاق الدولي والخطوات العملاقة التي سجّلها الاقتصاد الصيني ليصبح رقم واحد عالميا، وسعى الاتحاد الأوروبي إلى تكوين قوّة عسكرية خاصة به خارجة عن الحلف الأطلسي وعن المظلة الأمريكية، بتحريض من فرنسا بعد قرار خروج أمريكا من أفغانستان على عجل وتسليمها للطالبان دون التشاور مع حلفائها، فوجهت صفعة مباشرة لحليفتها بشأن صفقة الغواصات مع أستراليا، وعملت على إرجاع الاتحاد الأوروبي إلى الزريبة الأطلسية الأمريكية والاكتفاء بذلك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عبأت طاقاتها للتصدي لطريق الحرير الجديد الذي يكرّس تطلع الصين بأن تصبح القوة الأولى عالميا ودفعت على أن تكون روسيا وجها لوجه مع الاتحاد الأوروبي. ولإجبار روسيا الاتحادية على رد الفعل بأي شكل كان عملت على أن تصبح أوكرانيا وعدد من البلدان المتاخمة لروسيا الاتحادية عضو في حلف الناتو كي تصبح على أبواب موسكو. فكانت عملية غزو أوكرانيا من قبل الروس بمثابة حرب استباقية لمنع تمدد الحلف الأطلسي في اتجاه الشرق. وبما أن الدول الغربية بزعامة أمريكا وتحريض نشيط من قبل بريطانيا، هي بصدد تقديم المساعدات العسكرية والأسلحة الفتاكة المتطورة والسماح للمرتزقة بالتوجه إلى أوكرانيا لدعم صمود الجيش وميليشات الدفاع المدني، ما جعل الوضع يشبه إلى "العرض الصفر" لمسرحية دولية جديدة، أي حرب عالمية ثالثة، تدور فعالياتها على الأرض الأوروبية.
3 ـ ماذا عن نتائج عن انعكاسات هذا الغزو ـ الحرب وعن مآله؟
أ ـ عسكريا
ما من شك في أن ميزان القوى العسكري يميل بوضوح إلى جانب الروس، مهما كان الدعم الذي يحصل عليه الأوكرانيون. وهو ما يعمل بوتين على تحقيقه ميدانيا، لأسابيع أو شهور، ليصبح أرضية منطقية للتفاوض وإجبار أمريكا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو للقبول بطلبات روسيا، وبصورة خاصة منع أوكرانيا من التسلح ومن دخولها الحلف الأطلسي لضمان أمنها القومي. وما من شكّ أيضا أنه رغم الخسائر التي قد يتكبدها الجيش الروسي فإنه قد اختبر أسلحته الجديدة، وهو من هذه الزاوية الرابح الأكبر لأنه سيظهر قدراته على النطاق العالمي، أمّا الدعم بالسلاح الذي تقدّمه أوروبا وأمريكا لأوكرانيا فليس له الإمكانيات الفعلية لمراقبته ولا يضمن سوى الفوائد التي تحصل عليها الصناعات الحربية.
ب ـ اقتصاديا
إن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الدول الغربية، صحيح بأنها تلحق أضرارا لا شك فيها بالاقتصاد الروسي، غير أنها ستنعكس على أوروبا وتدفع بها شيئا فشيئا إلى ظروف اقتصادية صعبة، خاصة مع عدد اللاجئين الأوكرانيين المتزايد في البلدان الأوروبية. مع العلم أن روسيا لم تتخذ إجراءات عقابية ضد الدول الغربية التي هي في حاجة ماسة للغاز الطبيعي الروسي الذي لا يمكنها الاستغناء عنه لسنة أو سنتين، على الأقل. ما جعل أسعاره ترتفع إلى الضعفين أو الثلاثة وتبعته أسعار النفط وبقية أسعار المواد الأساسية وبصورة خاصة أسعار القمح الروسي ـ الأوكراني وغيرها. زد على ذلك فقد شهد التضخم في فرنسا وحدها، ارتفاعا بلغ نسبة 5.8%، ممّا يعني أن أسعار كافة المواد ستشهد ارتفاعا من شأنه أن يلحق ضررا بالشعوب الأوروبية وببقية شعوب العالم. ومن الأكيد أن الحرب الروسية على أوكرانيا والإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية بزعامة أمريكا وبتحريض بريطاني ستؤدي إلى أزمة عالمية قد تكون أشدّ من أزمة كورونا ومن الأزمة المالية لسنة 2008.
4 ـ الشعب الأوكراني هو الضحية ومعه الشعوب الأوروبية
أن الشعب الأوكراني هو الذي تحمّل، في النهاية، تبعات الصراع الروسي ـ الأمريكي ـ الأوروبي على من من هذه القوى يسيطر على أوروبا، التي قد تصبح أرض حرب كما حدث في العديد من المناسبات. والشعوب هي التي تدفع الثمن غاليا، حيث فاق عدد اللاجئين المليون والنصف، زيادة على سقوط المئات من الضحايا وتدمير العديد من المدن ببناءاتها ومنشئاتها. 
لقد وجد الشعب الأوكراني نفسه، بين عشية وضحاها، عرضة للتشريد يواجه الجوع والبرد والمستقبل المجهول. ودون أدنى شكّ فإن الشعب الروسي والشعوب الأوروبية هي من سيدفع ثمن تبعات الأزمة المنجرة عن هذه الحرب وهذا الصراع. وليس لنا من موقف سوى مساندة الشعب الأوكراني والشعب الروسي والشعوب الأوروبية باعتبارها ضحايا سياسات حكامها ودعوتها إلى عدم الانخراط في صراع لا مصلحة لها فيه، باعتباره لا يخدم سوى مصالح الأوليغارشيات الحاكمة.
5 ـ لم نر قط أمريكا والدول الأوروبية وغيرها بمثل هذا الحزم في معارضة الحرب
أشعلت أمريكا وأوروبا، بدولها الكبيرة والصغيرة، مئات الحروب الاستعمارية والدفاعية والداخلية والعالمية والتحريرية، وآخرها وليس أخيرها حروب أفغانستان وغزو العراق والحرب في سوريا وفي ليبيا واليمن والعديد من الدول الافريقية، وليس هذا فقط بل إنها دعمت كل النظم الدموية التي نصبتها وبررت الجرائم التي قاموا بها وكانت دائما داعمة لإسرائيل وبررت كل جرائمها في حق الشعب الفلسطيني ولم تتحرك أمام حركة الاستيطان الصهيونية وتدمير منازل الفلسطينيين وآخر حلقاتها ما يجري في حقّ سكان حي الشيخ جرّاح، بينما الحق بيّن ولا يستدعي بيانا من أي جهة كانت، وفتحت المجال أمام رئيس حكومتها بأن يلعب دور الوساطة في الحرب "الشرقية ـ الغربية". 
لم تقدم هذه الدول على تجميد مشاركة الفرق الألمانية على النطاق الدولي تحت حكم هتلر بما في ذلك الألعاب الأولمبية بل شرّفته بتنظيمها، كما لم تجمّد مشاركة البلدان التي كانت تحكمها الطغم العسكرية على النطاق الدولي، بما فيها الدول العنصرية. قبلت هذه الدول التي تتزعم العالم بحشر الرياضة في السياسة وفي الحرب بينما كانت بالأمس القريب تصرعلى الفصل بين هذه وتلك، وكذلك الشأن بالنسبة للعلم والمعرفة.
ونشير في هذا الصدد إلى أن إشاراتنا السابقة على سلوك الدول الغربية بشأن حروب أخرى وهما عالقا بأذهاننا حولها أو تبريرا لحرب روسيا على أوكرانيا، بل مقابلة استنكارية لما تقوله وتفعله. 
وخلاصة القول فالحرب، حرب مدمّرة وقذرة مهما كانت "درجة نظافتها"، سواء أكانت عادلة أم غير عادلة، وهي دائما مواصلة للسياسة ومنطلقا لها، باعتبار أن قواها المتقابلة كانت تنزع دائما إلى التفاوض والسلاح في يدها وهي تطلق النار على بعضها البعض، وكانت تمثل دائما انعطافة في حياة الشعوب والأمم وفي الأوضاع الجيوسياسية والدولية.
إن الحرب الدائرة أمامنا قد تنتهي باتفاقيات دولية تحصل بين روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي بتقسيم أوكرانيا إلى كيان تابع لروسيا وآخر تابع للغرب. سير العمليات والمفاوضات سوف يكشف لنا عن أسرار ميزان القوى الحالي، الذي سيقوم عليها مستقبل العلاقات بين "الشرق والغرب"، ليس بالمعنى الأيديولوجي بل بالمعنى الجيوسياسي. 
-----
•    محمد الكيلاني، الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي