مؤتمر حركة الشعب؛ افتتاح استعراضي، وضيوف نوعيون.. قطع مع الانغلاق التنظيمي وانفتاح على الحزب الوطني التقدمي الجامع
تتواصل أشغال المؤتمر الثاني لحركة الشعب لليوم الثاني على التوالي بمدينة الحمامات، وكانت الحركة قد افتتحت أمس مؤتمرا بقصر المؤتمرات بالعاصمة والذي تميّز بحجم الحضور وتنوعه جندريا وجيليّا وبقدرتها على التحشيد والتنظيم وصلت حدّ الاستعراض.
حضور استعراضي وضيوف نوعيين:
إلى جانب المئات من مناضلي الحركة الذين قدموا من كافة الجهات والذين فاضت بهم قاعة وردهات قصر المؤتمرات ما يعكس حجم انتشارها الجماهيري، شهد الافتتاح حضور شخصيات نوعيّة ذات تمثيليّة رسميّة ومدنيّة دوليا وعربيا ووطنيّا.
العديد من سفراء الدول وممثلي البعثات الديلوماسيّة أثثوا الصفوف الأماميّة لقاعة المؤتمرات من روسيا، كوبا، فنزويلا، الصين، الجزائر، مصر، فلسطين وسوريا ومن تعذّر عليهم الحضور أرسلوا برقيّات تهنئة واعتذار. كما حضرت قيادات بارزة لكبرى الاحزاب القوميّة والتقدميّة العربية من فلسطين والجزائر والمغرب ومصر ولبنان والعراق وسوريا والاردن واليمن وليبيا.
ولم يتخلّف عن الافتتاح رؤساء وأمناء وممثلي أغلب الاحزاب والمنظمات الوطنية التونسيّة وعديد الرموز والشخصيات الوطنيّة باستثناء أحزاب "منظومة ما قبل 24 جويلية" ويبدو أنه لم توجّه اليهم الدعوة ولم يكن مرحّب بهم في الافتتاح.
رسائل المغزاوي الى الخصوم والحلفاء وضبط خطوط الالتقاء والتمايز:
كلمة الأمين العام لحركة الشعب زهيّر المغزاوي المطول حملت خطابا ورسائل واضحة أكّد من خلالها مواقف الحركة من أغلب القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني والازمات التي تعصف بالبلاد على جميع المستويات السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولم تغفل التطرّق الى القضايا القومية وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة. وضّح في خطابه تموقع الحركة السياسي في ظلّ الانقسام السياسيّة حول "مسار 25 جويلية" وأبرز نقاط الالتقاء والاختلاف مع رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد في اجراءاته وقراراته ومشروعه القاعدي، وحرص على توجيه العديد من الرسائل السياسيّة الى عديد الجهات والاحزاب السياسية خصوما بالتأكيد على أنّه "لا عودة إلى "منظومة ومسار ما قبل 25 جويلية" وحلفاء وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية بأنه لا مجال للاستفراد والتفرد بالحكم وتحديد مستقبل البلاد وتحويل المسار إلى فرصة لفرض مشروع البناء القاعدي.
وختم خطابه باطلاق دعوة مفتوحة إلى الاحزاب الوطنية والتقدميّة إلى تشكيل ما أسماه بــ"الحالة/الجبهة السياسية، مهمتها اسناد مسار 25 جويلية ورئيس الجمهوريّة اذا قبل بالتشاركيّة معها وتصحيحه و"مقاومة" كلّ نزوع انفرادي إذا انحرف جوهر اللحظة الشعبية التي قام عليها والمتمثلة في الدعوة إلى تحقيق اهداف الثورة في الشغل والحرية والكرامة الوطنيّة وبناء الجمهورية المدنية الديمقراطية الاجتماعية والقطع مع ما أسماه "بالعشريّة السوداء" الفاسدة القائمة على تحالف منظومتي الريع الاقتصادي والريع السياسي.
من التنظيم العقائدي المنغلق الى ٱفاق الحزب الوطني الجامع والواعد:
التزام الحركة بالديمقراطيّة الداخليّة مبدأ وممارسة من خلال الحرص على دوريّة عقد مؤتمراتها الانتخابيّة وليست المؤتمرات التوافقيّة القائمة على المناشدات والتعيينات وتأبيد القيادات، وحرصها على تجديد قياداتها وضخّ دماء جديدة في هياكلها.
كان من اوضح الرسائل التي لم تخطئها أعين المحللين والمراقبين للشأن السياسي مفادها نجاحها في تجاوز الانغلاق التنظيمي والتمركز العقائدي والقطع مع ارث السريّة والحلقيّة زمن الاستبداد والانطلاق إلي أفق الحزب الوطني الجامع المنفتح على عموم التونسيين والمشتبك مع قضاياهم وطرح نفسها بديلا سياسيا للحكم كما اعلن امينها العام في خطابه.
تحويل الديمقراطيّة من شعار إلى ممارسة ومن مجرد ٱليّة إلى مبدأ تحت سقف السيادة الوطنيّة لا شكّ أنّه امتحان صعب ولكنّه أكثر من ضروري لكلّ من يؤمن بمسار ديمقراطي سليم ببعديه السياسي الحقوقي والاجتماعي وهو ما من شأنه أن يدعم رصيد الثقة في الحركة ويمنحها فرصة لمزيد التجذّر ويجعلها تحظى بتقدير سياسي شعبي يقطع مع النخبويّة. قد نختلف مع حركة الشعب أو نتفق معها في تقدير مواقفها وتحديد تموقعاتها السياسيّة وقد نصدم من مواقف بعض قياداتها المتذبذبة، ولكنّ الموضوعيّة تقتضي من كلّ محللّ او مراقب نزيه للشأن العام، في ظلّ حالة الانحسار الحزبي والبؤس السياسي المعمّم والانتهازيّة والشعبويّة الزاحفة التي نعيشها، التنويه بنجاح قيادة هذه الحركة التي تقف استثناء وسط الأحزاب الوطنية التقدميّة في الصمود والحفاظ على وحدتها، وخاصة بقدرة أمينها العام زهيّر المغزاوي الذي اصبح يحضى بمصداقيّة واحترام واشعاع وطني وعربي في تجنيب حركته جائحة الانقسامات التي عصفت بأغلب الأحزاب السياسيّة في تونس بحسن ادارته الاختلاف والخلافات ولجم الأطماع الفردانيّة والانتهازيّة وتدوير الزوايا والتجاوز وفي تحويلها إلى رقم سياسي صعب، الأمر الذي أكدته كلّ نتائج مؤسسات سبر الاراء على تنوعها منذ أشهر والتي بوأتها المرتبة الثالثة في نوايا التصويت للانتخابات التشريعيّة القادمة.
وهو لعمري مكسب يتجاوزها ليشكّل نموذجا يحتذى من القوى الوطنيّة والتقدميّة التي أنهكتها السكتاريّة والانقسامات وذرّرتها الانشقاقات وجرثومة الزعاماتيّة المدمّرة.
خليفة شوشان