وثائقي

محاكمة قيادة الاتحاد في 1978 (8): لماذا رفض المحامي الباجي قايد السبسي الدفاع عن النقابيين رغم تسخيره؟

لم تكن جلسة 29 سبتمبر 1978 المخصصة للبت في قضية قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل من طرف محكمة أمن الدولة أفضل من سابقاتها اذ لم تسلم هي الاخرى من الاحداث والتطورات المثيرة. 

فقد تميزت بانخفاض ملحوظ في عدد المحامين بحيث لم يحضر في صف الدفاع الا المحامون المسخرون بموجب القرار الذي اتخذته المحكمة في اليوم السابق على اثر الانسحاب الكبير لاعضاء فريق من قاعة الجلسة.

و في المقابل، حضر الجلسة  بصفة ملاحظ السيد اوتو كرستن الامين العام للكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة الى جانب السادة ارفينغ براون ممثل النقابات الامريكية في اوروبا وجون فاندرفيكن الامين العام المساعد للنقابات الحرة والاستاذ ساردا محاميها وبوناكورسي ممثل منظمة القوى الشغيلة الفرنسية كما سجل  حضور الاستاذ فتحي زهير عميد المحامين التونسيين.

وخصصت المحكمة الجلسة  لاستنطاق 18 متهما 3 بحالة سراح والبقية موقوفون. ومما يذكر ان المتهمين الثلاثة المحالين بحالة سراح اجابوا عن التهم الموجهة اليهم من طرف المحكمة في حين امتنع  المتهمون الموقوفون عن ذلك مشترطين حضور محاميهم الاصليين.

في بداية الجلسة تناول الكلمة رئيس المحكمة فنادى على المتهمين المسرحين وعلى المحامين المسخرين الذين حضر جميعهم ما عدا الاستاذ عبد الفتاح مورو الموجود زمنها بالبقاع المقدسة لأداء عمرة.

وضعية موقف متضارب

وطلب الاستاذ الباجي قايد السبسي الكلمة ليقول: لم احضر الجلسة السابقة لاني كنت استعد لاتمام اجراءات التخلي لكن بلغني استدعاء من المحكمة تعلمني فيه بقرار التعيين فحضرت في الموعد المطلوب لأطالب المحكمة بالرجوع في قرارها وتعيين غيري للأسباب التالية:

لقد قدمت اعلاما، بنيابتي في هذه القضية لحاكم التحقيق وتراءى للسيد حاكم التحقيق بعد ذلك ان يسمعني كشاهد وكنت اعتقد ان شهادتي تلك لا تتضارب مع واجب الدفاع في القضية لكني اخطأت الفهم لاني لم اكن مطلعا على الملف.

ونشرت الصحافة مؤخرا قرار ختم البحث وتبين لي اني شاهد ادانة في القضية وطبعا فانه لا يصبح من اللائق قانونا ان اتقدم بعد ذلك لأناقش استنتاجات حاكم التحقيق كمحام.

واعتقد ان المحكمة قد فاتها هذا ولذا فانني ارى انه من الاحسن للقضاء ان اكون شاهدا فقط فتعفيني من مأمورية الدفاع التي كلفتني بها ان رأت ذلك.

اجابه الرئيس بقوله:

«لما أديت الشهادة كانت تخص الحبيب عاشور وانت اليوم معين للدفاع عن محمد الصالح بن قدور.

رد الاستاذ الباجي قايد السبسي:

لم اؤد شهادة لفائدة الحبيب عاشور أو ضده وانما لموقف معين حضرت فيه وهذا الموقف لا يتعلق لا بمحمد صالح  بن قدور ولا بالحبيب عاشور وزيادة على ذلك فان رأت المحكمة ان تصرّ على بقائي محاميا في هذه القضية فانها تخرق قاعدة اساسية من قواعد مهنة المحاماة ولكم في السيد فتحي زهير عميد المحامين الحاضر بالجلسة خير مرجع لذلك.

تأخير جديد مرفوض

وطلب رئيس المحكمة من السيد عبد العزيز الحمزاوي ممثل النيابة العمومية رأيه في طلب الاستاذ قايد السبسي فأوكلت النيابة النظر للمحكمة.

واثر ذلك تدخل الاستاذ بالناصر ليقول: سأقول كلمة نيابة عن كل هؤلاء بشأن الانتداب.

فلو وقع الانتداب حسب الاعلام الذي بلغنا طبقا للفصل 141 من مجلة الاجراءات الجزائية، هذا الفصل الذي يجب ان يقع تفسيره حسب صريحه وقد جاء في فقرته الاخيرة ما يلي: والاستعانة بمحام وجوبية فاذا لم يعين المتهم محاميا يعين الرئيس من تلقاء نفسه محاميا له.

وفي هذه القضية نجد انفسنا امام انسحاب من لسان الدفاع، فكيف يقع الحل؟

أولا: يقع اعلام المتهم بتخلي محاميه عن الدفاع عنه ويطلب منه ان يعين محاميا واذا امتنع المتهم عن ذلك فبإمكان المحكمة ان تعين له محاميا وهي الصورة التي لم تنطبق في قضية الحال.

وباسم الزملاء انهي هذا المشكل الى جنابكم لتقولوا فيه كلمة القانون.

ثم اعود مرة اخرى لطلب التأخير وصدقوني ان قلت لكم انه منذ تاريخ 14 سبتمبر الى حد هذه الجلسة ونحن بصدد جمع أوراق القضية ولم نستطع الى اليوم الا الحصول على عشر الملف وحتى لا يقال ان الدفاع لم يقم بواجبه على الوجه الاكمل في هذه القضية التاريخية، لذا فاني اتقدم مرة ثانية بطلب التأخير.

وطلب رئيس المحكمة من النيابة العمومية رأيها في طلب التأخير فرفضته وهكذا فعلت المحكمة بعد استشارة قانونية قصيرة.

أما في خصوص مطلب الاستاذ الباحي قايد السبسي فقد اجابت عليه بالقبول واعفت المحامي من الترافع في القضية وعينت عوضه الاستاذ عبد العزيز بلقاضي نائبا عن محمد الصالح بن قدور.

واتصلت المحكمة بعد ذلك بوثيقة قدمها لها الاستاذ احمد شطورو تخص شهادة السيد ارفينق براون ممثل النقابات الامريكية بأوروبا فرفضتها المحكمة لعدم شرعية تعريبها كما رفضت لنفس السبب وثيقة اخرى قدمها لها الاستاذ بشير خنتوش تخص شهادة السيد اوتو كرستن الامين العام للجامعة العالمية للنقابات الحرة.

الصور من اليمين: الرفيق أوتو كرستن الامين العام للكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة (سيزل) فالاستاذ فتحي زهير عميد المحامين أنذاك فالدكتور سعد الدين الزمرلي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان فالرفيق ايرفينق براون ممثل النقابات العمالية الامريكية في أوروبا