آراء حرة

تونس بين تواصل الازمة وأزمة التواصل

بقلم: صبري الرابحي
من الواضح أن الوضع السياسي في تونس ساخن جدا تماما كصفيح رهاناتها الإجتماعية. لقد إنتقلت حرب الفرقاء بإمتياز إلى العالم الإفتراضي حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دور الرقعة التي لم ترد لها بعد منظومة 25 جويلية أن تكون مجمعة للمختلفين على قاعدة الإصلاح و تحميل المسؤوليات.

التونسيون أنفسهم يراقبون بدهشة توالي التسريبات المسجلة لما يبدو أنه مكالمات هاتفية للمديرة المستقيلة لديوان الرئيس قيس سعيد. هذه المرأة شكلت لوقت طويلاً صندوق الإئتمان الرئاسي لكبرى أسرار الدولة كما مثلت بالنسبة للكثيرين المرأة الحديدية في الفريق الرئاسي خاصة بعد 25 جويلية و ما إقتضته اللحظة من تضامن متناه لمواجهة المعارضة التي أخذت في الإنتظام بأكثر براعة أمام ضبابية الرؤية و إستعجال الشارع للإصلاحات الموعود بها حتى و إن لم تكن واقعية في مجملها.
من ناحية أخرى شكلت هذه التسريبات دليلا آخر على وهن فكرة الفريق بما يقتضيه من إنضباط و إلتزام سواء خلال الإنتظام فيه وحتى بعد المغادرة، حيث لم يتسن لأحد أن يحدد الفترة الزمنية لهذه التسجيلات. كما شكلت أيضاً دليلا على تجند الأطراف لتأمين المكالمات وغيرها من اللقاءات لساعة الصفر في خصومات أجنحة الحكم، حيث كان واضحا للتونسيين الصراع الخفي بين المقربين من الرئيس و لم يستطع أحد أن يتبين سبب ذلك إن كان متعلقا بحرب التموقع أو التخطيط أو حتى الخلافة.
و بخصوص المسألة الإجتماعية، فقد بدأ التونسيون في إستشعار الأزمة الخانقة والتي صارت إرتداداتها تهدد قوتهم اليومي و تؤثر على ما إعتبروه مكاسب مواطنية مقدسة لا مجال للتراجع عنها مثل إنتظام الأجور و زياداتها الدورية و سلاسة التزود بالمواد الأساسية و حتى حقوقهم المدنية و حرياتهم في علاقة بالتظاهر و الإحتجاج و التجاهر بالموقف السياسي دون قيد أو شرط  وهو ما تنفيه السلطة الحاكمة بشدة كل ما أتيحت لها الفرصة، غير أن التهديد الحقيقي هو شعور التونسيين بأن الخطر الداهم لم يعد يتوقف على إستبدال الطبقة السياسية الحاكمة فقط و إنما القطع مع أسباب و مسببات الأزمة التي مست كل الطبقات تقريباً.
كما أن تباطئ الرئيس وطرحه لبدائل إعتبرها الكثيرون غير معقولة كالإستشارة والإستفتاء و إحداثه لقطيعة شبه دائمة و أزمة تواصل حقيقية مع كبرى المنظمات الوطنية و على رأسها الإتحاد العام التونسي للشغل ينبئ بتواصل الأزمة كما يشير إلى نية حصر دور هذه المنظمات في التوافق حول الإصلاحات التي يطرحها صندوق النقد الدولي بما يجعل هذه المنظمات شريكة في تقاسم الأعباء الإجتماعية و الإقتصادية لهذه الإتفاقية و في نفس الوقت خارج دائرة الإهتمام أو الحوار في ما يخص الأزمة في مجملها.
و الثابت أن التغافل عن أهمية الزمن السياسي و عدم تسريع الخطى سوف يعمق الأزمة و يضاعف التكلفة الإجتماعية للإصلاح خاصة إذا ما إعتبرنا أن الثقة المتبقية في منظومة 25 جويلية أصبحت متهالكة أما تعدد الشعبويات التي تبشر بتونس أخرى ممكنة في إطار التجارب التي أنهكت الوطن. كما لا يخفى على أحد تنامي الخوف من الحد من الحريات و تهديد السلم الإجتماعي من خلال توليد الضغط على الطبقات الشعبية و الإكتفاء بالمعالجة الأمنية و هي جميعها ظروف تؤثر سلبا على مناخ الإستثمار الذي يكاد ينعدم في ظل مناخات التخوين و التناحر و التنافر حول حوار جدي جامع يضع الأسس الحقيقية للإصلاح.
فأي أفق للأزمة التونسية في ظل هذا التنافر القطبي الذي يهيمن على المشهد السياسي و أي تأثير له على مستقبل البلد؟
أما آن الأوان لحل أزمة التواصل بين جميع الأطراف من أجل إنقاذ حقيقي يقطع مع الشعبوية و الإيهام بأن كل شيء على ما يرام؟