الرياضة النسائية في تونس.. مواهب مهدورة جمهورها مفقود ورعاتها غائبون
حققت الرياضة النسائية في تونس إنجازات محلية ودولية هامة بفضل التتويجات التي تحصلت عليها أسماء نسائية عدة. لكن قطاع الرياضة النسائية يواجه صعوبات على أكثر من صعيد أبزرها ضعف الدعم المالي المخصص للمواهب مقابل استئثار الرياضة الرجالية بالاهتمام الأكبر، فضلا عن التوزيع غير العادل للأنشطة الرياضية في مختلف الجهات، ما عمق أزمة هذا القطاع وساهم في تراجعه في السنوات الأخيرة.
نجحت لاعبات تونسيات في مختلف المجالات (تنس- كرة يد- كرة طائرة- مصارعة حرة وغيرها) في إعادة تقييم الرياضة النسائية عبر تحقيق إنجازات رياضية خلال مشاركتهن في مسابقات دولية.
لكن وعلى رغم النجاحات، تعاني الرياضة النسائية من تحديات ومتاعب على أكثر من صعيد. ويلاحظ خبراء الرياضة تراجعا لهذا القطاع في السنوات الأخيرة يرتبط بحالة الفوضى التي تشهدها مختلف مؤسسات البلاد، ومنها وزارة الرياضة، منذ اندلاع ثورة جانفي 2011، كما تعمقت الصعوبات المالية واللوجستية أكثر مع ظهور أزمة وباء كورونا.
وفيما يجمع الخبراء على أن الرياضة في تونس تزخر بالمواهب النسائية، وهو ما تكشفه التتويجات المتتالية التي حققتها أسماء نسوية كثيرة، غير أن المشهد الرياضي النسائي يصطدم بجملة من التحديات أبزرها تراجع الدعم المالي والاهتمام الحكومي واستئثار اللاعبين الرجال ومنحهم الأولية في استغلال مراكز وأنشطة التدريب فيما تحرم النساء من ذلك، على غرار نظرة المجتمع التي ما زال يشوبها التمييز، حيث ما زال الكثيرون يفضلون متابعة الرجال على النساء في البطولات المحلية أو الدولية.
قادت هذه الصعوبات في النهاية إلى خسارة الساحة الرياضية التونسية لاعبات مميزات اخترن قبول عروض مغرية في الخارج والانضمام إلى نواد دولية، وأخريات قررن اعتزال الرياضة بعد أن فقدن مبكرا الحماس وانتابهن الإحساس بالإحباط وصعوبة تغيير الواقع الرياضي النسوي.
- ضعف التسيير النسوي
صعوبات عدة تواجهها الرياضة النسائية في تونس، وعلى غرار التحدي في أن يكون هناك عدد هام من اللاعبات المحترفات في مختلف البطولات العالمية والأوروبية على مستوى الأداء، هناك مشاكل أخرى من ضمنها ضعف التسيير النسوي، وكيفية استهداف المرأة الريفية بالمناطق الحدودية وإبعادها عن التهميش والإقصاء المسلط عليها من خلال خلق التوازن والتكافؤ بين الجهات في المجال الرياضي النسائي.
- موت سريري
لم يتردد كثيرون في وصف واقع الرياضة النسائية في تونس خاصة بعد الثورة بـ”الكارثي” أو أنه على طريق الاندثار حيث يعاني من موت سريري في ظل إهمال وصمت حكومي مستمر. واستند هؤلاء إلى ما تعيشه الجمعيات الرياضية النسائية من صعوبات مالية حادة قادت الكثير منها إلى تجميد أنشطتها.
من ذلك رياضة كرة القدم النسائية، التي فقدت إشعاعها في السنوات الأخيرة نتيجة غياب الدعم المالي والإعلامي وأيضا بسبب النظرة الدونية للمجتمع ولاعبات كرة القدم من صنف السيدات تحديدا. ولم تعد كرة القدم النسائية محل متابعة فيما تواصل التركيز على كرة القدم في صنفها الرجالي.
وحذرت رئيسة الرابطة التونسية لكرة القدم النسائية فاطمة الفوراتي في تصريحات سابقة من أن كرة القدم النسائية في تونس مهددة بالاندثار بسبب “عقلية جديدة تتعامل بكثير من الازدراء مع كرة القدم النسائية” إضافة إلى مشاكل مالية وصفتها بالخانقة. وعدم حصول اللاعبات على مستحقاتهن المالية أحد أهم أسباب العزوف عن مواصلة الأنشطة الرياضية النسائية وتراجع النتائج.
وكرة اليد النسائية ليست في حال أفضل، التي تستقطب أكبر عدد من الفتيات حسب المعطيات الحكومية، تليها رياضة كرة السلة والطائرة والجيدو.
وسبق أن حازت عويج على لقب أفضل لاعبة في مباراة جمعت المنتخب التونسي وكوريا الجنوبية في مونديال بولندا للناشئات عام 2018. وتشير فدوى عويج وهي حاليا لاعبة كرة اليد بنادي الزهراء الرياضية ولاعبة بالمنتخب الوطني إلى أن “كرة اليد النسائية تراجعت مقارنة بالسابق”.
وتعزو عويج هذا التراجع إلى ظاهرة الهجرة وقبول لاعبات عروضا مغرية في الخارج، حيث لم تعد البطولات المحلية تستهويهن كما في السابق.
وتلاحظ تراجع المستوى الرياضي في ظل نقص دعم مالي وعدم حصول اللاعبات على أجورهن، مشيرة إلى أن “رؤساء الجمعيات الرياضية لا يقدمون الدعم الكافي للاعبات فيما يفضلون دعم اللاعبين الذكور”. وتتابع “إضافة إلى ذلك فإن المجتمع ما زال يفضل الرجل الرياضي على المرأة”، لافتة إلى أن الأولوية بالنسبة للمسؤولين هو توفير الإمكانيات كالتدريب والقاعات إلى الرجال قبل النساء.
وتصف المشهد الرياضي النسائي بالصعب والذي قاد إلى نتائج ضعيفة على مستوى محلي.
وحسب رأي عويج انحصرت المنافسة على البطولة بين الفرق الكبيرة والتي تحصى بعدد اليد، فيما تراجعت التحضيرات بالنسبة للفرق والجمعيات الصغرى. وتشير عويج إلى تداعيات حالة الطوارئ الصحية على المجال الرياضي، حيث أسهمت الجائحة في توقيف باب الانتدابات وإرجاء الأنشطة الرياضية.
وبموازاة مشاكل الدعم والتمويل، التي تقلصت بسبب تراجع الموازنة المخصصة لوزارة الشباب والرياضية، هناك أيضا تفاوت وتوزيع غير عادل في الدعم المخصص للمجال الرياضي خاصة في المدن الداخلية، فنلاحظ اهتماما بالأنشطة الرياضية بمدن بعينها على حساب إقصاء مدن أخرى خاصة في الشمال والجنوب. ولطالما ندد التونسيون والشباب بشكل خاص في الجهات من التهميش المستمر في جميع المجالات، وهي إشكالية حقيقية تعمق مأزق كل حكومة تونسية تحمل على عاتقها معالجة أزمات البلد.
وعلى رغم المناخ الرياضي المأزوم، تأمل عويج في أن تتقدم رياضة كرة اليد النسائية في بلدها، وأن يتحسن المستوى الرياضي الذي يبدو في تراجع مقلق مقارنة بالبطولات الدولية.
- إنجازات رغم الصعوبات
لم يمنع ضعف الدعم من تألق المرأة الرياضية في تونس، وقد حققت العداءة حبيبة الغريبي ولاعبة التنس أنس جابر والمصارعة التونسية مروى العامري التي توجت ببرونزية الألعاب الأولمبية في البرازيل عام 2016، نجاحات متتالية.
وتعد إنجازات المرأة الرياضية في تونس نقطة ضوء في واقع تشوبه حالة من عدم اليقين بسبب تداعيات المرحلة الانتقالية الصعبة والتي ألحقت ضررا بعديد من القطاعات من بينها الرياضة.وتبين وزارة الرياضة التونسية أن النتائج الرياضة النسائية المحققة عام 2019 هي الأفضل في التسع سنوات الأخيرة (2010-2018)، حيث أفضل نتيجة تحققت سنة 2010 بمجموع 872 ميدالية أي ما يعادل نسبة تطور بـ1.6 في المئة (بين أفضل نتيجتين خلال 2010 و2018).
وعلى عكس الأصوات التي ترى أن الرياضية التونسية تراجعت في مرحلة ما بعد الثورة أهدت الرياضة النسائية التونسية العرب 3 ميداليات في آخر دورتين من الألعاب الأولمبية، وفي آخر نسخة من الألعاب الأولمبية أحرزت تونس ميداليتين من أصل 3 لفائدة العنصر النسائي بفضل إنجاز إيناس البوبكري في المبارزة ومروى العامري في المصارعة والتي تعد أول مصارعة في تاريخ العالم العربي والأفريقي تحرز ميدالية أولمبية إضافة إلى كونها وصيفة بطلة العالم سنة 2017 وأفضل مصارعة في تاريخ القارة الأفريقية بإحرازها 11 ميدالية ذهبية أفريقية بصفة متتالية.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر تعد التونسية أنس جابر أفضل لاعبة تنس عربية وأفريقية في الوقت الراهن في هذا الاختصاص الصعب والدقيق وهي التي احتلت في شهر ماي الحالي المرتبة السادسة عالميا حسب تصنيف الاتحاد الدولي للتنس للاعبات المحترفات وهو أفضل ترتيب في تاريخ التنس العربي.
وتنسحب إنجازات الرياضة النسائية التونسية على كافة الاختصاصات الرياضية الفردية والجماعية على غرار كرة اليد التي توجت في العقد الأخير بلقب بطولة أفريقيا للسيدات في صنف الكبريات سنة 2014 وكذلك الوسطيات سنة 2019 وهو ما يدل على نشأة جيل صاعد لكرة اليد التونسية قادر على السيطرة قاريا خلال السنوات اللاحقة.
ومن الناحية النوعية، تحصلت النخبة النسائية في تونس على 14 ميدالية خلال مختلف البطولات العالمية مقابل 7 ميداليات بالنسبة للذكور من مجموع 21 ميدالية عالمية خلال سنة 2018، أي بنسبة 67 في المئة للإناث مقابل 33 في المئة للذكور، حسب إحصائيات وزارة الرياضة.
و تعد تونس منجما لصنع بطلات رياضة من ذوي الاحتياجات الخصوصية أو رياضة أصحاب الهمم على غرار البطلات روعة التليلي وريم العبدلي.
و بالتالي يمكن ان نستنتج ان الرياضة التونسية تعول حاليا على عدد من البطلات للتألق في الألعاب الاولمبية الصيفية باريس 2024 و صقل مواهب بطلات جديدات ربما يهدين تونس ميداليات جديدة على غرار فدوى القارسي في تنس الطاولة وخلود الحليمي في الملاكمة وألفة الشارني في الرماية وغيرهن .