وثائقي

لا استقلال حقيقي للبلاد ما لم نَقْضِ تماما على الاحتكار و الاستغلال والتبعية للأجنبي

[ في الجزء الثاني من مداخلة جهة صفاقس في اشغال المجلس الوطني للاتحاد المنعقد أيام 8 و 9 و10 جانفي 1978، تلك المداخلة التي اعتمدتها المحكمة كدليل ادانة ضد النقابيين أثناء محاكمتهم في خريف 1978، نكتشف آراء غير مألوفة عن الوضع الاقتصادي السائد آنذاك. 

ان الحديث عن السياسة الاقتصادية في اي بلد كان مرتبط باستقلال او عدم استقلال هذا البلد فاذا ما عدنا إلى  الوراء الى قبل عام 1956 لوجدنا الاستعمار حاضرا بجيشه في بلادنا بغرض واضح وهو امتصاص ثروات شعبنا سواء عن طريق استنزاف المواد الاولية و المنتوج الفلاحي واستغلال اليد العاملة او عن طريق محو الشخصية والاصالة العربية في بلادنا وربط الفكر العربي بالفكر الاجنبي وبالتالي بالأسس والقيم التي يقوم عليها اقتصاد البلاد الاجنبية وحتى بعض الصناعات التي ركزها المستعمر هي صناعات تحويلية لخدمة اغراضه لا لتنمية البلاد.
 وقد كان حشاد العظيم واضحا في مبادئه ونضاله. لقد آمن بانه لا استقلال للبلاد إذا لم نَقْضِ تماما على الاستعمار بضرب المحتكرين واصحاب رؤوس الاموال الاجانب والقضاء على الاستغلال والتبعية للأجنبي وجعل الشعب يتمتع بخيراته ويدير شؤونه بنفسه فهل تم تحقيق ذلك ايها الاخوة؟ 


القروض الأجنبية والتوريد الضخم
منذ عام 1956، والبلاد ترزح تحت وطأة القروض الاجنبية والتوريد الضخم للمصنوعات الاجنبية وتصدير موادها الاولية ويدنا العاملة. ان الاستنتاج بسيط جدا وهو يتمثل في كون المستعمر قد غير شكله فقط فعوض الحضور العسكري نراه يتعامل مع اقلية ماسكة بزمام الحكم والبنوك تضمن له بقاء مصالحه في البلاد وتتولى بالنيابة عنه تسيير شؤون البلاد وهكذا تأكدت تبعيتنا للغرب اكثر فاكثر واصبحنا نعيش تحت رحمة ما سُمِّيَ بالسوق العالمية وكلّما اثقلت الدولة كاهل الشعب بالديون من بلد غربي ما اقدمت على تغيير اشخاص معينين في النظام بدعوى مراجعة السياسة واصلاح الحال ثم تتوجه الى دولة اخرى او مجموعة دول او بنوك وكان هذا واضحا منذ سنة 1956 ـوفي اوائل الستيات ثم في سنة 1969 ـ 


مختصون في شؤون المضاربات
ثم في سنة 1970 ـ وكان هذا العام اي عام 1970 سنة خير بالنسبة إلى الجماعة الذين صعدوا إلى الحكم فهم بطبعهم مختصون في شؤون المضاربات والتعامل بأموال الشعب مع المستعمرين بحكم مراكزهم البنكية فكانوا وراء ستار وحانت لهم الفرصة لمسك زمام الحكم وفرض سياستهم المرتبطة اشد الارتباط بمصالح الدول الاستعمارية  وهكذا توضحت مرامي السياسة الاقتصادية في تونس اكثر من اي وقت مضى وطرح موضوع «التفتح» بشكل صارخ بل واصبح مجسدا في مخطط كامل هو المخطط الخامس وقد تضمن فيما تضمن قانون افريل ،1972 الذي شجع رؤوس الاموال الاجنبية على الاستقرار في بلادنا وامتصاص عرق اليد العاملة التونسية بمقابل بخس للغاية مع ترحيل أموالهم إلى الخارج واعفائهم من الضرائب، ونقصد دائما الأجانب، طوال عشر سنوات بينما يرزح الشعب تحت وطأة سياسة جبائية مجحفة لا يُعْفَى منها الا الاجانب كما رأينا كبار الاثرياء، اما العامل فإلى جانب استغلاله في المؤسسة والمصنع وعدم خلاصه على قدر ما يقدمه من جهد والى جانب الغلاء الفاحش للأسعار  والى جانب مضاربات ملاّكي العمارات وغيرها فهو خاضع إلى هذه السياسة الجبائية التي تمتص ما بقي في دمه من قطرات بكل حقد وكراهية.


أفريل 1972، أوت 1974، جويلية 1976
 وليس هناك قانون افريل 1972 وحده، فهناك قانون اوت 1974 ـ وقانون جويلية 1976 الذي سمح بتركيز البنوك الاجنبية ببلادنا وهي صورة جلية  للهيمنة الاقتصادية الاجنبية بمعونة النظام القائم مع التذكير دائما ان تلك الهيمنة ازدادت وضوحا فقط لأنها لم تنقطع منذ الاستعمار  القديم والى اليوم ويتبع ذلك طبعا ما يعرف بسوء التصرف في كل المؤسسات الاقتصادية وهو في الواقع بالنسبة إلى النظام حسن تصرف لأنه يتفق ومرامي سياسة الحكومة في استغلال اكبر قدر ممكن من خيرات الشعب وهو ما يؤدي حتما الى ازدياد الثري ثراء والفقير فقرا وتكريس الاستعمار اكثر فاكثر وان سوء التصرف او تبذير اموال الشعب والاثراء الفاحش والمغالاة في استغلال الشعب هي علامات واضحة للنظام الاستعمارية  او تلك  التي تعيش في تبعية للاستعمار اي انها تهدف بالضبط الى عكس مطامح الجماهير.
 ولم يتوقف الاستغلال عند هذا الحد بل عمد النظام الى خلق مجموعة من الشركات المالية الوسائطية كالشركات العقارية وبنوك القرض والصندوق القومي للادخار السكني ظاهرها رحمة وباطنها عذاب لأنها تمتص دم الشعب بسراب سموه مشاريع سكنية يظل العامل يلهث وراءها طوال حياته على امل الحصول على مسكن يتكلف له بعشرة اضعاف ثمنه الأصلي.  


زيادات قليلة للاجراء ومهولة في الاسعار 
كذلك الشأن في ميدان الاسعار فكلما زادت الحكومة بعض الدنانير في أجر العامل بعد نضالات ونضالات من منظمتنا العتيدة الا وامتصت منه باليد اليمنى ما اعطته اياه باليد اليسرى بل واضعاف اضعافه وهكذا ظلت الاسعار تقفز وتقفز وظل العامل عاجزا عن تحقيق ادنى حاجياته فانتعشت السوق السوداء وعمّ التنافس بين المغازات لجلب اكثر البضائع اغراء وغلاء لبهذلة العامل وتركه في حيرة من امره لا يفكر الا في الاستهلاك وهو في اول قائمة المستهلكين اما صندوق التعويض فلا دور له الا جمع اموال اضافية بطرق قانونية في الظاهر وبهدف مشروع في الظاهر ايضا بينما هي تُحال بعد ذلك دوريا الى جيوب نفس الفئة المستغلة  
وفي الميدان الفلاحي كانت اخصب الاراضي في يد المعمرين يستثمرونها بينما التونسيون  خدم ليس إلّا، وإثر قانون 12 ماي 1964 انتقلت الى ايدي النظام باسم اراضي الدولة لمواصلة امتصاص خيراتها وحرمان الشعب صاحب الحق الاول منها وحتى اذا وقع التفويت في البعض منها فذلك يكون للأغنياء والمقربين من السلطة اما القروض الفلاحية فهي خدعة لجعل الفلاح المتوسط والصغير تحت رحمة النظام  وكثيرا ما كان يبيع قطعة ارضه او يفتكها منه البنك لعجزه عن الدفع وخلاص القرض وفوائضه وهوما يزيد في تجميع الاراضي شيئا فشيئا في يد حفنه قليلة من الاثرياء والمتعاملين مع الاجانب وحتى ما يُزْرَعُ في بلادنا اصبح يخضع إلى حاجة السوق العالمية كالسكوم لا إلى حاجة الشعب وحتى حاجيات الشعب تصدر هي الاخرى ولولا كساد السوق العالمية لما تمتعنا بزيت الزيتون هذين العامين. 
تصدير البشر والهجرة ليست حلا
لا غرابة في ذلك فالنظام يصدر حتى البشر الى الخارج ونحن نندد بسياسة الهجرة لانها لا تعتبر حلاًّ   البَتَّةَ وانما مشكلة اخرى والكل يعلم كم هي عديدة المشاكل التي يعاني منها ابناؤنا في الخارج ولذا لابد من ان تعول المنظمة على نفسها في حماية عمالنا المهاجرين من كل اصناف الاستغلال وبعث نقابات خاصة بهم مع ضرورة مراجعة الاتفاقيات المبرمة مع الدول المستقبلة ريثما يَحِينُ اليوم الذي يعودون فيه الى وطنهم معزّزين مكرَّمين.
وبعد هذا العرض المجمل عن مظاهر تبعية الاقتصاد التونسي للغرب وللاستعمار بصفة عامة ومعاكسته لمطامح الجماهير نطالب:
ـ أولا: بوضع حد للنظام الذي يكرس هذه السياسة.
ـ ثانيا: بمحاكمة ومحاسبة من اثرى على حساب الشعب وساهم في تحقيق هذه التبعية خاصة ان لنا ثروات مهمّة كالبترول والفوسفاط والفلاحة تكفينا وزيادة.
ـ ثالثا: الغاء كل القوانين المشجعة لاشتغال رؤوس الاموال الاجنبية ببلادنا وتركيز البنوك الاجنبية بها.
ـ رابعا: بناء سياسة اقتصادية وطنية مستقلّة تتماشى ومصالح الشغالين.
ـ خامسا: تركيز صناعات وطنية ثقيلة تستوعب البطالين وابنائنا المهاجرين في الخارج لوضع حد للهجرة والنهوض بالشعب نهوضا حقيقيا.