الطبوبي في الذكرى 78: تأسيس الاتحاد كان تغييرا جذريا في وسائل الاشتباك مع الاستعمار ومؤسّساته القمعية
الشعب نيوز/ تونس - لدى اشرافه على فعاليات الاحتفاء بالذكرى 78 لتاسيسي الاتحاد والـ100 لتاسيس الحركة النقابية التونسية، ابرز الاخ نورالدين الطبوبي أن " تأسيس اتّحادكم كلن إيذانا بتغيير جذري في وسائل وقواعد الاشتباك مع الاستعمار ومؤسّساته القمعية والاقتصادية والثقافية وغيرها. فمَثَّل تأسيس اتحادكم نقلة نوعية في نضال شعبنا من أجل الحرية ونيل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية وتحريره من الاستغلال ومن الجهل والفقر ومن التخلّف في كلّ مظاهره وأشكاله."
نجاح غير مسبوق
" فلقد توسّعت قاعدة المواجهة مع الاستعمار وامتدّت رقعتها بفضل الاتّحاد إلى الشوارع وإلى المؤسّسات الاقتصادية والإدارية الاستعمارية. كما نجح التنظيم النقابي في تعبئة العمّال التونسيين لخوض معركة الاستقلال والتحرّر الوطني والاجتماعي، ونجح الاتحاد في نقل تجربته إلى شرائح اجتماعية ومهنيّة أخرى مثل أصحاب العمل والطلبة والمرأة والفلاحين وحتّى الفنانين والرياضيين من أجل تنظيم وحشد أوسع قاعدة شعبية ممكنة لخوض المعركة الأخيرة والحاسمة ضدّ الاستعمار. بل إنّ اتّحادكم نجح كذلك في فتح جبهة جديدة ضدّ السلطة الاستعمارية وهي الجبهة الخارجية من أجل كسب التأييد وحشد الدعم من الحركة النقابية العالمية وقوى الحرية والتقدّم في العالم لفائدة القضية الوطنية ودعم المقاومة الشعبية له.
وفي هذا المجال حقّق الاتحاد نجاحات غير مسبوقة حيث نقل القضية الوطنية من المجال المحلّي إلى المجال الدولي واستطاع بالتنسيق مع الزعماء السياسيين للحركة الوطنية أن يقع إدراج استقلال تونس على أجندة الأمم المتحدة.
العقل المدبّر للمقاومة السلمية والمسلّحة
ولقد أقضّ هذا الانجاز مضجع الحكومة الفرنسية آنذاك التي أدركت أنّ العقل المدبّر للمقاومة السلمية والمسلّحة على الجبهة الداخلية ومهندس جبهة المواجهة الجديدة خارجيا خاصّة بعد اعتقال الزعامات السياسية في جانفي 1952 هو الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل فرحات حشاد.. فكان قرارها باغتياله يوم 5 ديسمبر 1952.
ولقد جاء اغتيال حشّاد بعد سلسلة من أعمال القمع الدموية للاضرابات وللاحتجاجات التي نظّمها الاتحاد في كلّ أنحاء البلاد للمطالبة بالاستقلال. وتشهد معارك صفاقس والنفيضة وجبل الجلود ومناجم قفصة والجريصة على ما قدّمه الاتّحاد والطبقة الشغّيلة التونسية من تضحيات في سبيل ذلك حيث سقط فيها المئات بين شهيد وجريح ومئات آخرون من المعتقلين يتقدّمهم الزعيمان النقابيان والوطنيان الحبيب عاشور الذي ظلّت رصاصات الجيش الفرنسي التي أصيب بها في معركة 5 أوت 1947 في جسمه حتّى وفاته واحمد التليلي الذي أنهى كما تعلمون حياته منفيّا في الغربة.
ولقد مثّل نيل الاستقلال التامّ في 20 مارس 1956 النصر الأكبر للاتّحاد وللشعب التونسي بعد أن تُوّجت كلّ هذه التضحيات والنضالات بالاعتراف بحقّ الشعب التونسي في السيادة والحرية وتقرير المصير.
مشروع الدولة الوطنية
إنّ خروج الاستعمار من بلادنا ونيل تونس لاستقلالها السياسي لا يعني زوال الاستعمار والتبعية لأنّ الاستقلال الحقيقي والكامل هو ذلك الذي يحقّق للشعب سيادته كاملة على ثرواته ويوفّر للوطن الأمن في أبعاده الشاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ويمكّن التونسيات والتونسيين من متطلّبات العيش الكريم في كنف الحرية والعدل والقانون.
وعلى هذا الأساس انفرد الاتحاد مقارنة ببقية مكوّنات الحركة الوطنية بمشروع الدولة الوطنية لما بعد الاستقلال وبتصوّر عملي للنمط التنموي لتونس بعد تحريرها من ربقة الاستعمار وذلك من خلال البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي طرحه منذ سنة 1954 عندما بدأت بشائر الاستقلال تظهر في الأفق التونسي.
ذلك هو اتّحادكم العظيم مجاهد من أجل تحرير الوطن من نير الاستعمار ومناضل من أجل حماية الاستقلال وترسيخه ومشارك من موقع طلائعي في بناء الدولة الوطنية ومؤسّساتها وصياغة قوانين وقواعد تقدّم شعبنا وتنعّمه بالعدل والأمن والازدهار.
وأنتم تعرفون حجم المؤامرات التي عانى منها الاتحاد طيلة تاريخه الطويل وما تعرّض له من قمع دموي رهيب ومن تعذيب في دهاليز الداخلية ومحاكمات جائرة وسجون رهيبة وطرد من العمل سواء زمن الكفاح الوطني أو بعده في أزمات 1965 و1978 و1985.
دفاعا عن الاستقلالية النقابية
كل هذه الحلقات القمعية من مسلسل محاولات إخضاع الاتحاد وضرب استقلالية قراره وإثناء النقابيين عن الدفاع عن مكاسب الوطن والشعب وعن حقوق الأجراء والفئات الشعبية المفقرة والمهمشة باءت بالفشل بفضل وحدة النقابيين وإيمانهم بوطنهم والتفاف الشغالين حول منظّمتهم وبفضل رسوخ المبادئ التي تأسّس عليها العمل النقابي ببلادنا منذ أكثر من قرن من الزمن. فمعركة 1965 خاضها الاتحاد دفاعا عن حرية العمل النقابي ورفض هيمنة الحزب الحاكم عليه آنذاك... ومعركة 1978 تمحورت أساسا حول رفض هيمنة الدولة على المجتمع المدني ودفاعا عن استقلالية القرار النقابي وعن حقّ الشغّالين في توزيع عادل لثمرات النموّ. أمّا معركة 1985 فكانت ضد التفريط في المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي دفع ثمنها شعبنا بالكثير من التضحيات والتي أرادوا تصفيتها في ذلك الوقت تحت عنوان الإصلاح الهيكلي للتفريط في العديد من المؤسّسات العمومية والتخلّص من آلاف العمّال والتقليص من الإنفاق الاجتماعي في التعليم والصحة والسكن الاجتماعي بالخصوص.
لقد قاوم النقابيون موحّدين صلب الاتحاد العام التونسي للشغل وخاضوا، مدعومين من القوى التقدّمية والمدنية، كلّ هذه المعارك والتي هي في النهاية معارك من أجل نموذج تنموي وطني يكرّس السيادة الوطنية واحترام الحريات العامّة والفردية ويحقّق المساواة والعدالة الاجتماعية صلب دولة قوية يُقدَّس فيها القانون وتصان فيها المؤسّسات الديمقراطية.
لم يتنازلوا عن حب الوطن
لقد خُضنا كلّ تلك المعارك وقدّمنا قوافل من الشهداء ومن المساجين ومن الذين استشهدوا وأصيبوا بأمراض وإعاقات جرّاء التعذيب ومن الذين عانوا مع أسرهم من التجويع ومن الطرد من العمل ولكنّهم لم يتخاذلوا ولم يتنازلوا عن حبّ وطنهم والإخلاص لشعبهم. تماما مثلما خُضنا مع شعبنا وشبابه المناضل في كلّ جهات البلاد معارك ثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر - 14 جانفي من أجل إنهاء الحكم الدكتاتوري والحكم المطلق الذي لم يؤدّ في النهاية إلاّ إلى الأزمات وإلى استفحال الفساد واستشراء الانتهازية.
وإذا ظللنا دوما لا ننسى أنيس الكعبي في حبسه لأكثر من 356 يوما دون محاكمة وكل النقابيين الذي يتعرضون للمحاكمات الكيدية باستمرار، فإننا اليوم نحذّر من التضييق على العمل النقابي ومن شيطنة الاتحاد وملاحقة النقابيين وتلفيق القضايا ضدّهم، مؤمنين برسوخ بأنّ الاتحاد كان وسيظلّ صمّام أمان للوطن وقلعة منيعة تحفظ مكتسبات الشعب وتصونها ضدّ كلّ من يحاول النيل منها في الدّاخل أو الخارج. وإنّ هذا الاتحاد لو لم يولد حرّا لما كان له أن يضطلع بهذه الرسالة المقدّسة ولذلك فإنّه سيظلّ حرّا مستقلاّ مناضلا وديمقراطيا.
إنّني وفي نفس الوقت الذي أؤكّد فيه على وجوب احترام الحقوق والحريات عامّة والحريات النقابية خصوصا وأشدد على استقلالية القضاء وعدم توظيفه لتصفيات الخلافات السياسية الحرص على علوية القانون وصيانة الديمقراطية فباعتبار كل ذلك شروطا أساسية لصيانة مكاسبنا الوطنية والشعبية والدفاع عنها وتحقيق التنمية المستدامة وضمان الاستقرار والتقدم.
النقابيون تصدوا للاصلاح الهيكلي
" وما دمت اتحدث عن أهمية ضمان كل الحريات ومنها الحرية النقابية " ذكر الطبوبي " بحرص النقابيين منذ بداية تطبيق ما سمّي ببرنامج الإصلاح الهيكلي في أواسط الثمانينات على التنبيه إلى خطورة تصفية القطاع العام ولم يكتفوا بذلك بل شنّت القطاعات الإضرابات والاحتجاجات للتصدّي لعمليات التفريط والتفويت وطالب الاتحاد بالتحقيق في العديد من عمليات الخصخصة المشبوهة إلاّ أنّ النقابيين جوبهوا آنذاك بالتشويه والقمع وبالاتهام بالتواطئ مع الخارج وصولا إلى أزمة 1985 وما تلاها من اعتقالات ومحاكمات للمسؤولين النقابيين وفي مقدّمتهم الزعيم الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد، لذا فإنّنا نتمسّك مبدئيّا بالموقف الرسمي الذي دعا إلى أهمّية المحافظة على المؤسّسات العمومية والنهوض بها وإصلاح أوضاعها والتحقيق في ما يمكن أن يكون قد شاب عمليات التفويت فيها من تجاوزات وفساد وإهدار للمال العام.. وعملية الإصلاح هذه لا يمكن أن تتمّ إلاّ بصفة تشاركية ومن خلال حوار حقيقي وعمل مشترك للوصول به الى نتائجه المرجوة."
طالع النص الكامل لكلمة الاخ الامين العام في الرابط التالي: