آخر ساعة

متى يرحل الماضي؟

متى يرحل الماضي؟ قصة دارين المساعد*
يقلب المارة   تراب الأرض بين أقدامهم في الشارع القديم . محاصرون ضمن الحارة الشعبية حيث تجاري تعابيرهم رتابة الأيام . يسعى بين أيديهم طفل في السابعة ، بملامح المتوسل وخطوات التائه .  اخترقتُ الحشود وخطوتُ فوق كل بائع افترش الأرض وصولا له . هذا لأن انتهاك حقوق الطفل يؤلمني ، لقد أنقذت الكثير، لكنهم يتزايدون .

هكذا كنت أردد وكل دائرة حول نفسي تعيدني طفلاً . افتش عنه و اغرق في شعور التوسل للملاحظة . صوتي يختنق وسط الزحام وجدال البيع والشراء ، لا أحد يراني . حتى لمسني من يدي ، ثم شدّ كمّي يرجو شراء بضاعته .

نزلتُ الى مستوى عينيه وبلغُته بخطورتها و بقدرتي على المساعدة . فهم أنني أرغب بشرائها فتهلل وجهه ولكنني بعد إيماءة رفض حازم عرفته بنفسي وقصصت قصتي من طفل مشرّد الى شرطي في مكافحة المخدرات .

تفحص وجهي بعينيه البنية  ثم تحسس ذقني بيده الملوثة.  قربتُه وبجملة وعود زرعتُ الأمان في نفسه  . شعرتُ بالانتماء لرائحة الضياع التي تفوح منه . احتضنتُه وملأتُ صدري من قوته وصبره . كان هادئاً مطيعاً .

طلبتُه عنوانه و اجاب برفع بضاعته مرة اخرى  يريد بيعها . ساءني اصراره ونهرتُه . وضع يده في صدره ومن جيبٍ جانبي مرقوع اعطاني قطعة نقود خشبية مصنوعة يدويا ، عرفتها لمّا أخرجت مثلها من جيبي . أنها ذاكرتي ! تجترّ كل ما يؤلمني وتمثله حياَ أمامي فهمت أن الماضي لا يغادرنا بالنسيان ويرحل للأبد بالتقبل والتشافي .