وفاة طارق بن هيبة المناضل النقابي والحقوقي والجمعياتي وشهادات مؤثرة تبرز جليل خدماته في مساعدة الاخرين
غيب الموت اليوم الاحد 26 جوان 2022 الرفيق الأخ طارق بن هيبة، المناضل النقابي والحقوقي والجمعياتي المقيم بالعاصمة الفرنسية باريس بعد صراع طويل مع المرض.
رفاقه واصدقاؤه الكثيرون صعقوا بخبر وفاته خاصة وانهم كانوا ينتظرون زيارته العادية الى تونس لقضاء بعض من أيام الراحة التي تعود خلالها استرجاع النفاس كما يقول هو حتى يعود الى نشاطه بحماس أكبر. فقد عجت صفحات التواصل الاجتماعي لا فقط بخبر وفاته بل وخاصة بكم كبير من المرثيات والتابين الذي يليق بالرجل.
كان محي الدين شربيب، احد أيقونات جمعيات الهجرة والحركة الديمقراطية أول من أعلن عن وفاة طارق بلهيبة بحكم القرب القائم بينهما قبل ان تتوالى الاعلامات والشهادات في شخص المتوفي.
بدوره كتب المولدي الصابري، المحامي التونسي المقيم في مرسيليا، باللغة الفرنسية، رسالة مؤثرة قال فيها بالخصوص ان مدينة بنزرت قد تمحى من الخريطة في صورة حضر الى جنازته كل الذين خدمهم طارق بن هيبة طيلة 40 سنة وحل مشاكلهم وساعدهم على تجاوز ما اعترضهم من صعوبات
من الشهادات أيضا ، واحدة للزميل الصحفي أبو السعود الحميدي المدير رئيس التحرير السابق لجريدة الصحافة الصادرة عن دار سنيب لابريس وقد سجنا معا في قضية منظمة العامل التونسي وثانية للزميل محمد العروسي بن صالح المدير رئيس تحرير جريدة الشعب سابقا والذي عرف الفقيد في الاتحاد العام التونسي للشغل ومن خلال نشاطه في مجال الهجرة.
أبو السعود الحميدي : طارق بن هيبة كما عرفته
بعد أيام قليلة من اطلاعي عبر "فايس بوك" على تدهور الحالة الصحية للصديق والرفيق طارق بن هيبة، ها إني أفجع بخبر رحيله.
حصل أول تعارف بيننا في سجن القصرين في جوان 1975. وبعد ذلك، بعد أن تم تفريقنا، في سجن 9 أفريل 1938، خلال المحاكمة الكبرى بين أوت وأكتوبر 1975. بعد صدور الأحكام، تم تفريقنا من جديد. أنا مع مجموعة من الرفاق في سجن القصرين أما هو فتم نقله إلى سجن القيروان.
انتهت مدة سجني في 10 أكتوبر 1976 أما هو فقد تمتّع بعفو رئاسي لم يطلبه بعد خمسة أيام، أي في 15 أكتوبر 1976. وبعد أسابيع أصبحنا لا نكاد نفترق. أعاد صلته بالمنظمة وتزوّج بعد أشهر الرفيقة المناضلة بهيجة الدريدي (الوزيني). عمل في شركة لبيع قطع الغيار الصناعية ثم التحق بالعمل في شركة "السيريبت" البترولية إلى نهاية 1987، حين تحوّل للإقامة في فرنسا.
تواصلت علاقتنا بدون انقطاع. وتكثّفت في 1983 أثناء النقاشات التي أفضت إلى تكوين "التجمع الاشتراكي التقدّمي" والتي كان جانب منها يتم في منزله في باردو. وبما أن هذه النقاشات لم تفض إلى ضم كل المجموعات التي عبّرت عن رغبتها في ذلك، أصبحت لقاءاتنا متباعدة، وانقطع هو إلى نشاطه النقابي.
في فرنسا، التقينا من جديد حيث توافق تحوّله إليها مع متابعتي لتكوين جامعي لمدة أشهر بباريس، وتكثّفت من جديد لقاءاتنا.
التقيته بعد الثورة حين كان يمثّل، مع مناضلين آخرين، التونسيين بالخارج في "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة" واقترحت عليه إجراء مقابلة صحفية لجريدة "الصحافة" التي كنت أديرها، فاستجاب بتلقائية، وكانت مناسبة عرض خلالها رؤيته للتحوّل التاريخي الذي عاشته تونس ولما تنتظره القوى الحية والتونسيون بالخارج منه.
وأتيح لي اللقاء به في مناسبتين أخريين، كما تابعت من بعيد جهوده من أجل تركيز فضاء ثقافي واجتماعي في "دوار هيشر" في إطار نشاط "الفيدرالية التونسية من أجل مواطنة للضفتين"، وهي المنظمة الحقوقية بباريس التي يرأسها.
لقد غادرنا الصديق والرفيق طارق بن هيبة وسنظل نفتقده ما حيينا. لكن أذكر له خصلتين يتميّز بهما حتّى عمن يقاسمونه إياهما، وأعني بذلك الكرم العفوي الذي يصدر عن سجية لا تصنّع فيها ولا مواربة، وكذلك الدعابة التلقائية التي تنم عن شفافية المزاج وخفة الروح. وقد تيسّر لي الوقوف على هاتين الخصلتين لديه في أحلك ظروف القمع وفي أصعب ملابسات الحاجة والعوز.
محمد العروسي بن صالح : لمن تركت الساحات يا طارق؟
لم تخل ساحة نضالية واحدة من طارق بن هيبة، تلمذية ، طالبية، عمالية، نقابية، حقوقية، مهجرية، انسانية،بيئية ، علمية، فكرية.
قد تكل هذه الساحة او تلك من صخب مرتاديها وقد يتعب هؤلاء من ضيق الساحات ولكن لا اذكر ان ساحة واحدة كلت من طارق منذ عرفته اواخر السبعين، ولا اذكر ان طارق تاخر يوما عن هذه الساحة او تلك. لا.بل صرنا في بعض الاحيان لا نذكر الساحة مادام طارق حاضرا.
بهدوء غير مسبوق، بنظرة ثاقبة، بعقل راجح ينزل طارق اي ساحة تناديه وخاصة تلك التي تتبرم منه فيفرض الموقف ويرجح الفكرة وينتصر لصاحب الحق، فاذا هو الناصر المنتصر. من شباب منظمة العامل التونسي الى الجامعة العامة البتروكيميائية الى جمعية التونسيين بفرنسا واتحاد العمال المهاجرين التونسيين وفيدرالية مواطني الضفتين مرورا او عبورا لعدة هياكل مشابهة تونسية، مغاربية، عربية، فرنسية ودولية رسم فيها طارق اسمه باحرف من ذهب كفاعل أساسي مدافع عن الحرية والديمقراطية والحقوق وبعبارة اشمل عن انسانية الانسان.
ما من معركة شريفة الاهداف اندلعت هنا او هناك الا وكان طارق احد جنودها اذا لم نقل قائدها، وما من حق رد لصاحبه المهاجر الا ووضع طارق يده في عجينته.
هذا قليل جدا من كثير جدا اعرفه شخصيا عن طارق، وهذا غيض من فيض ما جاد به طارق على التونسيين اينما كانوا وخاصة في بلدان الهجرة، لا فرنسا فقط بل في البلدان الاوروبية جميعها.
يكفيك اشعاره بمسالة ما فاذا به قد حزم حقيبته وتنقل حيث المشكل وصاحب المشكل.
أستطيع القول دون مبالغة ان لا حياة خاصة له واجزم ان السيدة بهيجة وبقية العائلة كانوا يفتقدونه كثيرا نظرا لوفرة التزاماته خارج البيت.
ما فتىء يشكر وسائل الإتصال الجديدة على ما وفرته له من امكانيات للتواصل مع من يحب في نفس الوقت الذي تجده عاكفا على ارجاع حق لصاحبه.
برحيله يترك فراغًا رهيبًا في ساحات النضال. وبالمناسبة ، لم اسمع انه شكا او بكى من وفرة ما بذله من جهود لنصرة المظلومين والوقوف الى جانب المسحوقين ولم اسمع اطلاقا كما لا اتصور بالمرة انه رغب يوما في مكافاة - ايا كان نوعها- اي تعويض عن نضاله وهو الذي تعرض الى كثير من المظالم، دفعها بتحقير من اتاها ضده وبالصبر على ما لحقه منها من اذى بدني ومعنوي وردها على الجميع بابتسامة طفولية عريضة لا تفارق محياه ايا كان الوضع.
رحم الله الفقيد العزيز ورزق زوجته الفاضلة وابنه وابنته وأسرته وأصدقاءه ورفاقه جميل الصبر والسلوان