خطاب الى مثقف، ثقافة ماذا أيها الابله؟
كتب الاستاذ رياض خليف : ثقافة ماذا أيها الابله، بماذا تطالب؟ وعمّن تحتجّ؟ ولفائدة أيّ مثقّف؟...أهذا الذي يؤدّي فرائض الولاء للمسؤولين الثّقافيين يوميّا، سرّا وعلانيّة..".شكرا للسيد المندوب والسيد مدير الدار أو المركّب على .....وعلى.....وعلى...وأحيانا شكرا للسيد أمين المال لأنّه قام بالأجراء ونزّل الأموال..."
( يا إلاهي. أي زمن هذا؟ أصبح تنظيم لقاء شعري بسيط إنجازا ضخما يمتدح لأجله بعض المسؤولين وعلى هذا النحو يمتدحون لأجل معرض تشكيلي أو عرض مسرحي أو قهوة مع المثقفين...)
لفائدة أي مثقّف تحتجّ وصاحبهم الشّاعر يترجّاهم:
"أنا اللحم وأنتم السكّين.افعلوا ما تريدون. برمجوا من تريدون. المهمّ أن تظلّ لنا الجزية والوليمة. لا يهمّني إن أسأتم أو أحسنتم.الأمر أمركم..."
لفائدة أيّ مثقّف تحتجّ؟
تدافع عنه وتتحمّل الأذى. فيقضم يدك ويعضّها في أوّل فرصة؟
اسمع...
هاهو يجيب محدّثه المحتجّ على هؤلاء الكتاب الذين يكتبون ويخرجون عن الإجماع وعن تقاليد الخنوع "مايهمّنا في أمرهم. كتبوا أو لم يكتبوا...أولئك هامشيّون لا يهمّنا أمرهم... ولا حول ولا قوّة إلا بالله..."
(2)
دعك...
ابحث لنفسك عن بضاعة أخرى...
تبضّع في اسطنبول أو كازابلانكا أو رأس جدير...
تدبّر بضائع تبيعها في السوق السوداء...
افتح دكاكين خلسة لتعلّم النحو والصرف والبنى السردية ودروس الوصف والحوار والواقعية والتجريب...
افتح "سيبارات"...اقتن بقرة حلوب...
افعل كلّ ذلك ودعك من الوقوف على هذه الرّوابي الثّقافيّة المطلّة على الألم والظلم والنميمة والإقصاء...
(3)
ثقافة ماذا أيها الأبله؟
ما هذه الصرخات التي تطلقها؟ ههههه
غيّبوا كاتبا واعتدوا على آخر...
زيّفوا جوائز وأعطوها لمن لا يستحق...
نظموا ندوة ولم يأتهم أحد وصرّح مراسلهم إنّهم نجحوا وحقّقوا الإضافة وصالحوا الجمهور مع الإبداع.
يزرعون الرداءة في كلّ مكان...
ينفخون في الشاعرات طمعا في صيدهنّ...يغيّبون الإبداع...
يروّجون شهائد مزيفة.
يأكلون حقوق الكتاب...
يتناسون الكتّاب الكبار ويعتبرونهم جثثا، ينتظرون رحيلها...
يعزلون الكاتب المدير لأجل تدوينة...
ههههه
اخرس...(يحضر هذا الفعل قادما من التاريخ المنتهك ومن صوت عزت إبراهيم في احدى القمم العربية: اخرس يا عميل)
...ماذا نفعل بالثقافة والكتب والمجلات والشهائد؟ أي قيمة لهذه الأوراق (القراطيس بلغة أبي الطيب المتنبي)
هي" أوراق مراحيض" يقول أحدهم وسط تصفيق غلمانهم...
"أوراق مراحيض"
يقول شاعر تونسي يكتب أحجيته منذ عقود، متوهّما نبوّة الشعر.لا يقرأ لأحد ولا يقرأ لأحد. يعزف للثورة وللعمالة في نفس الوقت. يأكل مع الذئب والراعي...يهذي هنا وهناك حاملا أورام أوهام في قلبه.
هي أوراق مراحيض...
كل تلك الشهائد والكتب والنصوص...
يقول ذلك استرضاء لصاحب الجزية الثّقافيّة...
هكذا تداس الثقافة و المعرفة يطأها البعض بأقدامهم القذرة، منتصرين للجهل، مهينين أسيادهم من الرّموز
ثقافة ماذا أيها الأبله؟
ماذا تريد...
تريد رسم كلمة حرّة في الخلاء...
اخرس...
(4)
ثقافة ماذا؟
يستخرج أحدهم نصك القديم ويعيد نشره دون اسمك...لن نسمّي ذلك سرقة شماتة في بعضهم. يختطفه العشرات استنساخا وتعليقا. لا أحد فيهم تذكّر
لا تحتجّ..
فلتكن سعيدا بابنك يختطفه العشرات بحب.
(5)
ثقافة ماذا يا سيدي؟
-هل تمّ تنزيل أموالنا مقابل تلك الأمسية؟
-لا
-و تلك الأمسية؟
-لا
- وأموال مستحقات الكتب التي اقتنتها لجنة الدعم؟
-منذ متى؟
-منذ زمن طويل؟
-هنيئا لك.أنا لم ألتق وهذه اللجنة منذ زمن
يقتحم هاتف أخر الحوار:
- هل في قريتكم زيت ودقيق؟
(6)
ثقافة ماذا أيها الأبله؟
الثقافة أصبحت مجرد عمل إداري لا يعنينا ولا شأن لنا به...
- كيف نجعل الثقافة قاطرة للتنمية؟
سؤال يطلع من الفيسبوك:
-نغير اسمها. تصبح وزارة الثقافة والتراث والصناعات التقليدية
و الفلاحة البعلية والتكوين المهني الثقافي والسياحي والشؤون الاجتماعية.
-يصبح اسمها قاطرة ونجعل "الثقفوت" أقلية...
(7)
ثقافة ماذا أيها الأبله؟
عمّا تسأل؟
-لماذا عزل المدير؟
-وهل اعتدنا أن نعرف هذا في هذه البلاد؟
يعيّنون ويعزلون في لحظتين مفارقتين. ينقلب الأبيض أسود ونقفز إلى القادم الجديد. نملأه مديحا ودعوات ومشاعر فيسبوكية ونسافر معه حتى يسافر ويترك مكانه...
- وهل يمكن أن يعزل المبدع من مهامه؟
- في هذه البلاد أصبح المبدع معزولا بطبعه. فليس هناك أفق ثقافي جميل.
- -توقّف لننصت إلى هذه المنشطة الإذاعية وهي تشيد على الهواء بحرارة المشهد الثقافي وعودة الأنشطة الثقافية بقوة...
- - ومن هؤلاء الذين تتحدث عنهم في صفحتك؟
- أيّهم؟
- من هذا أحمد خالد الوزير السابق الذي تصدر خبر نعيه؟ ومن هذا المفكر والنقابي رجب معتوق؟ ومن هذه نجيبة دربال التي تنزل صورتك معها في صفاقس؟
( أودّ أن أحيي العم. رجل ستيني بتعليم ابتدائيّ. يسأل ويتذكّر. اييه يازمن. وهل مازالت بيننا حية ترزق؟
-أتعرفها يا عمّ؟ أتذكرها؟
-أـوخ...وكيف لا أعرفها، يا حسرة على تلك البرامج في إذاعة صفاقس...
- تبّا لهذه الأجيال المتعلّمة التي لا تعرف هذا...أجيال بلا ذاكرة ثقافيّة...)
(نشر في ملحق " منارات" الصادر عن جريدة الشعب لشهر جوان)