وثائقي

المحاكمة 46: أحمد شطورو يدين ظروف الاعتقال والاستنطاق والاجراءات الاستثنائية

كانت محاكمة قيادة الاتحاد في خريف 1978 من اكبر المحاكمات السياسية التي شهدتها البلاد. ويكفي ان نطلع على مرافعات المحامين حتى ندرك هذه الاهمية. الأستاذ أحمد شطورو كان احد هؤلاء رغم انه منخرط في الحزب الحاكم آنذاك وتولى وزارة الشباب والرياضة وله علاقات متطورة بالرئيس بورقيبة ورئيس الحكومة الهادي نويرة.
قال الاستاذ احمد شطورو (رحمه الله) في حياة الانسان وفي ممارساته للمسؤوليات تمر به فترات تبعث على التأثر.واعتقادي ان هذا المشهد امامكم من المواقف المؤثرة لاننا نجد انفسنا باعتبارنا محامين امام ثلة من اعز ابناء هذا الشعب ومناضليه وخاصة السيد الحبيب عاشور الذي عرف به فخامة الرئيس بورقيبة في عدة مرات اخرها عندما تحول الى صفاقس في غرة ماي 75 واشرف على مهرجانات عيد الشغل وألقى خطابا مشهودا.
وذكّر المحامي بما قاله الرئيس بورقيبة في هذا الخطاب بشأن النضال الوطني للحبيب عاشور ومشاركته في مؤتمر صفاقس المنعقد في نوفمبر 1955. وأضاف يقول:
ان هذه المحاكمة التي نحن بصددها سيكون لها اثرها العظيم في تاريخ القضاء التونسي وسيتصفح أوراقها جميع المحللين بل وقد شرع البعض في ذلك.
ولقد سررنا في تاريخ سابق عندما اعلن الوزير الاول وثلة من المسؤولين ان القضية ستكون من انظار محاكم الحق العام وكان اعتقادنا ان هذا الاختيار كان مبنيا على اختيار سياسي يتمثل في اعطاء الضمانات القانونية للمتقاضين كي تتمكن النيابة من اثبات الادانة ويتمكن المتهمون ولسان الدفاع من اثبات البراءة، لكن تغيرت الاوضاع ووجدنا انفسنا امام محكمة استثنائية يَمْثُلُ امامها هؤلاء النقابيون.
اننا امام قضية خطيرة جدا بدأت اطوارها بقضية النقابيين في سوسة لان هناك اتصالا يربط بينهما بدليل ان ملف قضية سوسة أُضيفَ وضُمَّ الى قضية الحال.
ـ تدخل الرئيس ليقول : لم يقع ضمها، فلقد صدر الحكم فيها بعدم الاختصاص فعقّبت النيابة واحيلت القضية الى محكمة أمن الدولة ويجري الآن التحقيق فيها باستقلال عن هذه القضية.
ـ رد اضافة ملف قضية  سوسة الى القضية الحالية.
ـ الرئيس: قضية سوسة مازالت عند حاكم التحقيق لدى محكمة امن الدولة.
وواصل الاستاذ شطورو:
اني مازلت مصرا على ان ملف قضية سوسة أُضيفَ الى هذه القضية وزيادة على ذلك أُضِيفَتْ اليها ملفات قضايا ماطر وقضايا النقابيين بمختلف انحاء البلاد مما يدل ان هذه المحاكمة قد بدأت في محاكم اخرى وبدا الحديث عنها في منابر اخرى.
اما اليوم فاننا نجد انفسنا في حالة هي الاولى من نوعها في تاريخ القضاء التونسي. فهؤلاء المنوبين محالون من اجل الاعتداء على امن الدولة ومهددون بمقتضيات الفصل 72 يجري في شأنهم تحقيق لدى باحث البداية مدة طويلة جدا وفي ظروف تحدث البعض منهم عنها لدى حاكم التحقيق واعلنوا انها لم تكن ظروفا عادية.
لقد وقفوا امام حاكم التحقيق مباشرة بعد المجيء من الزنزانة ولم يتمكن محاموهم من الاطلاع على الملف كما ينص على ذلك القانون.
تدخل الرئيس: هل كنت حاضرا يا استاذ:
ـ الاستاذ شطورو: نعم كنت حاضرا وسجلت ان المنوب كان في حالة غير طبيعية ثم واصل بعد ان تحدث عن عدم تمكن المحامين من أوراق الملف اثناء التحقيق وقال رفعنا الامر الى العميد والهيئة القومية للمحامين ولم تقع الاستجابة لطلبنا.
وبقينا نترقب وكانت الاخبار تأتينا بأنه سيقع تعيين تاريخ المحاكمة في القريب وكنا قبل تعيين تاريخها قد طالبنا بزيادة التحري في الابحاث وسماع بعض الشهود لكن لم تقع اجابتنا.
ثم ان هناك أناسا قدموا رسائل كتابية يعرضون فيها امكانية سماعهم في القضية سعيا الى ابراز الحقيقة لكن لم تقع الاستجابة  لمطالبهم.
وفوجئنا بتعيين موعد الجلسة ودعينا لحضورها قبل 3 ايام وكان اول ما سمعناه الملاحظات التي وردت في بداية اول جلسة والموجهة الينا والتي ابدت فيها هيئة المحامين رأيها.
لقد كنا نود ان توجد بين المحكمة ولسان الدفاع ثقة وحوار فنحن لسنا اطرافا في القضية وعلى هذا الاساس كنا نود ان يُوجد تفاهم مع لسان الدفاع.
وفي اليوم الذي اجبرنا فيه على اخلاء القاعة كنت اعتقد ان يقع الاتصال بين المحكمة والعميد لايجاد حل وتلافي ما من شأنه تعطيل سير المحاكمة لكن لم يقع شيء من هذا فوجدنا انفسنا امام مطالب لا يستجاب اليها في حين كان من الطبيعي ان يكون الدفاع على قدم المساواة مع النيابة.
فلقد سمعنا قرار ختم البحث لاول مرة ثم توالت الاحداث ووقع تسخيرنا.
ـ تدخل الرئيس: ان قرار ختم البحث وقعت تلاوته من قبل المحكمة وهو موجود بكتابتها ثم ان الصحافة نشرته فلم يبق وجه للسان الدفاع ليقول هذا.
ـ الاستاذ شطورو: قلت اننا سمعناه يومها لاول مرة وكان من المفروض تمكيننا منه قبل ذلك وانا كلفت بطبع بعض الوثائق ولذلك طلبنا التأخير.
ومضى المحامي يقول:
رأينا ان لا امكانية للقيام بالواجب الا عندما نتمكن من جميع الاوراق ومثال ذلك ان الادعاء العمومي وقرار ختم البحث والكتاب الازرق، تمكن محرروهم من الاطلاع على جريدة الشعب بكل دقة وقد كان من الواجب ان اطلع باعتباري محاميًا على ما صدر في الصحف الاخرى وعلى تصريحات المسؤولين قبل 26 جانفي وبعد لان في هذه التصريحات اشياء ومثال ذلك ما جاء على لسان السيد محمد الصياح في اجتماعه بهيئات الشعب المهنية والصادر بجريدة العمل يوم 12 فيفري 1978 حيث قال:
واذا كان بعضكم يتساءل لماذا سكت الحزب والحكومة طيلة الاشهر السابقة فليعلموا ان ذلك كان خطة وهي الخطة التي اعتمدها الحزب دائما في معاركه وعلى كل «عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم»

وهناك تصريحات اخرى كان من الواجب الاشارة اليها وهناك ملف القتلى الذي ضم الى هذه القضية، وهناك تشاريح القتلى وشهادات الجرحى فأين هذه الوثائق وكيف يمكن لنا ان نرافع في القضية دونها؟
واضاف الاستاذ شطورو قائلا : علمت اخيرا ان المكالمة الهاتفية المتحدث عنها تلقاها السيد عبد العزيز طبقة وانا حضرت استنطاق السيد الحبيب عاشور ولم يقع الحديث عنها .
ـ تدخل الرئيس: انها موجودة من قبل.
الاستاذ شطورو: اضيفت فيما بعد فلقد كنا وجدنا ورقة دون امضاء ثم ان الكلام المكتوب فيها غير متطابق.
ـ تدخل الرئيس: عاشور لم ينكر فهو قال «البيعة تفسد» والشاهد قال «تشعل النار» فالفارق ضئيل والمسألة هي مسألة ألفاظ.
ـ الاستاذ شطورو: ألفاظ لها قيمتها لو امكن لعاشور ان يتحدث لاعطانا التوضيح اللازم في شأنها، ثم تحدث الاستاذ شطورو عن المحجوز

 وختم مرافعته قائلا: اني اذ  لم اتمكن من الاطلاع على أوراق الملف وغيرها من الوثائق فانه لا يمكنني الا ان اتمسك بما قاله المنوبون.
ـ الرئيس: يعني البراءة؟
الاستاذ شطورو: هم تمسكوا بالبراءة وللمحكمة ان تحكم بما تراه صالحا.