المحاكمة 48 : قانون أمن الدولة اعتمد مجلة الاجراءات الجزائية في ضمان حق الدفاع عن المتهم
نواصل استحضار مرافعات الاساتدة المحامين أمام محكمة أمن الدولة التي تعهدت خريف 1978 بالنظر في قضية أعضاء قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، الدين اتهموا بالمسؤولية عن الاحداث التي ترتبت عن اضراب 26 جانفي 197
من بين هؤلاء المحامين نقرأ مرافعة الأستاذين نور الدين الغزواني وعبد الوهاب القرامي.
قال الاستاد الغزواني: يظهر في الصورة المرافقة وهو مديرا لمعهد المحاماة بصدد امضاء اتفاق مع مسؤولة جامعية
اقف اليوم بين ايديكم بموجب قرار التعيين احتراما للقانون وانا كسائر زملائي غير مطلع على ملف هذه القضية.
واود ان اذكر بأن المحامي يعتبر مساعدا للقضاء وقد اراد المشرّع للقانون المؤسس لمهنة المحاماة القول بأن المساواة قائمة بين النيابة العمومية والمحاماة وبأنها تقتضي ان يكون المحامي على علم بكل الابحاث في القضية مثل النيابة العمومية حتى يؤدي دوره كما يجب.
واعتقد ان الزملاء قد أطنبوا في بيان الاستحالة المادية للاطلاع على ملف هذه القضية وليس المقصود هنا ما اشيع من اننا نريد تعطيل سير القضاء وانما اريد ان اعود الى قرار التعيين بايجاز فأقول ان ملاحظة تطالعنا عندما نتمعن في الفصل 141 من مجلة الاجراءات الجزائية وهي ان الفصل لم يتعرض لصورة الانسحاب.
ولم يتكلم عنها غيره من النصوص والفصل 141 صريح حيث لابد من الرجوع الى المتهم الذي هو طرف رئيسي في عقد الوكالة فيسأل عما اذا كان يرفض او يقبل تعيين المحامي اسميا باعتبار ان العقد من قبيل العقود الرضائية الشخصية.
عقد خاضع للقواعد
وهذا العقد يخضع الى قواعد النظرية العامة للعقود ويخضع الى القواعد الخاصة المتعلقة بالوكالة، وعندما نطالع هذه القواعد نجد ان الرضى هو العنصر الاساسي الذي يقوم عليه العقد.
ولسائل ان يتساءل: اذا رفض المنوب نيابة محاميه فما هو العمل؟
هل يدافع عنه المحامي رغما عن ارادته؟
ان اساس تكوين عقد المحاماة في مثل حالة التعيين لا مناص فيه من ان تكون الارادة المتبادلة قائمة.
وامام هذه الوضعية لا يسعني ـ ارضاء لضميري ـ الا ان اتمسك كما تمسك به منوّبي من براءة واطلب على هذا الاساس الحكم بعدم سماع الدعوى وترك السبيل.
هنا تدخل رئيس المحكمة ليقول: هذه القضية تهم امن الدولة وهي محالة على محكمة لها قوانينها الخاصة ولها ما يجبرها على الالتجاء الى السرعة في فصلها لتلافي ما حصل ولذلك فان ما اقدمت عليه المحكمة من تعيين قد اصبح باتّا لا رجوع فيه، ولو عدنا الى المتهم ومكناه من تعيين محامٍ آخر ينوبه لقدم هذا المحامي مطلبا ثانيا في التأخير لمدة طويلة وربما لا تجيبه المحكمة وينسحب ويحصل ما حصل في المرة الاولى ولا تنتهي هذه القضية فنجد انفسنا في حلقة مفرغة.
ضمانات متوفرة
ولهذا فان ما أقدمت عليه المحكمة في خصوص قرار التعيين راعت فيه هذه الحالة وراعت فيه ضمانات الدفاع على المتهمين وهي مازالت مصرة عليه.
الاستاذ الغزواني: القانون المؤسس لهذه المحكمة ارجعنا الى مجلة الاجراءات الجزائية التي تضمن حق الدفاع الاساسي عن المتهم وان ما اجابت به المحكمة هو في نظري مجرد افتراض واعتقد انه لو اجلت النظر في القضية استجابة للدفاع وجاء الاجل مناسبا وكافيا كي نطلع اطلاعا ماديا فقط على الملف لقام الدفاع كعادته بواجبه في اخلاص.
الرئيس: جرى العمل بالاجراءات فيما لا يتعارض مع الغاية من احداث محكمة امن الدولة.
الاستاذ الهيلة (مقاطعا) فيما لا يتعارض مع النصوص المحدثة لمحكمة امن الدولة.
الرئيس: ومع الغاية التي احدثت من اجلها محكمة امن الدولة.
الأستاذ عبد الوهاب القرامي
كنت نائبا اصالة عن الناجي الشعري ونور الدين البحري واثر التحقيق وحسب فهمي الخاص طلبت من السيد حاكم التحقيق حفظ التهمة في شأنهما لكن ماراعني الا وهو يصدر بطاقتيْ إيداعٍ.
طلبت اثناء التحقيق تمكيني من ملف القضية لكن لم أحْصُل على ذلك فسعيت مع بعض الزملاء ولم اتمكن في النهاية الا من قرار دائرة الاتهام.
وفي الجلسة الاولى قدمت نيابتي عن السادة الحبيب عاشور وخير الدين الصالحي وعبد العزيز بوراوي وكنت مع زملائي تقدمت بطلب في التأخير آملا في ان نتمكن من اجل مناسب للقيام بهذه المهمة لكن فوجئنا جميعا بقراركم المتمثل في منحنا اجلا بأسبوعين.
وتحدث الاستاذ القرامي عن المطلب الثاني بخصوص التأخير وعن انسحاب المحامين وعن علمه بقرار تسخيره في الساعة الحادية عشر ليلا للدفاع عن اسماعيل السحباني وناجي الشعري، كما تحدث عن عدم تمكنه من الاطلاع على وثائق ملفهما.
الاستحالة المادية متأكدة
واضاف قائلا: ان الاستحالة المادية تأكدت اذ رفض المنوّبان الكلام.
ولقد اردت الدفاع في نطاق الشرف والمهنة لكن وجدت نفسي في حالة يستحيل معها القيام بالواجب اذا انقطعت الثقة بيني وبين الموكّلين.
ولعله من المفيد ـ ومع تمسكي بمرافعة الاستاذ الازهر القروي الشابي ـ ان اذكر بأن الفصلين 136 و 141 من مجلة الاجراءات وكذلك الشأن بالنسبة الى الفصل 199 من نفس المجلة والذي يقول «تبطل كل الاجراءات التي تمس بالحقوق الشرعية للمتهم.
وختاما اتمسك بما جاء في تصريح موكلي الناجي الشعري واسماعيل السحباني.
وبعد فراغه من المرافعة قدم الاستاذ القرامي الى رئيس المحكمة وثيقة قال انها «ملاحظات كتابية باسم جميع الزملاء».