النهضاويون قبضوا تعويضاتهم غنائم حكم وامتيازات، فمن يعوّض الشعب التونسي عن جرائم قياداتهم في حقّ الوطن ؟ • بقلم خليفة شوشان
لن نخوض في أحقيّة المناضلين ضحايا أنظمة الفساد والاستبداد في التعويض، فذلك أمر قيمي يخضع لاعتبارات رمزية تعود إلى سلّم القيم والمبادئ التي دافع عنها المناضل ودفع الثمن من أجلها، لكنّ الأسئلة الأحرى بطرحها هل كلّ المناضلين ضحايا، هل كلّ الضّحايا مناضلين، وهل يستحقّ النّضال والتّضحية تعويضا؟
وما هو التّعويض المناسب لنضال المناضلين وتضحياتهم أكثر من أن يروا ثمار تضحياتهم على أرض الواقع؟ ليكن سؤالنا مباشرا، هل كان النهضويّون فعلا مناضلين من أجل الوطن رافعين لشعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية منتصرين لحقوق الإنسان وللسيادة الوطنيّة ضدّ القهر السياسي والاستبداد الاقتصادي والفساد؟ بالعودة إلى تاريخهم منذ النشأة "حلقات دعويّة" ثم "اتجاه إسلامي" وصولا إلى "النهضة" لم ينشغلوا بهموم الشعب الاقتصادية والاجتماعية مثل عموم التقدميين ولا من أجل الحقوق والحريّات المدنيّة والسياسيّة مثل أجيال من الحقوقيين والديمقراطيين والحداثيين ولا من أجل السيادة الوطنيّة واستقلال القرار الوطني مثل الوطنيين، بل كانوا يدافعون عن مشروع قروسطي رجعي هوويّ خارج هذه الدائرة عنوانه التكتيكي الأدنى دعوي مفتوح على كل الخيارات العنفيّة الموازية للمسار السلمي "أسلمة المجتمع التونسي" والاستراتيجي الأقصى "إعادة الخلافة الإسلاميّة" أو التمهيد لها، ولأجل تحقيق هذه الأهداف رفعوا شعار "الضّرورات تبيح المحظورات" ترجمة لمقولة "الغاية تبرّر الوسيلة" فتحالفوا مع جميع الرجعيّات العربيّة والإقليميّة؛ الوهابيّة والخمينيّة وأخيرا العثمانيّة الأردوغانية ومع القوى الاستعماريّة القديمة والجديدة البريطانيّة والأمريكيّة وكانوا وما زالوا مستعدين للتحالف مع الشيطان نفسه لتحقيق حلمهم بالوصول إلى السلطة بكلّ أساليب المكر والتحيّل و"التّقيّة" وبالاختراق والتمكين واستعمال العنف والإرهاب وبتقديم كلّ التنازلات الخيانيّة للجميع دون استثناء بما في ذلك العدوّ الصهيوني...
هم بجميع المقاييس خارج دائرة النضال والمناضلين بالمعنى الوطني الجامع المستقر في كلّ مدوّنات الفكر السياسي، لكن هل يسلبهم ذلك الحق في كونهم "ضحايا"؟ نعم الكثيرون منهم ضحايا وخاصة القواعد، لكنّ هم أولا وأخيرا ضحايا الخيارات التنظيميّة والقرارات السياسيّة لمشايخهم وقياداتهم التي دفعتهم كالقطعان إلى المحرقة بحشرهم في معاركها الخاسرة ضد نظام بن علي وعندما استشعروا الهزيمة واختلال موازين القوى سارعوا بعقد الصفقات مع النظام برعاية استخباراتيّة بريطانية/أمريكيّة لتأمين خروجهم الآمن إلى المنافي الاختياريّة. ولعلّنا هنا نتذكر أخطر اعتراف أدلى به كبيرهم "السفيه" راشد الغنّوشي بعد الثورة -وهو غير مستوعب بعدُ لعودته إلى تونس- كان ذلك في برنامج حواري على "قناة حنبعل" (للأسف تمّ حذفه نهائيا من أرشيف القناة) عندما سئل عن أكبر قرار ندم على اتخاذه، فأجاب "قرار الصدام مع نظام بن علي ( القرار المعروف بتحرير المبادرة)".
إذًا وباعتراف سفيههم الأكبر هم ضحايا قياداتهم والأحرى أن يطالبوها بالتّعويض لهم على غباء قراراتهم ومن ثرواتهم الطائلة التي جمعوها من التسوّل باسمهم على أعتاب الدول والمنظمات الحقوقيّة ومن صفقات بيع البلاد للدول الكبرى ومقايضة ثورة الشّعب بالمصالحات مع الفاسدين الذين نهبوا أموال الشعب لا من اموال المجموعة الوطنيّة تحت عنوان "العدالة الانتقالية" التي تحولت إلى "نذالة وتحيّل انتقامي" من الدولة والشعب. الضحايا الحقيقيون هم أبناء الشعب التونسي الذي دفع الثمن مرتين جريرة طمع النهضويين وتكالبهم على السلطة؛ مرّة أولى عندما بايعوا انقلاب "الجنرال" بن علي ووقّعوا معه "ميثاقه الوطني" وساندوا ترشيحه في انتخابات 89 رئيسا مطلقا مقابل وعود سياسية، ثمّ دخلوا معه في صدام عبثي بعد أن خدعهم، فأورثوا البلاد 23 سنة من الدكتاتورية والتصحّر السياسي، وضحاياها مرّة ثانية عندما حرّرتهم الثورة من المذلّة والإهانة والتعفّن في السجون والاقصاء و"الوصم الاجتماعي" فكان أن تآمروا وانقلبوا على أهدافها ونكّلوا بقياداتها الحقيقيّة وجرحاها وعائلات شهدائها وأهانوا الشعب وقهروه ونكلوا به وجوعّوه وشرّدوا ابناءها في قوارب الموت وتركوه اليوم يواجه الكورونا اعزلا بالاصرار على دعم حكومة فاشلة عاجزة عن حمايته وتوفير التلاقيح له والتجهيزات والموارد المالية والبشريّة لمنظومته الصحيّة المتهالكة.
بل وعملوا على تكريس منظومة جهنميّة للفساد والإرهاب واللّصوصيّة والافلات من العقاب. اليوم بلغ صبر الشعب التونسي وتسامحه منتهاه وشارف على النفاد ورصيد الثقة الذي منحه للسياسيين وفي مقدمتهم حركة النهضة بعد الثورة تحت شعار مضلل "انتخبوا الي يخافو ربّي" تحوّل إلى نقمة عارمة واحساس بالخديعة تذخر غضبته القادمة قريبا جدا، والتي لن تطول كثيرا أمام حجم الخراب الذي كانت النهضة أكبر من تسبّب فيه مع من تواطأ معها. يومها تأكدوا أنكم ستدفعون الثمن غاليا ولن تكون تجربتكم مع نظامي "بورقيبة" أو "بن علي" سوى فسحة مرح تتذكرونها بالكثير من التحسّر لأنّ حساب الشعب غير حساب الانظمة.
لعلّ العديد من النهضاويين المغرَّر بهم استفاقوا لهول وبشاعة جرائمكم وآثروا النأي بأنفسهم والبراءة منكم، بل منهم من اختار تعريتكم وكشفكم أمام الجميع تكفيرا عن ذنبه، الامر المؤكد أنّ عزلتكم تتوسّع وحبل كذبكم وافترائكم وتزييفكم للوعي وافتعال الازمات والاستثمار فيها بات قصيرا، وانّ لحظة الحساب قادمة لا محالة، أراها على وجوه التونسيين البسطاء وفي عيونهم واسمعها من افواههم في الشوارع والأسواق والمقاهي وأمام المدارس وقصور العدالة المغيّبة والمستشفيات وفي المقابر وهم يدفنون أحبتهم.
ساعتها لن ينفعكم الندم وستدفعون الثمن غاليا تعويضا للبلاد والعباد عن عشرة سنوات من التخريب الممنهج والانتقام المرضي وسرقة الثورة واجهاض شعاراتها ورهن البلاد والتمثيل بكرامة شعبها.