كرة القدم بديلاً عن خيبات السياسة
الشعب نيوز / صبري الرابحي . كان لزاماً علينا التقاطع مع عديد السرديات السائدة من كون كأس العالم هذه هي فرصة تستغلها الأنظمة لتمرير سياساتها الموجعة في غفلة من شعوبها المنشغلة بسحر اللعبة كذلك يمكن التقاطع مع سردية أن كرة القدم هي أفيون جديد للشعوب يذهب عقولها عن إستحقاقاتها الجدية، لكن لا يمكن بأي حال إنكار أهمية هذا الحدث الرياضي كي لا نتنكر لرسائله الإنسانية برمتها.
هذه الدورة من كأس العالم شكلت بالنسبة لعديد الشعوب فرصة لإستنهاض قومياتها و إسترجاع بعض الفخر بالإنتماء.هذه الدورة عرفت على الأقل تمرد المستعمرات على الدول الإستعمارية التي مازالت تحتقر هذه الدول و نعتبرها "تابعة" لها ثقافيا و سياسيا و إقتصاديا و حيث لم تستطع الشعوب التفوق على هذه القوى في ميادين عدة فإنها إستطاعت كسر هذه الصورة التي ظلت راسخة في الأذهان لسنوات طويلة بواسطة كرة القدم.
و عن تحول كرة القدم إلى بديل ثوري عن خيبات السياسة فإن فشل الأنظمة في أن تصنع الفرحة الجماهيرية لشعوبها إستطاعت هذه اللعبة تعويضهم عن ذلك بتسعون دقيقة أو أكثر فكانت كافية لإثارة مسألة الخيبات المتتالية و التي ظننا لحين أنها لن تزول فلم تستطع الطبقات السياسية إخراج شعوبها للميادين و الساحة و تجميعها و نفي الفوارق بينها و توحيدها حول رايتها الوطنية في الكثير من الأحيان في حين إستطعت كرة القدم ذلك بكل عفوية و تلقائية بمجرد الفوز أو حتى الخروج المشرف من الأدوار المتقدمة للمسابقة.
كثيراً ما شهدنا تمرير الرسائل السياسية في تظاهرة كرة القدم خاصة بإقتناعنا أن جمهور اللعبة هو مجتمع مصغر يعكس ديناميكية الشعوب حتى أن ما يصل من رسائل المدارج قد ينذر أحيانا بتحولات إجتماعية مهمة لها إستتباعاتها السياسية اللاحقة و هو ما تحقق في عديد الدول التي عرفت الإنتفاضات و الثورات.حتى عنف الجماهير كان يفهم بأنه تمرد على السلطة القائمة و من ورائها أنظمتها البوليسية الخانقة فنجحت الجماهير إلى حد ما في تسليط الضوء على هذه الممارسات و كانت بذلك تؤشر على رفضها لوضع معين و تحذيراً للطبقة السياسية من الإنفجار الكبير.
و من خيبات السياسة أيضاً هو قصورها عن مناصرة حركات التحرر في العالم و الإنتصار للقضايا العادلة فرأينا في أكثر من مرة إنتصار الجماهير للأقليات المضطهدة و الشعوب الطامحة للإنعتاق و لعل أبلغ هذه الرسائل هي نزول الراية الفلسطينية إلى أرضية الملعب و تواجدها المستمر في المدارج كتواجدها في وجدان كل الشعوب المؤمنة بالحق الفلسطيني على أرضه حتى من خارج القومية العربية و الشعوب المسلمة.و عن فلسطين أيضاً كان تواجد أعلامها و تتالي الحركات الرمزية المساندة لها في المدارج و على الميدان أيضاً رسالة مضمونة الوصول للأنظمة الرجعية التي لم تتماهى مع شعوبها في رفض التطبيع فوجدت أنفسها محرجة من الممارسة الشعبية السليمة في الإنتصار للقضية الفلسطينية و دحر المساعي المحمومة لتسلل هذا الكيان إلى شعوب لم ينضب أملها في تحرير فلسطين رغم تباعد النكسات و تواصل النكبات و تحول التعامل نحو المزيد من الرسمية بالنسبة لعديد الأنظمة التي صار لزاماً عليها أن تعي بأن البروبغندا لا تستطيع أن تحجب ضمائر الشعوب و لا حتى أن تزيفها.
لقد شكلت قضايا التحرر و القضية الفلسطينية في مقدمتها محور هذه الدورة من كأس العالم و شكل حضور الشعوب المتهمة بالتطبيع و التي عبرت عن قناعاتها في مساندة الشعب الفلسطيني أبراءا لها مما تقترفه الأنظمة و مصالحة جدية بين العديد من الشعوب التي تصورنا أنها عبرت إلى ضفة اللاعودة في مناصرة أعدل قضايا الأرض..
إن خيبات السياسة لا تمحى في مجملها لكن يمكن لحدث عالمي مهم ككأس العالم أن ينسينا بعضها و يستنهض فينا الكثير من الإقدام على دحضها نحو شعوب متآلفة منتصرة للقضايا العادلة و تقويم إنحرافات الأنظمة عن البوصلة الثابتة.