آراء حرة

مونديال قطر يحيي هواجس الربيع العربي لدى الكيان الصهيوني

الشعب نيوز / كعب . وضع مونديال قطر 2022 الصهاينة  نخبا وجمهورا أمام المرآة، حيث تهاوت أمام ناظريهم فجأة السردية التي عمل قادتهم على تسويقها على مدى عامين، والتي قامت على الزعم بأن اتفاقات التطبيع قد أسست لفك ارتباط الشعوب العربية بفلسطين وقضيتها.

لم يتمكن الصحفيون الصهاينة  الذين  أوفدوا لتغطية أحداث المونديال ولا مقدمو البرامج الحوارية في قنوات التلفزة وضيوفهم الذي علقوا من الأستوديوهات من تل أبيب والقدس المحتلة من إخفاء شعورهم بالإحباط والصدمة من مظاهر التفات جماهير مشجعي الفرق العربية التي شاركت في المونديال حول فلسطين وقضيتها، والتي تمثلت بالهتاف لها ورفع العلم الفلسطيني والتعبير عن الرفض للكيان الصهيوني  عبر عدم قبول إجراء مقابلات مع الصحفيين الصهاينة.

وقد ظن موفدو الإعلام الصهيوني  الذين توجهوا لتغطية المونديال أنه سيتم التعاطي معهم كسائر الصحفيين الأجانب الذين قدموا لنفس المهمة، فإذا بهم يُفاجؤون بمواقف الجماهير العربية المبدئية من الصراع مع الاحتلال، والتي عكست وحدة موقف الأمة من هذا الكيان بوصفه كيان احتلال دخيل.

وقد تسببت مظاهر احتفاء الجماهير القطرية والعربية بفلسطين وقضيتها بإحراج معلقي الشؤون العربية والمستشرقين الذين دأبت قنوات التلفزة الصهيونية  منذ التوقيع على أول اتفاق تطبيع في أوت 2020 على استضافتهم، حيث توسعوا في إمطار المتلقي الصهيوني  بما اعتبروها "مؤشرات" على التحولات التي طرأت على توجهات الجماهير العربية من فلسطين وقضيتها عبر الاستناد إلى ما يقوله ويكتبه بعض المرتبطين بأنظمة الحكم العربية، وقد أقر بعض هؤلاء بأن تقديراتهم السابقة لم تكن تعبر عن حقيقة توجهات الشعوب العربية.

ومما لا شك فيه أن مونديال قطر 2022 دلل بما لا يقبل مجالا للشك على أن الحملات الدعائية التي شنها الكيان الصهيوني  في العامين الماضيين بهدف التأثير على الوعي الجمعي للشعوب العربية قد باءت بفشل ذريع، فاعتماد المؤسسات الحكومية الصهيونية  وجيش الاحتلال الدبلوماسية الرقمية عبر تكثيف الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي العربية وإغراقها بالرسائل الهادفة إلى استمالة الجماهير العربية عبر التركيز على ثمار التطبيع والتعاون مع إسرائيل أثبت أنه لم ينجح في إحداث تأثير يذكر على الوعي الجمعي العربي.

لقد تبين للقائمين على ماكينة الدعاية الصهيونية  أن تخصيص الموارد البشرية والمادية وتدشين الحسابات باللغة العربية على مواقع التواصل بهدف التأثير على توجهات الجماهير العربية لم ينجح في أن يلامس الصورة الواقعية التي تكرست للكيان الصهيوني  في الذهنية العربية ككيان محتل غاصب يمارس أبشع الجرائم ضد شعب عربي أعزل.

لكن عندما جبنت الحكومة الصهيونية والناطقون باسمها عن الاعتراف بفشل جهودها على صعيد حرب الوعي راحت تكيل التهم لقطر بوصفها الدولة المنظمة للمونديال وتحميلها المسؤولية عن سلوك الجماهير العربية والقطرية المحتفية بفلسطين والرافضة للكيان الصهيوني ، فقد احتجت الخارجية الصهيونية  رسميا لدى قطر على سلوك الجماهير العربية تجاه موفدي وسائل الإعلام الصهيونية رغم أن أيا منهم لم يتعرض لأي اعتداء مادي.

إن هذا الاحتجاج يعكس في الواقع النفاق وازدواجية المعايير التي تحكم سلوك الكيان الصهيوني ، فالكيان الذي قتل 55 صحفيا فلسطينيا منذ العام 2000 وواجه دعوى قضائية أمام محكمة الجنائية الدولية قدمتها شبكة الجزيرة الإعلامية بسبب اغتيال مراسلتها في الأراضي الفلسطينية شيرين أبو عاقلة تغضب لمجرد أن الجماهير العربية عبرت أمام صحفييها عن مواقفها من فلسطين وقضيتها.

وأثار هذا النفاق استفزاز بعض الصحفيين الصهاينة  الموضوعيين، حيث استهجن تسيون نانوس الصحفي في القناة الـ12 الصهيونية  في سلسلة تغريدات من رد الفعل تجاه مواقف الجماهير العربية من الكيان الصهيوني ، معتبرا إياها طبيعية في ظل السياسات التي تتبناها كدولة احتلال تجاه الفلسطينيين.

لقد أحيا مونديال قطر 2022 في الواقع كابوس الرعب الذي أثار الفزع في أوساط القيادات الصهيونية  عند تفجر ثورات الربيع العربي أواخر 2010 عندما تبين للصهاينة  أن الالتفاف حول فلسطين وقضيتها هو أهم ما مثل عهد الثورات الذي كان قصيرا.

وقد أجمعت الأدبيات الصهيونية  التي تناولت تجربة ثورات الربيع العربي على أن نجاح عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي سيملي على الحكومات المنتخبة أن تراعي توجهات الرأي العام العربي، وتحديدا تجاه الكيان الصهيوني ، مما سيقلص قدرتها على مواصلة سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

وعزز مونديال قطر لدى الصهاينة صدقية الاستنتاج الذي ولجت إليه الكثير من نخبها بعد ثورات الربيع العربي أن ضمان أمنها وتحقيق مصالحها الإستراتيجية والإقليمية يتوقفان بشكل أساسي على الحفاظ على طابع بعض النظم السياسية الحاكمة القائمة في المنطقة، والتي لا تراعي سياساتها الخارجية توجهات الرأي العام.

وإن كان رئيس الوزراء الصهيوني  المكلف بنيامين نتنياهو قد بشر الجمهور الصهيوني  بعيد تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة بالتوصل إلى مزيد من اتفاقات التطبيع فإنه قد بات من الواضح لدى هذا الجمهور أنه حتى لو وفى نتنياهو بتعهده فإن هذه الاتفاقات ستعبر فقط عن توجهات نظم الحكم التي ستوقع عليها ولن تكون ملزمة للجماهير العربية التي ستعبر عن حقيقة موقفها من الكيان  في أي فرصة تسنح لها.

تنفيذ / كعب .