ثقافي

" مسرح " من الإنسان الاول للإنسان المتأله في عمل متميز للفنان عصام العياري "

 الشعب نيوز/ حسني عبدالرحيم -عند ظهور كتاب "Sapiens" (الإنسان الأول) (في رواية لتاريخ الماضي)الذي تُرجم لكل اللغات وكان من معجبيه "مارك زوكربرج" و"بيل جيتس" و"باراك أوباما" وكان من الكتب الأكثر مبيعآ في العالم ومؤلفه"يوفال نواح هيراري" يمكن تسميته بفيلسوف مستحدث وعالم طبيعة هاو ومُتحَيل لطيف!

الكتاب كان حدثآ عالميآ لكنه من الجهة الأخرى أثار سخط العديد من العلماء المتخصصين في علوم الطبيعة والإنسان بإعتباره إستعراض للتاريخ البيولوچي والعلمي بلا مراجع موثقة لباحثين علميين!

في العام 2016 تم تمثيل"Sapiens" على رُكح التياترو بواسطة الممثل القدير "عصام العياري" واللذي حول النص شبه العلمي لحكاية مسخرة (Farce) بعد ذلك استأنف الفيلسوف المتوحد" يوفال" في مغامرته الفكريه لينتج الإنسان المتأله(Homo-Deus) فى "رواية لتاريخ المستقبل "ويتلقف العياري العمل الجديد ليكتبه كنص مسرحي فهو على مايبدو أمتلأ غرامآ بتأملات هيراري ونظرته للكون !

ثم إنقطعت الحكاية بفعل سنتين من الكورونا لكي يعاود "عصام عياري"بتشجيع من "زينب فرحات" العمل على النص الذي كتبة وقرر مشكورآ (آي نعم) أن يُخرجه ويمثله! وتم عرضه بنجاح منقطع النظير طوال الشهر الاخير من العام المنصرم (2022) والذي شهد بألصدفة قمة المناخ  وفرضية نهاية الحياة البيولوچية على كوكب الأرض!

بين العرض الإبتدائي للإنسان الأول والعرض الثاني للإنسان المتأله ست سنوات جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسر وفوقه لم يعد هناك نظام عالمي جديد ولم يعد الإنسان الأخير ل"فوكوياما "محل تحقيق بل هبط كابوس يجثم على صدر البشرية هو نهاية الإنسان! تزعزع وهم الديموقراطية الخالدة بظهور الرجل المتوحد الكبير(Big Brother) على الشاشات "دونالد ترامب"وظهور أخوة صغار له شعوبيين بكل اللغات في وسط جزع عالمي كبير من حروب نووية ستندلع لامحالة كما يقترحون! وأوبئة ماحقة وإفلاس إقتصادي وهجرة عالمية بين القارات وتهديد بألترحيل الإجباري عبر عنه بفظاظة" إريك زامور" على الضفة الأخرى من المتوسط بما يساوى إعلان حروب أهلية في قارة عجوز تعانى من إضمحلال سكانها وتخاف من إجتياح الآخرين!

عودة مسألة الهوية كموضوع مركزي للنقاش السياسي والإجتماعى يزلزل كل المفاهيم والأسس التى تشكلت على أساسها الليبرالية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية لا تُستثنى من ذلك شعوب صفراء أوبيضاء أوسوداء أومهجنة ! إنه الخوف من الفناء الذي يدفع بألعودة للإستمساك بماضي البشر الهوياتي..ذلك لإن الحاضر يهرب من بين أياديهم كحلقة هاربة و مفقودة بين الماضي والمستقبل ..المستقبل الذي يبدو كارثيآ!

إستعادة كل ذلك في كتابيّ "هيراري" غير الموثقين بألعلم التجريبي أوهما كما صرح الضالنعون في علوم الإنسان والطبيعة مثقلين ب"الحساسية الإستعراضية( spéculations sensationnelles )وهو ما لا يضمنه العلم التجريبي.

تعودنا على فلسفات النهايات منذ العصور القديمة في كل أزمة كبرى مرت بها الإنسانية والأزمة الحالية الكبرى تنتج شبه فلسفة للنهاية المحتملة!

على الرُكح في عرضه الأخير "الإنسان المتأله" وبجبة تونسية مزكرشه يأتي العياري راقصآ يسائل" تشارلز داروين"و"سيجموند فرويد" و"نيتشه" و "البيرت إينشتاين" و "نيلسون بور" لكى يرقص ويمرح ويفذلك معهم وعليهم ليسائلهم من موقعه -في الشمال الغربي مثلآ- وبجبته كما لوكان يتمشى بصحبتهم في "سوق الأربعاء" عن معنى ما توصلوا إليه عن التطور والزمن والإنفجار العظيم (Big Bang)ولا يجاوبونه فهى إفتراضات علمية ساهمت في فهم الإنسان لنفسه وللطبيعة بعضها ثبت بإلإحصاء والتجريب وبعضها يعمل بكفاءة كأداة للتفسير!

لا جواب ولا يقين للإنسان الحائر :لماذا صار قرد معين إنسانا ولم يصر القرد الآخر؟ الإنسان يضيع في متاهته وليس أمامه غير وجه الله ..يتعالى في عليائه لكنه لا يظهر ويستبيحه قناع أصولي متوحش لكى يعمل على أن يعاود إرسال الإنسان لخمسة عشر مليون سنة للوراء لعصر السابيناس والمعيشة في الكهوف وانتظار الزلازل والعواصف كأقدار لابد منها!

تبدو المساءلة العلمية- على غير المتوقع - كمساءلة "هاملت" لشبح الأب الهالك ،ويبدو أن الفساد لم يعم فقط "مملكة الدانمرك"بل كل العالم الأرضي للإنسان المتأله المُوشك على الفناء. الحل هو الخروج من الثقب الأسود لتخطي مسألة الزمن الذي مر والذي سوف يمر وهو الحل الإفتراضي للعياري بإحتمال متفائل بأنه بعد الفناء ستجتمع الطاقة الكونية مرة أخرى لينتج نفس ماحدث من قبل..إنفجار كبير(Big Bang) وبداية للعمليةالسابقة و التى أستغرقت ملايين السنين مرة جديدة وربما لتنتج الأسئلة القديمة فليس هناك زمن إنه محض إفتراض أرضي!العالم لن يتكرر مرتين وإلا كما صرخ"إينشتين"في وجه"بور":الله لايلعب النرد في الكون! فكان رده :وهل وظيفتنا أن نعلم الله كيف يدير كونه؟ فسكت"إينشتين" لإننا لانعلم إلا ما عَلمتنا.

على الرُكح أخرج ومثل بعدما كتب "عصام العياري" كل ذلك كملهاة مضحكة مع إبتذال محبب للنفس لإنه بطبيعته ملازم للحياة اليومية وللمأساة الكونية!

ينتهى العرض الذي تم بديكور بسيط ومُلهم كما لوكان درس يعطيه أستاذ لتلاميذه ويصير الإنسان المتسائل في وضع العزلة الوجودية وحيدآ دون أنيس وينتهى باغنية الوحدة"la solitude" للشاعر والمغني الفرنسي "ليو فيريه"التى نسمعها بصوته المتهدچ ويلقيها "العياري" كما لو كان "هاملت "في وحدته برغم من تبدل السياقات الزمنية !

سينوغرافيا "صبري العتروس" و فيدير ومؤثرات صوتية "وليد حصير" وإضاءة" محمد زيدان محرز "وتوضيب رُكحي "المهدي بوذينه"!وكل ماتبقى إبداع "عصام العياري "وحده!وننصح بمشاهدته بعد الإحتفال بقدوم العام الجديد وليس قبل ذلك كما فعلنا وفعل جمهور غفير.