الريعيّون وحركة 25 جويلية: البكاء على الديمقراطيّة أم الخوف من ضياع المغانم؟
المستفيدون من عشريّة الريع الحزبي والسياسي والديمقراطي والحقوقي والإعلامي وهم أقليّة الشعب التونسي، يبدون منزعجين أكثر من أعرافهم ومموّليهم من جماعة الريع الاقتصادي والمالي ومن أعراف أعرافهم من المانحين الدوليين. ترعبهم وتؤرقهم الممكنات والاحتمالات القادمة.
بطبيعة الحال هذا الانزعاج الواضح والفاقع من "حركة 25 جويلية التصحيحية" كما أعلنها الرئيس قيس سعيّد مساء الأحد الفارط يختفي تحت يافطة وعنوان مستهلك "التوجس من الدكتاتوريّة الإخشيديّة والخوف على تجربة الانتقال الديمقراطي".
صحيح أن معظم القوى الوطنية والديمقراطية أحزابا ومنظمات وفي مقدمتها ومحرار بوصلة قراراتها المنظمة الشغيلة أعلنت دون مواربة أنّها مع القرارات الاستثنائية الرئاسية في ظلّ الوضع الاستثنائي الذي وصلته البلاد، لكنها لم تندفع وتمنحه تفويضا مطلقا أو صكّا على بياض وأكدت بالقدر نفسه من الوضوح والثقة والوطنيّة أنها ضدّ الردّة على المكتسبات الديمقراطية وعلى ما راكمه الشعب من حقوق وحريات لم يكن للطغمة المافيوزية الحاكمة ما قبل 25 جويلية أي فضل فيها، بل لعلها وعلى خلاف ما تدعيه كانت أكثر من انقلب عليها وداسها بلا رحمة طيلة حكمها على امتداد عشرية كاملة ولعلّ الصورة الأكثر تكثيفا لها ما كشفته التحركات الشبابية الاحتجاجية خلال شهريْ ديسمبر وجانفي الماضيين والتي كانت المقدمة الضرورية لهذه الحركة كما كانت أحداث الحوض المنجمي مقدمة لانتفاضة 17 ديسمبر وبرز ذلك في مطالبتها بإسقاط المنظومة الفاشلة وإنهاء العملية السياسية الفاسدة وحلّ البرلمان وتصحيح المسار الثوري.
إن هذه القوى الوطنية لم تتردّد في المطالبة بكل إلحاح ومبدئية بتوفر كلّ ضمانات حماية هذه المكتسبات الديمقراطية والحقوقية وسارعت الى تشكيل ما يشبه الجبهة المدنية لحمايتها من كل نزوع تسلطي وأعلنت يقظتها واستنفارها للدفاع عنها ضدّ أي انحراف.
لكن المبالغة التي لمسناها في ردود الريعيين الديمقراطيين الحقوقيين الاعلاميين من كل مواقعهم وباختلاف تمترساتهم، وسعيهم إلى اشاعة مناخ من الشك والريبة والاحباط في صفوف أبناء الشعب الذي احتفى بالقرارات وساندها، وركوبهم مركب معاندة الموجة الشعبية بالافراط في التحذير والتخويف والتشكيك حدّ الريبة وإعلان مراسم اللطميات والبكائيات المنافقة على "انتقال" لم يكن يوما ديمقراطيّا.
كلّ ذلك يجعلنا نتوقف ونرصد الظاهرة ونفكك شيفراتها ونميز يين قلة قليلة صادقة لكنها تعاني من كدمات نفسية سببت لها رهاب الدكتاتورية المزمن، وبين أغلبية نقصدها مباشرة واعية بمواقفها دقيقة في حسابات الربح والخسارة التي تخفيها، و مشدودة حد التورط من خلال شبكة مصالح وارتباطات وأدوار وترتيبات ما فوق وطنية اقليمية ودولي.
ولعل أكبر هواجسها الكامنة قطع الطريق عليها بانهاء "مقاولات الانتقال الديمقراطي" والتضييق على أرصدتها بإغلاق الكثير من "الفانات" المالية التي كانوا يتمعشون منها في الداخل وفي الخارج والتي راكموا من خلالها ثروات شخصيّة وحزبيّة طائلة على حساب الوطن والشعب.
بل لعلّي أكاد أجزم أنهم بتخوفاتهم وفزعهم المبالغ فيه يترجمون عن تخوفّ ورعب أعرافهم ومموّليهم ومشغّليهم غير المعلن والذي لن يتأخر في التعبير عن نفسه بمجرد انطلاق كرنفال المحاسبة بأشكال مختلفة لن توفر سلاحا لا تستعمله ونتمنى أن تكون قيادة الحركة التّصحيحية وحلفاؤها ومسانديها وخاصة شبابها وجماهيرها على قدر من الوعي بخطورتها.
* خليفة شوشان