وطني

فقدان مادة الحليب في تونس يعكس إنهيارا بطيئا لقطاع إنتاج الألبان

الشعب نيوز / كعب .  بدأت بوادر أزمة الحليب في البلاد في نهاية شهر أكتوبر 2022 الفائت، ولجأت الأسواق التجارية و الدكاكين إلى وضع لافتات كتب عليها "علبتان من الحليب لكل مواطن"، بينما بدأنا نشاهد صفوف من عشرات المواطنين بشكل شبه يومي أمام المحلات  لشراء الحليب.

وتستهلك السوق التونسية يوميّا مليونا و800 ألف لتر من الحليب، غير أن الإنتاج المحليّ لا يوفر سوى مليون ومئتي ألف لتر، فيما نفد المخزون الاستراتيجي في بلد يناهز عدد سكانه 12 مليون نسمة.

ويرجِع خبراء قطاع إنتاج الحليب أسباب الأزمة إلى عوامل من أبرزها ارتفاع أسعار الأعلاف التي أصبحت تثقل كاهل مربي الأبقار، فضلا عن تراجع كبير في عدد القطيع.

كان المزارع يشتري كيس العلف البالغ وزنه 50 كيلوغراما مقابل عشرة دنانير  منذ عشر سنوات، قبل أن يرتفع الثمن إلى 81 دينارا .

نتيجة ذلك، نقص العلف و تراجعت كميات الحليب التي تدرها البقرة لأنها لا تحصل على تغذية كاملة. كانت في السابق تدرّ في المتوسط 30 لترا من الحليب يوميا وانخفض المعدل إلى 12 لترا تقريبا ويتكبّد بذلك المزارع خسارة تقدر بثلاثين في المئة عن كلّ لتر حليب يبيعه لأحد المصنّعين الكبار في البلاد.

ولم يعد المزارعون يعتمدون بشكل حصري كما كان الأمر في السابق على المراعي الطبيعية بسبب تراجع كميات الأمطار نتيجة التغيرات المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على توفر العشب. وتشهد تونس موجة جفاف حادة منذ أشهر ولم تتجاوز نسبة امتلاء السدود عتبة 30 بالمئة، وفق اتحاد المزارعين.

ويشعر المزارعون ومربو الأبقار بإحباط نتيجة لذلك ولم يجدوا من حلّ أمام تفاقم خسائرهم سوى إنقاص عدد ماشيتهم، سواء ببيعها للجزارين أو إلى تجّار من الجزائر المجاورة.

ويقدّر اتحاد المزارعين تراجع قطعان أبقار الحليب في البلاد بنحو 30 بالمئة خلال العام 2022.

و لاشك أن  الأزمة ستتواصل ما لم تتخذ الحكومة إجراءات لوقف تدهور قطاع الألبان الذي حرصت الدولة على إقامته ودعمه بعد الاستقلال منذ نحو ستين عاما، وحققت فوائض في الكميات المنتجة في العامين 2014 و2016، ما سمح لها بتصدير الفائض.

وتعتبر السلطات التونسية أن نقص التزود مرده أساسا المضاربة في الأسواق. فقد اتهم الرئيس قيس سعيّد خلال زيارته لمصنع لإنتاج الألبان مطلع ديسمبر 2022 الفائت أن "المحتكرين" هم السبب الأساسي وراء ذلك.

واكتفت الحكومة بإقرار حذف الضرائب المفروضة على استيراد مسحوق الحليب المجفف في قانون المالية للعام 2023، واعتبر إتحاد المزارعين التونسييين أنه "كان من الأجدى توظيف الدعم المالي لدعم المنتجين المحليين".

والحليب واحد من مواد عدة شحيحة في السوق التونسية على غرار السكر والقهوة وزيت الطبخ والسميد. ويؤكد خبراء أن الحكومة التي تحتكر صلاحية استيراد المواد الغذائية الأساسية في البلاد، لا تملك السيولة الكافية من العملة الصعبة للاستيراد والدفع الفوري للمزودين.

وتأتي أزمة الحليب فيما يواجه الاقتصاد التونسي أزمة منذ العام 2011 اشتدّت في السنة الأخيرة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار المواد الأوليّة في السوق العالمية.

وتجري الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة ملياري دولار لسد عجز الموازنة، مقابل تنفيذ برنامج إصلاحات أساسه مراجعة سياسة دعم الغذاء والطاقة وخصخصة شركات عامة بشكل كامل أو جزئي.

تنفيذ / كعب .