وطني

حمدي مخلوف في رسالة مفتوحة الى الرئيس سعيد: " العودة الى " الا خلدي"  واتّخاذه نشيدا وطنيا رسميا خاصة بعد اللحظة التاريخية لـ 25 جويلية

وجه الدكتور حمدي مخلوف الفنان الموسيقي والأستاذ الجامعي اليوم 3 أوت رسالة مفتوحة الى الرئيس قيس سعيد طلب فيها العودة الى نشيد " ألا خلدي " كنشيد وطني رسمي بدلا عن نشيد " حماة الحمى المعتمد من نوفمبر 1987.
وشرح حمدي مخلوف المدير السابق لايام قرطاج الموسيقية أن نشيد " ألا خلدي " جاء نتيجة فتح الرئيس بورقيبة المجال إلى المبدعين التونسيين لتأليف نشيد وطني تونسي يليق بتونس المستقلة ويتغنى ببطولة التونسيين وذودهم عن وطنهم العزيز ضد الاستعمار والجهل والتخلف وحثّهم على البناء واكتساب العلم والمعرفة. 

في المقابل فان "حماة الحمى" هو من كلمات الشاعر المصري مصطفى صادق الرافعي  وقد مرّ بمراحل عديدة حتى بلغ صيغته الحالية "المشوّهة" بالنظر إلى كمّ التغييرات التي طرأت على النص من جهة ولكن أيضا بالنظر إلى المعاني الواردة فيه والتي لا تمتّ إلى الواقع التونسي بِصلةٍ. علما وانه وقع تلحينه   في أعقاب الثورة المصرية، وهو يتغنى بها وببطولات الشعب المصري وجيشه وبالصرح المصري.

وبين الاستذ مخلوف أن نشيد "ألا خلّدي"، من كلمات الشاعر التونسي الخالد جلال الدين النقاش وألحان الفنان التونسي الكبير صالح المهدي، وقد كان نشيدا موفقا إلى حدّ كبير شعرا ولحنا. وما كان إلغاؤه سنة 1987 إثر صعود الرئيس بن علي إلى الحكم إلا لسبب بسيط، وهو ذكر اسم الحبيب (بورڤيبة) في البيت القائل :
نخوض اللهيب • بروح الحبيب • زعيم الوطن 
وليس أسهل على الشعراء من استبدال هذا البيت (طبعا بعد إعلام عائلة النقاش من باب احترام حقوق التأليف) بكلمات نحافظ بها على نفس الروح ونفس الوزن، كأن نقول مثلا :
نخوض اللهيب • بروح الشهيد • فدا للوطن 
لنستدعي بذلك روح الشهادة في سبيل الوطن بما يجسّد الوطنية التونسية في كل زمان ومكان. 
 
وقال د حمدي مخلوف مخاطبا الرئيس : ان إرجاع نشيد "ألا خلّدي" واتّخاذه نشيدا وطنيا رسميا للجمهورية التونسية، وخاصة بعد اللحظة التاريخية لـ 25 جويلية 2021، ينضوي تحت راية الحفاظ على موروثنا الموسيقي التونسي وترسيخ هويّتنا في بلادنا وبين الأمم. بل هو واجب وطني من باب استعادة نشيد مميز وتونسي مئة بالمئة، يثير حميّة التونسيين ويقدح فيهم الحماس ومشاعر النخوة والاعتزاز بهذا الوطن الغالي

[تعميما للفائدة ننشر فيما يلي الرسالة كاملة مع مجموعة الروابط والصور  المرفقة بها]

إلى الرأي العام للنشر والتعميم.
تونس في 3 أوت 2021 
رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الجمهورية التونسية، الأستاذ قيس سعيد،
سيادة الرئيس،
بدايةً، يسعدني أن أعبّر لكم عن احترامي لما اتخذتموه من قرارات جريئة وقوية أثلجت صدر الشعب التونسي في هذا الوقت العصيب. كما أحيّي فيكم شجاعتكم وعزمكم اللامتناهي على محاربة الفساد والفاسدين بكل أطيافهم وعلى تطهير البلاد مما ينخرها دون هوادة منذ سنوات. 
في خضمّ تحرّككم المتماهي مع مطالب الشعب وتطلعات الثورة، أودّ أن ألفت نظركم إلى مسألة قد تبدو في ظاهرها دون أهمية ولكن لها من العمق الدلالي والهوياتي ما يكفي حتى تحظى بمرتبة محترمة في سلّم أوليّاتكم. 
يتعلق الأمر بالنشيد الوطني التونسي الحالي "حماة الحمى"، وهو نشيد من كلمات الشاعر المصري مصطفى صادق الرافعي (أُضيفَ إليه البيتان المشهوران لأبي القاسم الشابي) ومن ألحان الشاعر الغنائي التونسي أحمد خير الدين. لقد مرّ هذا النشيد بمراحل عديدة حتى بلغ صيغته الحالية "المشوّهة" بالنظر إلى كمّ التغييرات التي طرأت على النص من جهة ولكن أيضا بالنظر إلى المعاني الواردة فيه والتي لا تمتّ إلى الواقع التونسي بِصلةٍ. 
على المستوى التاريخي، وقع تلحين نشيد حماة الحمى (ويسمى أيضا بنشيد الثورة) في أعقاب الثورة المصرية، وهو يتغنى بها وببطولات الشعب المصري وجيشه وبالصرح المصري. ولعل أبرز ما يعلل ذلك هو قول: 
ورثنا سواعد باني الهرم -°- صخورا صخورا كهذا البناء
والتي حُرِّفت هكذا :
ورثنا السواعد بين الأمم -°- صخورا صخورا كهذا البِنا
وما القصد من هذا البناء سوى الهرم المذكور صراحة في صدر البيت الأصلي والذي يشير إلى عظمة الحضارة المصرية. 
أو كذلك في قول :
بحُرّ دمي وبما في يدي -°- أنا لبلادي وجيشي فدا 
فكما يبدو هنا، يتغنى البيت بالولاء للوطن وللجيش المصري الذي قام بالثورة آنذاك. ولا يخفى عليكم سيادة الرئيس بأن كلمة "جيشي" قد استُبدلت عديد المرات حسب التموقعات السياسية وأحيانا الايديولوجية. فقد استبدلها الحزب الحاكم في عهد الرئيس بورڨيبة بكلمة "حزبي"، واستبدلها القوميون بكلمة "شعبي"، طبعا في مسح لكلمة "جيش" واستبعادا لكل ما يمكن أن يشير إلى عسكرة الحياة السياسية في تونس. إلى أن وصل الأمر في عهد الرئيس بن علي إلى حذف المقطع الشعري بالكامل من النشيد الذي تبناه منذ سنة 1987. 
أما على المستوى الشكلي، فقد استُبدلت كلمة "مصر" بكلمة "تونس" في كل المواضع من النشيد. وقد خلَّف ذلك إخلالات عديدة بالوزن الشعري. مثال ذلك :
فلا عاش في تو(نِسْ) من خانها 
والحال أنها : ولا عاش في مصـ(ـرَ) منْ خانها 
هذا طبعا دون الحديث عن التحريف الباقي في النص شكلا ومضمونا. هذا وأُرفد رسالتي إليكم سيادة الرئيس بوثيقة مفصلة تأتي على كل التغييرات التي طرأت على نشيد "حماة الحمى". كما تجدون في هذا الرابط النسخة الأصلية للنشيد وبعض ما تقدم من إيضاحات.
https://youtu.be/cL2p0Dmjhl8 
سيادة الرئيس،
لقد قام الرئيس الحبيب بورقيبة إبّان قيام النظام الجمهوري بالبلاد التونسية بفتح المجال إلى المبدعين التونسيين لتأليف نشيد وطني تونسي يليق بتونس المستقلة وتونس المستقبل ويتغنى ببطولة التونسيين وذودهم عن وطنهم العزيز ضد الاستعمار والجهل والتخلف وحثّهم على البناء واكتساب العلم والمعرفة. ولعلكم تدركون تمام الإدراك بأن نشيد "ألا خلّدي"، من كلمات الشاعر التونسي الخالد جلال الدين النقاش وألحان الفنان التونسي الكبير صالح المهدي، قد كان نشيدا موفقا إلى حدّ كبير شعرا ولحنا. وما كان إلغاءه سنة 1987 إثر صعود الرئيس بن علي إلى الحكم إلا لسبب بسيط، وهو ذكر اسم الحبيب (بورڤيبة) في البيت القائل :
نخوض اللهيب • بروح الحبيب • زعيم الوطن 
وليس أسهل على الشعراء من استبدال هذا البيت (طبعا بعد إعلام عائلة النقاش من باب احترام حقوق التأليف) بكلمات نحافظ بها على نفس الروح ونفس الوزن، كأن نقول مثلا :
نخوض اللهيب • بروح الشهيد • فدا للوطن 
لنستدعي بذلك روح الشهادة في سبيل الوطن بما يجسّد الوطنية التونسية في كل زمان ومكان. 
سيادة الرئيس،
لا يخفى عليكم بأنّ إرجاع نشيد "ألا خلّدي" واتّخاذه نشيدا وطنيا رسميا للجمهورية التونسية، وخاصة بعد اللحظة التاريخية لـ 25 جويلية 2021، ينضوي تحت راية الحفاظ على موروثنا الموسيقي التونسي وترسيخ هويّتنا في بلادنا وبين الأمم. بل هو واجب وطني من باب استعادة نشيد مميز وتونسي مئة بالمئة، يثير حميّة التونسيين ويقدح فيهم الحماس ومشاعر النخوة والاعتزاز بهذا الوطن الغالي. فبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إلغاءه، نجد شبابا تونسيا لا يتذكره البتة، بل وجزءا كبيرا من هذا الشباب غير قادر حتى على أداء النشيد الحالي بما فيه من هنات. وهذا رابط فيه "تقرير" ساخر عن بعض مظاهر هذا الوضع : 
https://youtu.be/wiyL0E2qr8U 
كما أنه لا يخفى عليكم سيادة الرئيس وصول أداء نفس النشيد من قبل الجوقة العسكرية إلى أدنى مستوياته، مثلما يثبته هذا الفيديو في مقارنة ساخرة بين أداء الجوقة الإيطالية وأداء الجوقة التونسية الماثلة أمامكم :
https://youtu.be/N3uSEY0uQ2k 
وحيث أن هذه النتيجة الرديئة تنبع من تداعيات إهمال تعليم الآلات النحاسية بتونس وضعف الإقبال عليها، فلا خير هنا من إعطاء دفع هام لسلطة الإشراف وهياكلها لأجل تنظيم دورات تكوينية مكثفة في أداء الموسيقات العسكرية والنحاسية حتى نتمكن من خلق جيل من الموسيقيين والمؤدين المقتدرين القادرين على تشريف تونس بأدائهم لنشيدهم في أحسن صورة، ولكن أيضا لأداء أناشيد الدول الأخرى أمام ضيوفكم من الرؤساء والبعثات الرسمية. 
سيادة الرئيس،
يتميز نشيد "ألا خلّدي"، بخلاف كونه إبداعا تونسيا صرفا، بتعبيره عن القضايا التونسية بدءا من قضية الاستقلال والتي تخلد لذكرى الدماء التي سالت في سبيل وطننا العزيز، ومرورا بقضية الديمقراطية وحكم الشعب بنفسه لنفسه ووصولا إلى ضررورة البناء المتواصل وحث الهمم والعزائم عليه. فليس أبلغ من هذه المعاني التي يعبّر اللحن عنها بتلوينات نغمية ثرية ومعبرة وذات نفس تونسي جلي (على عكس الجملتين اللحنيتين الفقيرتين في نشيد "حماة الحمى"). وهذا هو رابط نشيد "ألا خلدي" بأداء وتوزيع مميزَين.
https://youtu.be/mhDDbGWR4iA 
سيادة الرئيس،
يحدوني أمل بأن تلقى رسالتي هذه كل الصدى لديكم. فقد يبدأ تغيير واقع التونسيين نحو الأفضل بتغيير رموزهم وما يعبّر عنهم نحو الأحسن. ولا شك في أن النشيد الرسمي للجمهورية التونسية لخير ما يرمز لنا ولوحدة صفنا حول رايتنا الشماء. 
وفّقكم الله لما هو خير لتونس
والسلام 
د. حمدي مخلوف
فنان تونسي وأستاذ جامعي