آراء حرة

الدجاجة والموز: لعبة التغطية والتعرية..

  يروى عن الأولين أنه تم حصار مدينة حصارا قاتلا جاع فيه الناس وتمكن منهم حتى كاد يقتلهم وكادت مدينتهم تسقط بلا حرب. وكان الجيش الذي يحاصرها منذ شهور ينتظر استسلامها بسبب ما سيصيب الناس فيها من جوع.  

عمد سلطان المدينة إلى حيلة إطعام دجاجة (أو إوزة) وحشوها حشوا بالقمح والشعير ثم ألقاها أعوانه من على السور ليتلقفها الجيش الذي يحاصر المدينة.. وحين اطلع القادة على بطن الدجاجة ووجدوا فيها هذا الكم الهائل من الحبوب تأكدت عندهم قدرة المدينة على الصمود والاستمرار فيه لسنوات قادمة وان الحصار لن يحقق غرضه والحال أن الدجاج في المدينة مصاب بتخمة الأكل فما بالك بالسكان هناك... فلو كان قد أصابهم مكروه من الحصار لما اطعموا دجاجهم بهذه الطريقة السخية.. قرروا حينها الرحيل عن المدينة وفك الحصار من حولها...

إن ما يحدث عندنا منذ شهر حول "الموز" من ضجة عند فئة من الناس وفي وسائل الإعلام وفي صفحات التواصل الاجتماعي وفي تصريحات المسؤولين الكبار يوهم بأن أزمة الاستهلاك في بلادنا هي "أزمة موز" كما لو كان الشعب التونسي قد استوفى حاجياته الأساسية كلها وأن مائدته مزدحمة وتتوفر على ما فاق الحاجة ولا ينقصها إلا الموز..

لقد غطت أزمة الموز على الأزمة الفعلية التي تعيشها الأغلبية، أزمة السياسات الهيكلية التي أدت إلى نقص بعض المواد وارتفاع أسعار بعضها الآخر وكلها مواد أساسية وأولية وضرورية لحياة الناس...

إن دعوات مقاطعة الموز لارتفاع سعره توهم بأن مشكلة التونسي لا تتعلق بأسباب الحياة وشروطها الدنيا بل بأسباب التخمة ورفاه الحياة .. كما لو كان في مستطاع التونسي أن يقتني بسهولة اللحوم والدجاج والأسماك والفلفل والطماطم والفقوس والبرتقال والإجاص والتفاح والبصل والثوم والجلبانة والبطاطا والقهوة والسكر والزيوت واللوز وسائر الفواكه والدواء والمحروقات وغيرها من المواد ولم يبق غير الموز خارج قدرته.

لكن الموز عاجز إلى حد الآن على ما نجحت فيه الدجاجة لأن الحال ليس الحال وسياسة الإيهام والتغطية يمكن اعتمادها لكن لا ينتظر منها أن تحقق ما سبق أن حققته في الماضي وأن وسائل التعرية اليوم لا تقل فاعلية عن وسائل التغطية.. لقد مست السياسات المعتمدة قوت الناس وكل شروط حياتهم اليومية البسيطة وتبقى ”ازمة الموز" أزمة مفتعلة لا يهتم لها عموم الناس مهما كانت قدرتها على التغطية والتضليل ولن يغتر الناس اليوم كما اغتر آخرون ببطن الدجاجة المحشوة بالحبوب.

-عادل حداد-