وثائقي

محاكمات النقابيين/ سوسة 049 : محام يسأل كيف لمتهمين ان يحرضوا الناس على الاقتتال وهم محاصرون داخل الاتحاد

 في هذه الحلقة من مرافعات المحامين دفاعا عن النقابيين المتهمين بالمسؤولية عن احداث 26 جانفي 1978 بسوسة انبرى المحامي الاستاذ الهادي بوفارس يفكك التهم ويدحضها واحدة واحدة مستندا في تحليله الى قراءة علمية وعملية للاحداث. 
من حيث الاجراءات هناك جانبان لابد من الوقوف عليهما: 
1) بالنسبة للمحجوز يمكن لنا الا ان نلاحظ ان الاجراءات القانونية المتعلقة بالحجز وقع خرقها بصورة تتنافى ومصلحة المتهمين الشرعية فالمحجوز لم يقع عرضه عليهم بل وقع عرض بعض الصور فقط وهذا خرق لمقتضيات الفصل 76 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي يوجب على حاكم التحقيق عرض المحجوز على المتهمين  ليصرحوا هل انهم يعترفون به وليلاحظوا بشأنه ما يرونه مفيدا.
اما المخالفة الثانية والمتعلقة بالمحجوز فهي تتعلق بختم المحجوز بحضور المتهمين وبيان تاريخ الحجز بالمحضر فهذه الاجراءات التي بينها المشرع لضمان حقوق المتهم الشرعية لم تقع مراعاتها في قضية الحال فالمحجوز لم يقع ختمه بالمرة وقد صرح المنوبون امام المحكمة انهم ينكرون بعض المحجوز كالمسدسات.
ولم يقف خرق القانون عند هذا الحد اذ أن محضر الحجز الممضى من طرف حاكم التحقيق مؤرخ في يوم 20 جوان 1978 اي بعد 5 اشهر من ايقاف المتهمين ولم يذكر مكان الحجز ونظرا لكل هذه الاعتبارات فان عدم احترام الاجراءات الاساسية المتعلقة بمصلحة المتهمين الشرعية يترتب عنه بطلان  اجراءات المحجوز الذي لا يمكن ان تعتمد عليه محكمتكم الموقرة خصوصا فيما يتعلق بالمسدسات وهذا البطلان نص عليه الفصل 199 من مجلة الاجراءات الجزائية في خصوص كل الاعمال والاحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام او للقواعد الاجرائية الاساسية او لمصلحة المتهم الشرعية وليس من شك في ان المحكمة تعلم ان مخالفة القانون بصخوص اجراءات الحجز ينتج عنها ضرر للمتهمين ومس بحقوقهم الشرعية.
2) اما بالنسبة لقضية التعذيب لدى الباحث الابتدائي حيث ان المتهمين صرحو ا بانهم تعرضوا للتعذيب ومنهم خاصة منوبي محسن الشاوش الذي طالبت بعرضه على الفحص الطبي لاثبات الاكراه، ولذلك لابد من الغاء ابحاث الشرطة حتى تعتمد المحكمة على الاستنطاق الذي وقع امامها فقط.
اما فيما يتعلق بنصوص الاحالة فيمكن التعرض اليها على النحو  التالي:
جريمة الفصل 72 من القانون الجنائي: ان الملاحظة الاولى المتعلقة بهذا الفصل هي ان قرار دائرة الاتهام لم يحل المتهمين من اجل جريمة الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة التي حفظت في شانهم فبالرغم من انه حسب المبادئ الاصولية للاجراءات، تتعهد المحكمة بالافعال ولا بالتكييف القانوني الا ان المحكمة لا يمكنها تطبيق الفقرة الاولى من الفصل 72 ما دامت لم توجه هي لهم هذه التهمة حتى يتمكن المتهمون من الدفاع عن انفسهم في هذا الخصوص. وفي صورة عدم مراعاة هذه الشكلية فان المحكمة مقيدة بقرار الاحالة الذي حفظ التتبع في هذه الجريمة ولا يمكنها ان تقر مبدا الادانة على معنى الفقرة الاولى من الفصل 72 خصوصا وان المتهم لم يمكّن من الدفاع عن نفسه بخصوص تلك التهمة لذلك لا ارى موجبا لمناقشة التهمة المتعلقة بالاعتداء المقصود به تغيير هيئة الدولة.
اما من التهمة الثانية الواردة بالفصل 72 من القانون الجنائي وهي الاعتداء المقصود به حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح فهي غير متوفرة الاركان في قضية الحال اذ المقصود بهذه الجريمة هو اشعال نار الحرب الاهلية بالبلاد فهل في ما قام به الموقوفون ما يدل على انهم قاموا باي فعل من شأنه حث الناس على حمل السلاح والتقاتل والزج بالبلاد في اتون الحرب الاهلية؟
اعتقد جازما ان الاتحاد لم يتجاوز العمل  في نطاق الشرعية وان النيابة المحترمة لم تقدم اي دليل على وجود هذه النوايا الاجرامية لدى المنوبين فقد كان المتهمون يطالبون بتطبيق العقود المشتركة والقوانين الاساسية وحماية المقدرة الشرائية للعمال وللشعب بصفة عامة وقد الغيت بعض الاضرابات عندما وقعت تلبية تلك المطالب وجريدة الشعب لسان الاتحاد ليس بها مقالات تحث على التسلح او التقاتل بل كلها توصي بعدم التصادم مع السلطة  ومن يمثلها.
وهنا لابد من الرجوع الى وقائع القضية والاشارة الى انه رغم العديد من الاستفزازات التي تعرض لها النقابيون  ومنها محاولة اغتيال الامين العام والاعتداءات التي تعرضت لها دور الاتحاد رالعام التونسي للشغل بقفصة وتوزر والقيروان وزغوان وسوسة، ورغم ان الشكايات العديدة التي تقدم بها النقابيون لفتح ابحاث تكشف عن المجرمين فان ذلك لم يتم مما حدا بالنقابات الاجنبية ومنها النقابات الامريكية بتوجيه برقية الى رئيس الدولة توصي بحماية دور الاتحاد.
ورغم كل تلك الظروف الصعبة جدا لم يدع الاتحاد الى العنف بل قرر اضرابا عاما انذاريا وسلميا لانه لم يعد بالامكان ممارسة الحريات النقابية والمطالبة بتحسين الحالة المادية للعمال بل يمكن القول بان الوجود المادي للنقابة اصبح في خطر نظرا للاعتداءات المتكررة على دور الاتحاد وكان من الطبيعي ان يقوم المتهمون الماثلون هنا بحماية مكاسب دار الاتحاد وحراستها من كل معتد مدني فالمتهمون كلهم وقع ايقافهم اثر اضراب 26 جانفي بدار الاتحاد فهم لم يغادروها ولا دعوا المواطنين الى الحرب الاهلية والي حمل السلاح والتقاتل بل اكتفوا بالمرابطة بدار الاتحاد لحراستها وهذا الموقف ليس من شأنه تكوين اية جريمة وبالخصوص جريمة الفصل 72 من القانون الجنائي بل ان كل المسؤولين النقابيين كانوا يوصون بعدم التعرض لرجال الامن والجيش يوم اضراب 26 جانفي ومما يؤكد ذلك انهم لم يصطدموا برجال الامن عندما طلب منهم ان يستسلموا فاستسلموا من اول نداء ودون اية مقاومة.... وهكذا يتضح ان المتهمين ليس لهم اية نية للتعاطي او التعرض  لرجال الامن او الجيش الذين يمثلون النظام.
٭ جريمة الفصل 74 من القانون الجنائي: لم يقم المتهمون باي عمل يقع تحت طائلة هذا الفصل فلا الركن الاول المتمثل في جمع ومد الناس بالاسلحة ولا الركن الثاني المتمثل في القصد من هذا التسلح (وهو نهب اموال الدولة او الافراد الناس) متوفر في قضية الحال.
وفي خصوص الركن الاول يمكن لنا ان نلاحظ ان الاتحاد الجهوي بسوسة لم يقم بتسليح المتظاهرين اثناء اضرابات يوم 26 جانفي وقد قالت العدالة كلمتها في المضربين ونحن نستغرب من ملفات احداث 9 نوفمبر و26 جانفي التي اتصل بها القضاء الى ملف هذه القضية فالاتحاد والمسؤولون النقابيون لم يكونوا مسؤولين عما قامت به جماعة لا مسؤولة نالت جزاءها اما اذا كان القصد هو اقامة الدليل على ان الاتحاد هو الذي سلح الناس بقصد النهب والتخريب فهذا مردود اذ لم يصرح احد من الذين وقعت محاكمتهم اثر الاحداث ان الاتحاد او المسؤولين عنه حرّضهم على حمل السلاح او مدهم بالسلاح بغاية النهب فلو كان الامر كذلك  لوقع الالتجاء الى شهادات الاشخاص الذين سلط عليهم العقاب؟ الجواب هو انه لا وجود لشهادات من هذا القبيل والاتحاد براء من التهم المنسوبة اليه.
كذلك الشأن بالنسبة للركن الثاني لجريمة الفصل 74 فيمكن اعادة نفس التساؤلات ولا دليل يثبتها فالاتحاد الذي ساهم في تحرير البلاد وتركيز الدولة وفي النهوض باقتصاد البلاد لم تكن له في أي وقت من الاوقات نوايا تخريبية بتسليح الناس بقصد النهب والتخريب وهذه التهمة غير ثابتة ولا تقوم على اي اساس.
٭ جريمة الفصل 79 من المجلة الجنائية: عندما نتعرض لاركان هذه الجريمة سنجدها ايضا غير متوفرة فهذا النص يستوجب لتطبيقه وجود جموع بالطريق العام من شأنها تحيير الراحة العامة وهذا الركن غير متوفر بدليل ان المتهمين لم يغادروا مقر الاتحاد ولم يتظاهروا او يقوموا باي عمل.
اما الركن الثاني والمتمثل في القصد من التجمع وهو القيام بجريمة غير متوفر فالمنوبون مرابطون بدار الاتحاد لحمايتها من اعتداء محتمل خصوصا وقد سبق الاعتداء على مقر الاتحاد بدون ان يقع بحث جدي عن المعتدين فحراسة دار الاتحاد والمرابطة بها لا تشكل جريمة في نظر القانون حتى ولو كانوا مسلحين بعصى او حجارة اذ ان تلك الادوات لا تعتبر اسلحة ما دامت لم تستعمل فقد استسلم المتهمون للشرطة التي طلبت منهم ذلك بدون اية مقاومة نظرا لانه ليست لهم اية نوايا اجرامية او عصيان لمن يمثل السلطة الحاكمة.
٭ وبذلك فحتى الفصول من 116 الى 119 من القانون الجنائي لا يمكن ان تنطبق اذ لا بد من وجود عصيان محتمل متمثل في التعدي بالعنف او التهديد به للتعاصي على موظف حال مباشرته لوظيفته بالوجه القانوني (الفصل 116 والفصل 117 بحدّد عقاب العصيان الواقع بسلاح ودون سلاح والفصل 118 يعطي تعريفا للسلاح على معنى الفصول المتقدمة والفصل 119 يعاقب كل انسان يشارك في عصيان بسلاح او بدونه وفي اثنائه اعتدي على موظف حال مباشرته لوظيفته) فكل هذه النصوص غير منطقية بدليل انه لا وجود لاي عصيان من طرف المتهمين وبدليل ان هؤلاء استسلموا للشرطة بدون مقاومة عند اول نداء بالاستسلام بعد الحصار المفروض على دار الاتحاد.
٭ وفي خصوص الفصلين 42 و43 من مجلة الصحافة من ان كل من يحرض مباشرة بوسيلة من الوسائل المبينة بالفصل 42 سواء على السرقة او النهب او الحريق يعاقب وتنطبق هذه الاحكام ايضا على كل من يحرض بالوسائل المذكورة على ارتكاب احدى الجرائم ضد امن الدولة الداخلي المنصوص عليها بالفصول 63 و64 و67 الى 80 من المجلة الجنائية.
ومن جهة اخرى فان النيابة لم تقدم لنا عينات من الخطب التي دارت داخل دار الاتحاد التي كانت محاصرة من طرف الجيش والتي يمكن ان يستنتج منها (حسب النيابة) ان المتواجدين بدار الاتحاد كانوا يحثون الناس على التقاتل والحرب الاهلية والنهب والسرقة وقد صرح المتهمون ان المتكلمين بمضخم الصوت استعرضوا الوضع الخطير اذ وقع قطع الماء والنور الكهربائي والهاتف على دار الاتحاد من طرف اياد خارجية ووقع التفوه بعبارات (يحيى الشعب ويحيى الاتحاد) فمتى كان مثل هذا الصنيع يشكل الجرائم  المنصوص عليها بقانون الصحافة والتي ترتكب باستعمال احدى وسائل الصحافة.
٭ اما الفصل 31 من قانون جانفي 69 المتعلق بالتجمهر بالطريق العام فهو يعاقب كل تحريض مباشر على التجمهر المسلح او غير المسلح سواء كان ذلك بخطب تلقى عموما او بكتائب او مطبوعات تعلق وتوزع فاركان هذه الجريمة غير متوفرة ايضا في قضية الحال.
ـ فبالنسبة للركن الاول اي التحريض المباشر على التجمهر المسلح او غير المسلح ولنفرض جدلا انه وقع تكليف من يوزع المنشور المتعلق بالاعلام بالاضراب العام فهذا المنشور لا يدعو مباشرة بالطريق العام والنص صريح في وجوب توفر شرط المباشرة.
ــ واما الثاني اي الوسائل (المناشير والخطب وغيرها) فالنيابة لم تقدم اي دليل على ان الذين تولوا الخطب بدار الاتحاد عندما كانت محاصرة من طرف الجيش كانوا يحرضون الناس على التجمهر بالطريق العام والتسليح كيف ذلك والاتحاد محاصر والمتهمون لا يمكنهم ايصال اصواتهم الى الناس من داخل دار الاتحاد فالتهمة ليس لها اي اساس ترتكز عليه.
٭ جريمة مسك مستودع من الاسلحة والذخيرة: نلاحظ هنا ان الركن الاول للجريمة غير متوفر وهو مسك اكثر من 3 اسلحة وقد حدد الفصل الاول من قانون 12 جوان 69 تعريف الاسلحة فبخصوص الاسلحة النارية صرح المتهمون ان المسدس اخذ  يوم 7 فيفري واضيف للمحجوز بصفة غير قانونية هذا عدا الملاحظات التي ركزنا عليها بخصوص عدم حجية المحجوز بعدم مراعاة الصيغ القانونية في شأنه وقد لاحظنا في تقرير الشرطة في قائمة المحجوز انه لم يعثر على اي سلاح ناري يوم 26 جانفي مساء اي بعد اخلاء دار الاتحاد ووقع العثور بعد ذلك يوم 27 على مسدس ويوم 28 على مسدس آخر ،  وبذلك كان عدد المسدسات الى يوم 28 جانفي ثلاثة اي ان النصاب القانوني لانطباق الفصل 20 غير متوفر اذ لا يعتبر مستودعا للاسلحة الا مسك اكثر من 3 اسلحة دون رخصة هذا عدا ان مسدسا كان مفككا اصبح مركبا عندما اوتي به للجلسة ويظهر المسدس المفكك بالصورة التي عرضت على المتهم الحبيب بن عاشور كما لاحظ عبد الحميد فرحات انه وجد مسدسا و(منقلة) اثر هجوم 26 جانفي وقد تعرف على المعتدين الذين تركوه وتقدم بشكاية الى رئيس مركز الامن بسوسة الشمالية وقد طلب احد الزملاء ان يقع سماع شهادة رئيس مركز الشرطة المذكور والمعتدين الذين اعطيت هوياتهم الى الشرطة..
اما بخصوص السيوف فقد لاحظ بن عاشور انها ليست ملكا لدار الاتحاد بل هي على ملك اللجنة الثقافية بسوسة وتستعمل للتمثيل كما طالب بسماع شهادة رئيس اللجنة الثقافية عبد الحفيظ بوراوي وفيما يخص بقية المحجوز فهو ليس بسلاح على معنى الفصل 1 من قانون 12 جوان 69 ولا الفصل 118 من المجلة الجنائية ويتمثل المحجوز في بقايا كراسي وطاولات مهشمة اثر هجوم 20 جانفي وكمية من الاجر موجودة بسبب اشغال بناء بدار الاتحاد وصندوق قوارير جافال وماء فرق تستعمل للتنظيف وقد جيء بها مع جملة المحجوز مغلقة مما يدل على ان المتهمين لم يكونوا ينوون استعمالها لاحداث اضرار باي كان ولو كان في نيتهم استعمالها لغرض اخر لكانوا اتلفوها قبل استسلامهم للشرطة ولكنهم مواطنون صالحون حافظوا  على ممتلكات الاتحاد ولم يتلفوها.
بقيت حكاية المفرقعات فهي من صنع خيال الباحث الابتدائي الذي تفنن في توزيع الادوار وقد صرح المتهمون انهم لا يتعرفون على القوارير التي عرضت عليهم بدعوى انها مفرقعات واكتفى المتهم عبد العزيز بن عائشة بذكر انه راى بعض القوارير بها رائحة بنزين ولكنها ليست المعروضة عليه «لا شكلا ولا مضمونا اذ هي قوارير خضراء تشبه قواريرالجعة، ولا يمكن اذن الاعتماد على اي شيء لاثبات صنع المتفجرات خصوصا وقد سبق ان اشرنا الى العنف الذي تعرض له المتهمون لدى الباحث الابتدائي.
أمّا مسألة القائمة التي قدمت لاثبات انه وقع رصد مكافئات تشجيعية للمساهمين في انجاح اضراب 9 نوفمبر فهذه القائمة ليست مكتوبة من طرف بن عاشور الذي قدم للكاتب مسودة دون عنوان وقد كتب العنوان صالح الفريقي الذي مازال الى الان يتولى مسؤولية نقابية وقد طالب المنوب بن عاشور باحضار المسودة وصرح ان الاموال قدمت بعنوان اعانة بمناسبة عيد الاضحى لبعض العملة المعوزين.
واختتم الاستاذ بوفارس قائلا:
اذن ماذا بقي من جملة التهم المنسوبة للمنوبين؟ لا شي فهم لم يقوموا باي عمل مخالف للقانون لذلك اطلب الحكم لهم بالبراءة.