" اضراب 5 أوت: صفحة تاريخية من نضال الشغالين ضد الرأسمال الاستعماري المستثمر " بقلم فرحات حشاد
" لقد شرع الاتحاد العام في تنفيذ قرار الاضراب العام حسب مقررات اللجنة العليا و الهيئة الإدارية و قد كان ذلك الاضراب رهيبا و لم يسبق له نظير في حياة بلادنا الاجتماعية في نظامه و هدوئه و أهميته و امتثال القائمين به للأوامر القاضية بالمحافظة على الهدوء التام أمام الهجمات العديدة المتنوعة. و قد تعطلت الأعمال و توقف سير الحركة في جميع النواحي و كان أمر الاتحاد مطاعا و جنوده البواسل يفرضون احترام منظمتهم العتيدة و ذلك لا بوسائل العنف و لا باستعمال القوة الفاحشة مثل ما إدعي بعضهم و لكن برصانتهم و ثباتهم و تفهمهم لواجباتهم و غيرتهم على مشروعهم المفدي فكان النجاح حليفهم و الشعب بأجمعه يرمقهم بعين العطف و التشجيع لما يعهد في منظمتهم الاتحاد من المثابرة على المصالح العمومية و الدفاع المستميت على الحق ضد الاستبداد و العدالة ضد الظلم فلم يرق ذلك السادة المستثمرين الذين رأوا في نجاح إضراب الاتحاد خطرا عظيما على كيانهم و على مكانتهم التي امتازت باحتكار الثروات و توفير الأرباح الغير المشروعة على كاهل الطبقة العاملة بل على كاهل الشعب التونسي بأجمعه.
و لم يرق ذلك أيضا المنظمة النقابية الأخرى التي تدعي أنها تدافع عن الطبقة العاملة و التي إظهرت في هاته المناسبة و في هاته الظروف الخاصة ما تضمره من سوء إلى العملة و إلى منظمتهم الوحيدة التي وقفت وقفة الأسد في وجه الاستعمار الرأسمالي و لم يكن موقف منظمة الوستيتي ( USTT ) موقف المنظمة المزاحم فحسب بل كان موقفها موقف العداوة التامة قبل الاضراب و بعده و خاصة بعد الكارثة المؤلمة التي ابتليت بها مدينة صفاقس التي كانت الوستيتي ( USTT ) منبع البلاء فكانت نتيجة هذه العداوة الراسمالية أن تحركت القوات المسلحة تزهق الأرواح البريئة و تفتك بالنفوس النبيلة و تريق الدماء الطاهرة الزكية ، كل ذلك بدون أن يصدر عن إخواننا المصابين ما يبرر هذا الهجوم الحربي الشنيع.
وقد تناولت الصحف هذه القضية العظمى و نشرت البيانات المفصلة ليكون للراي العام الحكم الأعدل في هذا الحادث المريع و سيجد القارئ الكريم بجريدتنا هذه تفاصيل أخرى تجعله مطلعا كما يجب على أسبابها ولقد ظنت الشركات الاستعمارية المستثمرة أنها بهاته الفضيحة ستقضي على معنويات العمال و ستنال منهم و من شجاعتهم مما يجعلها في مأمن من مطالبتهم إياها في المستقبل بتحسين حالهم.ظنت أنها بهاته المجزرة الشنيعة و بالتهم المشينة ستقضي على منظمتهم النقابية العظيمة و تفوز بالاطمئنان من الخطر الداهم الذي يحيط بها منذ أخذت حركتنا النقابية القومية تعمل جديا في تطبيق برنامج سيرها للنهوض الاجتماعي ببلادنا.
و ظنت المنظمة النقابية الأخرى أنها ستبقى وحدها في هاته الديار و يصفى لها الجو فتبيض و تفرخ مثل ما استتب لها الأمر عندما وقع القضاء على حركة محمد علي و على الجامعة التونسية للشغل ظنوا كلهم .... و لكن ذهبت أحلامهم أرادوا القضاء على الاتحاد لكن ... لم يمت الاتحاد بل أصبح بعد هذه المعمعة أقوى مما قبلها يصرخ فتدوي لصرخاته الجبال ...
خرج الاتحاد من هذه المعركة منتصرا ظافرا يستمد من أرواح شهدائه و ضحاياه قوة متجددة تجعله ينظر إلى المستقبل بعين الرجل المؤمن بنجاح قضيته و الواصل لا محالة لغاياته فمهلا أيتها الشركات الظالمة المستبدة و مهلا أيتها المنظمة البغيضة ( USTT ) فقد خابت آمالكم و ذهبت مساعيكم الشيطانية أدراج الرياح.
فالاتحاد لا زال هو هو و أنصاره لم يزالوا في ازدياد و الشعب كله لم يزل مؤيدا له و الله من فوق الجميع يحميه و يرعاه."
فرحات حشاد ... 15 أوت 1947.
المصدر: كتاب سالم المنصوري : رسالة الاتحاد العام التونسي للشغل...
من مدونة الاخ عبدالخاق قفراش، الكاتب العام المساعد سابقا للجامعة العامة للكهرباء والغاز.