... رسالة وبعد
الشعب نيوز / محمد حليم- نقابي - تنوّعت الرّسائل وتعدّدت وتغيّرت مقاصدها وأهدافها وعناوينها عبر العصور والأزمنة لكنّ الرّسالة التي تبعث بها وزارة التّربية إلى كلّ مدرّسة ومدرّس في التّعليم الأساسي كان قد احتجّ مدافعا عن مطالبه المشروعة فَحَجَبَ الأعداد على إداراتها لا على التّلاميذ وأولياء أمورهم كانت من الحداثة والإبداع بمكان لما تضمّنته من إجراءات وعقوبات وهرسلة وتجويع .
سحب للإدارات وحجز للمرتّبات مازال متواصلا إلى الآن رغم رفع الحجب وذلك في سابقة لم يعرف لها تاريخ التحرّكات الإحتجاجيّة في العالم مثيلا.
رسالة مدجّجة بمعاني في صيغة غلب عليها الإنتقام والتشفّي وغاب عنها السّعي إلى إيجاد الحلول .
لعلّ فحواها لا يعدو أن يكون بلاغا لمن يهمّهم الأمر انّ كلّ من حجب الأعداد في التّعليم الأساسي يعتبر "مارقا" وجب القصاص منه بمعنى ليس من حقّه رفض ما اقترحته عليه بل كان من واجبه الإمتثال لأوامرها في انتظار أن تمنّ عليه جلالتها بما تراه مناسبا من حيث القيمة الماليّة والتّوقيت وإلّا... وحسب بلاغاتها تعلم الوزارة أنّ غايتها هي الدّفاع عن أبناء الشّعب !!!! ونِعْمَ الغاية ! قد يقبل هذه الحجّة غريب على الدّيار .
أمّا من يعانق المدرسة يوميّا ومن يرافق ابنه أو ابنته إليها صباحا ومساء فيسأل صاحب الرّسالة : وأين غاية الوزارة للدّفاع على نفس هؤلاء التّلاميذ وهم يدرسون في مدارس تفتقر إلى ابسط المرافق ؟ وهل أنّ الظروف التّعيسة التي يعمل فيها من يدرّسون نفس هؤلاء التلاميذ من اهتراء للبنية التّحتيّة وغياب للوسائل التّعليميّة وانعدام للمرافق الصحيّة ولأعوان التّنظيف هذا في المدن فما بالك في الأرياف ناهيك عن عدم ملاءمة البرامج للواقع المعيش وضحالة مستوى الكتب المدرسيّة وقلّة الموارد المالية للصّيانة هل أنّها ليست من اهدافكم ولا تعنيكم ولا يشملها دفاعكم أو لعلّها خارج نطاق خدمتكم؟.
أمّا عن أجور هؤلاء الذين يحملون على عاتقهم تكوين نفس هؤلاء التلاميذ الذين تقولون انكم تدافعون عنهم ويغرسون فيهم الوطنيّة والقيم رغم تدنّي وضعهم المادي والمعنوي أليست من مشمولاتكم ؟ أفلا تنعكس سلبا على آدائهم ؟ يعلم القاصي والدّاني أنّ المدرّسات والمدرّسين هم الذين يعانون ويربّون ويعلّمون ويثقّفون ويسهرون لأعداد الدّروس والإختبارات والتّقييمات ويتكبّدون كل الصّعاب وليست الوزارة وحاشيتها.
فإذا كانت الوزارة ممعنة في مواصلة التّنكيل بهم فلتعلم أنّ النّتيجة لن تكون إلّا كارثية لا على التّلاميذ ومستقبلهم فحسب بل على المجتمع بأسره. هل تساءلت الوزارة كيف ستكون العودة المدرسية لمن حرمتهم من مرتّباتهم ؟ وكيف سيكون أداؤهم طيلة السنة الدراسية المقبلة ؟ وبأيّ ضمير سينطلقون للعمل ؟ وهل تتصوّر كيف ستكون النّتائج ؟ وهل إنّ الإنتقام هو الهدف ام الوصول إلى حلّ مقنع ومَرْضي ؟ فالحلول الزّجريّة قد تظهر في حينها مجديّة لكنّ عواقبها لن تكون إلّا كارثيّة .
الحلّ يكمن فقط في احترام مدرّساتنا ومدرّسينا وذلك بإعطاء الحقّ لأصحابه عبر الجلوس على طاولة الحوار وبالتّفاوض الجدّي والبنّاء مع الطّرف الإجتماعي الممثّل الشّرعي لهم.
المسألة اجتماعيّة وليست شخصيّة ولا يمكن أن تكون القوّة هي الحلّ بل الإرادة والحكمة وإعطاء المكانة اللّازمة لهذه الشريحة هؤلاء الذين لا يمكن لأحد أن ينكر فضلهم.
إنّ من يعتبر المسألة شخصيّة لا يمكن أن يكون مسؤولا لأنّ المسؤوليّة تقتضي إيجاد الحلول لا تعقيد الأمور لأنّ إيجاد الحلول ليس ضعفا بل ينمّ عن تجربة وحنكة ودراية وفطنة واستقراء للمستقبل يكون التّعامل فيه أسمى والعطاء أغزر والنّتائج أجود والإستقرار أفضل.