تونس وإيطاليا على صفيح الهجرة والوعود
الشعب نيوز / صبري الرابحي - كم كان الحلم متيناً أكثر من قوارب مهترئة تصارع أمواجاً وأوطاناً ترفضك كم كان الأمل في النجاة أكبر من الصدّ والرفض وعنصرية البعض.
لكن وبعد ساعات من الإنتظار والترقب والخوف قد تلوح اليابسة وقد تتنازع الجيولوجيا مع السياسة والمصالح لترسم رمالاً متحركة قد تبتلع البعض وتلفظ البعض ويثبت فوقها أصحاب حظّ السيدة العجوز فتبدأ الرحلة من حيث ينتهي الألم.
عاد ملف الهجرة غير النظامية ليطفو على الساحة مجدداً في تونس حيث نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية يوم الثلاثاء الماضي 29 أوت 2023 منشورين تعلقا بالنشاط الرئاسي حيث أجرى قيس سعيد مكالمة هاتفية جمعته برئيسة الوزراء جورجيا ميلوني وجمعهم في نفس اليوم لقاءًا بمانفريد فيبر رئيس كتلة الحزب الشعبي بالبرلمان الأوروبي.
* المحادثة مع جورجيا ميلوني
تتابعت خلال المدة الفارطة الزيارات الدورية لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي قادت منذ شهر ماي الفارط مفاوضات تونس مع الإتحاد الأوروبي حول مسألة الهجرة غير النظامية.
وقد تم تتويج هذه الزيارات بإمضاء مذكرة التفاهم المثيرة للجدل والتي أثارت عديد ردود الأفعال في الساحة السياسية التونسية فيما إعتبره عدد من مكونات المجتمع المدني إلزاماً لتونس بحراسة المتوسط مقابل وعوداً لن تتحقق.
خلال هذه المكالمة حسب نص المنشور أكد الجانبين على ضرورة التنسيق المشترك خاصة في ظل التدفق "المستمر" للمهاجرين غير النظاميين وهي مسألة يمكن تفسيرها بأسباب موضوعية تتعلق بالوضع الإقتصادي والإجتماعي بدول الهجرة إضافة إلى لجوء المهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء إلى مغادرة تونس ضمن مخططهم الأولي المتعلق بمجرد العبور وهو ما يكسر مجدداً سردية التوطين أو الإستيطان التي تم تداولها في الأوساط الشعبية بعد التصريح الشهير لقيس سعيد حول "تغيير التركيبة الديمغرافية" للبلد والتي تراجع عنها بعد ردود أفعال واسعة من عدة دول قامت بترحيل مواطنيها إضافة إلى شجب الإتحاد الإفريقي لهذه التصريحات.
وقد طفى هذا المشكل من جديد بتحول مهم في الخطاب التونسي من خلال تعبيرة"وقوف شبكات المتاجرة بالبشر سواءا من دول جنوب المتوسط أو شماله وفي دول جنوب الصحراء" وهو معطى مهم يؤشر على أن تونس لا تتحمل المسؤولية بمفردها في تنامي رحلات الهجرة غير النظامية خلال الفترة السابقة والتي تنامت بمعدل 69% في الأسابيع الستة الأخيرة.
* اللقاء مع النائب مانفريد فيبر
تزامن هذا اللقاء مع المكالمة الهاتفية بين الرئيس التونسي ورئيسة الوزراء الإيطالية حيث أورد موقع أنسامد الإيطالي أن فيبر نقل رسالة البرلمان الأوروبي إلى الرئيس التونسي وفحواها ضرورة العمل المشترك للتصدي للهجرة غير النظامية إضافة إلى ضرورة قيام الحكومة التونسية بتنفيذ الإصلاحات اللازمة للنهوض بالمسار الديمقراطي ضمانا للاستقرار السياسي الضروري لزيادة إستثمارات الشركات الأوروبية بتونس.
هذه المعطيات الواردة بالموقع الإيطالي تؤكد مجدداً أن الهجرة غير النظامية مازالت تشكل تحدياً مشتركاً للطرفين كما تحيل على أن تنفيذ بنود مذكرة التفاهم مشروطة من الجانب الأوروبي في الجانب المتعلق بحزمة المساعدات الموعود بها بضرورة تحقيق الإستقرار السياسي خاصة في ظل إقالة رئيسة الحكومة التونسية مطلع الشهر وتعويضها دون أي تحوير على الفريق الحكومي الذي لم يفصح بعد عن برنامجه للفترة القادمة لمجابهة التحديات التي تواجهها تونس.كما لم تبرز في الأفق أي مؤشرات عن تحوير مرتقب من خلال المشاورات أو التداول في المسألة بشكل رسمي.
وبالتالي يبدو أن فيبر المتزعم لأكبر كتل البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية يبحث عن خارطة الطريق الممكنة لإستكمال تنفيذ بنود مذكرة التفاهم التي لم ترى بوادر التنفيذ بعد.
* الضغط المتزايد على الطرفين
داخلياً تعرف تونس أوضاعاً إقتصادية صعبة في ظل تأخر صندوق النقد الدولي في تمكينها من القرض الذي طال إنتظاره والذي تعول تونس على مناصرة ملفها وتأييده من طرف الجانب الأوروبي.
إضافة إلى غياب الديناميكية الإقتصادية وتأثرها بالحرب الروسية الأوكرانية وتخوف دول المنطقة من التدخل العسكري في النيجر الذي قد يغرقها بآلاف اللاجئين الذين قد يصعب التعامل معهم من جانبي الإغاثة والمعاملة الإنسانية.
أما الحكومة الإيطالية فقد تزايد الضغط عليها من خلال أحزاب اليسار والوسط والمحافظين الذين يعتبرون أن حكومة اليمين المتطرف برئاسة ميلوني لم تفي بوعودها بخصوص ملف الهجرة وبالتالي فشلها في أوكد الإستحقاقات والإلتزامات تجاه الإتحاد الأوروبي.
من جانبه وجه النائب بالبرلمان الإيطالي دافيدي فارووني عن كتلة "إيطاليا حية" وهو تيار سياسي وسطي، وجه إنتقادات لاذعة لحكومة ميلوني جاء فيه: "قبل العطلة الصيفية تحدثت ميلوني وقادة حولها بملء أفواههم عن مذكرة تاريخية وغير مسبوقة مع تونس لإدارة أزمة الهجرة لتعود اليوم بعد العطلة وكل شيء أسوأ مما كان عليه من قبل" تويتر في 28/08/2023.
ويعتبر هذا التيار السياسي من أهم التيارات التي حذرت من تولي اليمين المتطرف الحكم في إيطاليا مما يزيد الضغط على حكومة ميلوني داخلياً وخارجياً وقد يهدد حتى حكومتها في ظل حالة عدم الإستقرار السياسي الذي عرفته إيطاليا خلال السنوات الأخيرة فيما إستبشرت الأوساط اليمينية بتولي ميلوني لرئاسة الوزراء وإعتبرته "ظهوراً أوروبياً حسب صحيفة لاستامبا الإيطالية فيما إعتبرها كثيرون فاشية جديدة تطبخ على مهل بعد فترة طويلة من سيطرة اليسار الإجتماعي وأحزاب الوسط على الحكم خلال الأربع سنوات الأخيرة.
ليخلص الجميع إلى أن المسألة أصبحت أولوية فصول يوليها الطرفين ما تستحق من الإهتمام في ظل تداخل الرهانات الإجتماعية والسياسية للطرفين فوق الرمال المتحركة للوضع الإقليمي الصعب الذي ينذر بالأسوء.