وثائقي

الهادي الغضباني يكتب عن "وجوه ومواقف نقابية في الذاكرة" (3): المجلس القومي للاتحاد 1978 وما قبله.

من أهم المحطات الحاسمة في تاريخ الاتحاد، انعقاد مجلسه القومي (كان يسمى كذلك) في أوائل شهر جانفي 1978. لكن قبله، جدت أحداث بارزة استعرض اهمها آملا ان تسعفني الذاكرة فلا أنسى:

 ضرب احمد بن صالح رحمه الله وبرنامجه الاقتصادي -

 - - مجيء الهادي نويرة رحمه الله والشروع في تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي (الاقتصادي واللا اجتماعي) وفتح الباب على مصراعيه أمام الليبيرالية، 

 - أمضاء العقد الاجتماعي بين الحكومة والاتحاد وتنقل الأمين العام للجهات للتنويه به أمام القواعد العمالية في البلاد.

- انتشار الغضب والتعبير عنه في الاوساط العمالية والطلابية وحتى التلمذية، 

- اضرابات عمال وعاملات النسيج بالساحل وخاصة قصر هلال،

- ضرب المعارضة السياسية من خلال عديد المحاكمات والضغط على الحريات،

  تطوير عمل وحضور الشُعب المهنية التابعة للحزب الحاكم في مواقع العمل قصد مضايقة النقابيين وضرب العمل النقابي

 - التهديد باغتيال الأمين العام للاتحاد سي الحبيب عاشور وما تلا ذلك من اضرابات احتجاجية عمت كل الجهات.

- الدور الاعلامي التاريخي لجريدة الشعب لسان الاتحاد (محمد قلبي/ حربوشة مثالا)

- صدور مواقف مؤيدة للاتحاد من النواب النقابيين بمجلس الأمة ومواقف إيجابية من بعض الوزراء الذين وصل بهم الحد إلى الاستقالة من مناصبهم. ...الخ

مداولات المجلس.

انتقلنا نحن نواب المجلس من ولاية القصرين إلى تونس جماعيا في حافلة. كنا نمثل قطاعات مختلفة اهمها الفلاحة والسلليلوز(عجين الحلفاء) ومناشر الحلفاء والبناء والسياحة والمعاش والنقل والتعليم بمختلف اصنافه وغيره.

أذكر اننا التقينا في النفيضة بنواب قفصة وسيدي بوزيد والقيروان وصفاقس...وكانت الحافلات موشحة بعلم تونس وراية الاتحاد ودخلنا العاصمة صوب نزل اميلكار مساء..

كان الاجتماع بالقاعة الكبيرة الاولي يمينا في مدخل النزل. واثناءه وُزع علينا بيان جهة صفاقس بإمضاء الكاتب العام عبد الرزاق غربال رحمه الله. كان بيانا وهاجا جمع فأوعى، شحن العزائم وسخن الأجواء...

أهم المحاور والنقاط البارزة التي وردت فيه وبقيت راسخة في ذاكرتي اختصارا هي:

  • استقلالية الاتحاد
  • الغاء الشعب المهنية وضمان حرية العمل النقابي
  • إطلاق الحريات العامة والفردية والافراج عن المساجين السياسيين والسماح بالتظاهرات والتعبير عن الراي المخالف،
  • الدخول الفوري في مفاوضات اجتماعية مع الحكومة لتحسين شروط العمل وربط الأجور بالأسعار.

وغير هذه المطالب كثير في اللائحة العامة للمجلس

ولما تعالت أصوات النواب باستقالة قيادة الاتحاد وعلى راسها سي الحبيب عاشور من الحزب الحاكم قال الزعيم الراحل كلمته التاريخية "انا أستقيل من الديوان السياسي ولا أستقيل من الحزب الذي حرر البلاد من الاستعمار بمعية الاتحاد" في هذا المعنى تقريبا.

كان لهذا الإعلان عن استقالة سي الحبيب وقع عظيم على النواب وعلى الرأي العام الداخلي والخارجي لأنه مثل تكريسا لاستقلالية الاتحاد عن الحزب الحاكم وعن السلطة.  اهتزت القاعة بالهتافات والتصفيق والنشيد الوطني..

وحدثت اشياء أخرى جانبية وفي الكواليس يضيق المجال عن ذكرها في هذا النص..

كما صدر القرار التاريخي بإعلان الإضراب العام وترك تعيين تاريخه للهيئة الإدارية الوطنية التي تنعقد خلال شهر.  واكدت اللائحة على الاستعداد التام من قبل الاتحاد لإعطاء الاسبقية للتفاوض وما يتطلبه من تنازلات من الطرفين ولكن كما قال الشاعر:

اجبت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن ينادي.

اما بعد المجلس القومي.

انطلق النقابيون بعد المجلس القومي (الوطني فيما بعد..) في عقد الاجتماعات العمالية القاعدية في مختلف جهات البلاد لتحسيس العمال بشرعية مطالب المجلس القومي وحثهم على الدفاع عنها.

وتصاعد هذا النشاط أثر اعلان الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد يوم الاضراب للخميس 26 جانفي 1978.

وقد سبقت الإضراب العام تحركات عمالية كبيرة واضرابات جزئية قطاعية واضراب عام بقطاع الفلاحة يوم 24 جانفي 1978 وبدأت المناوشات بين النقابيين والسلطة واذنابها تستشري وأخذت ابواق الإعلام الرسمي تقرع طبول التهجم على الاتحاد وقيادته الوطنية والجهوية والقطاعية والمحلية وشمر الانتهازيون على أذرعهم الخاوية للتسلل في صفوف النقابيين تشكيكا وترهيبا.

-----

الحلقة القادمة: الإعلان عن الإضراب العام أقام الدنيا ولم يقعدها