وثائقي

الهادي الغضباني يكتب عن "وجوه ومواقف نقابية في الذاكرة" (5): يوم الاضراب العام الجهوي في القصرين

كان المدرسون في عطلة في ذلك الزمن. التقيت ببعضهم وذهبنا إلى دار الاتحاد. كانت مصفحات الجيش وسيارات الشرطة بمختلف اصنافه تطوّق المكان. تسللنا إلى ساحة الاتحاد حيث كانت الأجواء تغمرها سموم القنابل المسيلة للدموع وأشار لنا أحد اعوان الاتحاد بالابتعاد هامسا ان فرقة من البوليس السري والشُعب تجمعان الحجارة والعصي والهراوات من المقر لتدينا بها النقابيين

ولما اتجهنا إلى دار الكاتب العام للاتحاد لزيارته منعنا من ذلك. وعلمنا انه اخذ إلى السجن المحلي صحبة بعض أعضاء المكتب التنفيذي وان العون المكلف بالخزينة قد تعرض إلى الضرب المبرح حتى فقد وعيه...وبلغنا ان مظاهرة حاشدة انطلقت في سبيطلة منذ الصباح وان هناك ضحايا واعتقالات....

انتقلت الى سبيطلة بعد الظهر من يوم الخميس "الاسود" كما أصبح يقال في سيارة اجرة...اوقفتنا دورية من الحرس الوطني على مشارف المدينة قرب الآثار الرومانية. تثبتوا في هوياتنا. أنزلونا من السيارة لنواصل السير على الأقدام عبر أطراف المدينة.

* في الصورة، مجموعة من نقابيي جهة القصرين، تعرفنا من بينهم بالخصوص على الحبيب القصوري في الاعلى، وجلوسا  الهادي الغضباني الثاني على يسار القارئ والى يساره بدر الدين الهرماسي

علمت ان كل أعضاء الاتحاد المحلي وعددا غفيرا من النقابيين ممن خرجوا في المظاهرة وغيرهم من الشباب قد تم القبض عليهم وأودعوا السجن...

رجعت إلى مدينة القصرين...كان الجو مشحونا بالغضب وكان النقابيون يُدعون إلى لجنة التنسيق للتنديد بالاتحاد وقيادته فبعضهم امتنع وبعضهم اذعن. وكانت الإذاعة تقرأ تلك الاستقالات وتذكر أسماء اصحابها وكان بعضهم يطرب وأكثرهم لا يصدقون.

تم بحثي وبعض الأخوة النقابيين وحُجّر علينا السفر خارج حدود الولاية. من جهة أخرى، وقع إيقاف ما يفوق المائة نقابي جلهم من قطاع الفلاحة والسياحة والمعاش ونقلهم الى سجن الكاف. سُلطت أقسى الأحكام على الكافي العامري الكاتب العام بخمس سنوات والحبيب القصوري الكاتب العام للاتحاد المحلي بسبيطلة وبلقاسم العيادي والبرني العلاقي وغيرهم بأحكام تتراوح بين الخمس سنوات والثلاثة أشهر قضوها بالسجن المدني بالكاف.

 رحم كل من توفي منهم ولكنهم لم يلقوا حظهم وبعضهم مسته الحاجة والخصاصة وبعضهم مات في ظروف صعبة للغاية.

تولى شؤون الاتحاد الجهوي بالقصرين والاتحادات المحلية بالمعتمديات وجوه بين مأجور وانتهازي وبائع لذمته. وهم المنصبون الذين بهم وأمثالهم تم انجاز مؤتمر الاتحاد العام الاستثنائي والبلاد في حالة طوارئ ونُصب المرحوم التيجاني عبيد امينا عاما للاتحاد..

لم يعترف بذلك الحدث المهزلة النقابيون"الشرعيون" في كامل البلاد. لم تعترف به المنظمة النقابية الدولية "السيزل" آنذاك ولم تعترف به النقابات الصديقة في كل أنحاء العالم...

إلى أن توصل "العقلاء" من كل الأطراف إلى الإفراج عن النقابيين (باستثناء الأمين العام سي الحبيب وصالح برور ) . وعقد المؤتمر الاستثنائي بقفصة في غياب الأمين العام الشرعي. وتواصل نضال النقابيين وعقلاء القوم  فافرج عن سي الحبيب وانعقد المجلس الوطني للاتحاد واقره رئيسا للاتحاد فأمينا عاما فيما بعد .

الحلقة القادمة: رقم نقابي فاعل طوال خمسين سنة