التأثيرات المحتملة لتقسيم الاقاليم على التنظيم الاداري والحوار الاجتماعي
الشعب نيوز / نصر الدين ساسي - لئن تبدو الفرضيات وشرح الأسباب المرتبطة بخيار تقسيم البلاد إلى أقاليم طموحة في المطلق بما أنها ستوفر مجالا أرحب لخلق حركية وديناميكية اقتصادية تستغل تنوع مقدرات كل اقليم وتفتح لولاياته آفاق استغلال الإمكانات المتاحة بالإقليم جويا وبحريا الا ان عددا من وجهات النظر تبقى متباينة حول آليات ووسائل تحقيق تلك الأهداف خصوصا وأن فكرة الأقاليم ليست مستجدة من حيث طرحها وتداولها وحتى دسترتها في دستور 2014 الا ان الصعوبات التي رافقت تنفيذها غير المكتمل يطرح اليوم من جديد في علاقة بتقييم تلك التجربة غير المكتملة خصوصا وأن مجمل العراقيل التي حالت دون تفعيلها ما تزال موجودة سواء في علاقة بقلة الموارد البشرية بالجهات الداخلية او كذلك في تداخل الهياكل الإدارية والمؤسسات المبنية على صلاحيات ومهام مختلفة و متباينة مع فكرة الإقليم.
لذلك نحن ههنا أمام إشكالية أولى تتمثل في غياب تصور لتطويع التقسيم الإداري للبلاد التونسية مع الفكرة الجديدة للتقسيم الإقليمي حتى لا تكون الإدارة أولى العقبات في ملفات التنمية بالأساس على غرار المندوبيات الجهوية للتنمية وعلى سبيل المثال المندوبية الجهوية للتنمية بالوسط الغربي موجودة بولاية القصرين والحال ان ولايات الوسط الغربي موزعة على ثلاثة اقاليم وهذا يطرح بلا شك سؤالا في صميم فكرة الأقاليم المرتبطة بالتنمية الجهوية أو الإقليمية بدرجة أولى، اما النقطة الثانية المتعلقة ايضا بالجانب الاداري هي دورية رئاسة الإقليم والتي تتيح التداول بين الولايات المكونة للاقاليم كل ستة اشهر لكنها بالمقابل تطرح مشكلة مركزة رأس الإقليم كإدارة قارة في علاقة بالوثائق والمشاريع والارشفة وكل المتطلبات الإدارية فمقترح تنظيم وعقد الاجتماعات بمقرات الولايات يقتضي في حال تم العمل به بعث هياكل على مستوى الولايات تتابع سير الاجتماعات والمداولات وهذا يفرض ضرورة إيجاد هيكل قار بالاقليم ومركزا له بالطبع .
مسألة التنمية ليست هي التحدي الوحيد ضمن هذا التقسيم الجديد لكن أيضا هناك تحديات مرتبطة أيضا بدعم الاستثمار العمومي والخاص وإحداث المشاريع المدمجة والمشغلة والتقليد من التفاوت الجهوي الصارخ وههنا ستكون ولايات بعينها على مستوى الإقليم في حاجة ماسة إلى مواصلة مبدأ التمييز الايجابي داخل الإقليم نفسه في علاقة بالبنى التحتية وعديد المرافق العمومية من ماء صالح للشراب وتنوير عمومي وصرف صحي وذلك حتى يكون الإقليم متجانسا وفاعلا يبني لفكرة تكافؤ الفرص.
من هذا المنطلق يجب إرفاق مشروع الأقاليم بتصور واضح لدور الدولة في المشاريع الكبرى علاوة على أدوارها الضرورية في المشاريع التنموية الكبرى على غرار مد الطرقات بين الأقاليم والتحفيز على الاستثمار العمومي والخاص .
* أي مكانة للحوار الاجتماعي وأي دور لمكونات المجتمع المدني ضمن هذا التصور ؟
لم يتضمن التصور الجديد والتقسيم الإقليمي إشارات إلى دور محتمل للاطراف الاجتماعية والمنظمات الوطنية وبقية مكونات المجتمع المدني من جهة التركيبة سواء من حيث العضوية او الملاحظة أو أي شكل من أشكال التشاركية والاعتبارية لدور المنظمات والمكونات على المستوى المحلي والجهوي حيث ستكون الأدوار الأساسية في ملفات التنمية المحلية والجهوية موكولة للمنتخبين محليا وجهويا دون تشريك بقية الأطراف.
هذا الواقع الجديد الذي يترافق مع تقسيم الأقاليم يطرح مجددا إشكالية تعثر الحوار الاجتماعي وطنيا خصوصا مع اتحاد الشغل لتتعمق المسألة في بقية المستويات المحلية والجهوية ويبقى السؤال ههنا قائما حول كيفية مساهمة الأطراف الاجتماعية في الملفات الاجتماعية والاقتصادية الحارقة جهويا ومحليا في غياب تمثيلهم ضمن الهياكل الجديدة وكيف سيكون الحضور الاجتماعي والمدني على مستوى الأقاليم ام ان القوى الاجتماعية والمدنية وعلى رأسها اتحاد الشغل ستلجأ إلى خلق هياكل تمثيل إقليمية ليتسنى لها متابعة المشاريع التنموية وتقديم مقترحاتها وممارسة ادوارها الاجتماعية والنقابية .
وفرض التشاركية من بين المقترحات يمكن لاتحاد الشغل بالتنسيق مع عدد من القوى الحية التي تتقاطع معه بعث مجالس حوار اجتماعي على مستوى الأقاليم خصوصا وان منظمة حشاد موجودة بكل الولايات ولها توزع وحضور جغرافي يقارب المائتي مقر في مختلف الجهات والمعتمديات هذا الخيار قد يمكن المنظمة من لعب ادوارها اولا كقوة اقتراح وثانيا سيمكنها من متابعة الملفات التنموية والاشكاليات التي يمكن أن تطرح باعتبارها قوة تمثيلية وازنة على مستوى علاقات الإنتاج ثالثا يتوجب التأكيد على اهمية مبدأ النفاذ للمعلومة بما سيمكن المنظمة النقابية وبقية مكونات المجتمع المدني من متابعة مختلف المقترحات والمشاريع والخيارات مع ترك حيز لها للتفاعل عبر الية الحوار الاجتماعي على غرار ما هو معمول به في المجالس والهيئات المنتخبة مثل جلسات الاستماع.
ورابعا من الضروري فسح المجال للاعلاميين لمتابعة مجريات اللقاءات المحلية الإقليمية بما يمكن من دعم مبادئ المسائلة المجتمعية والحوار الاجتماعي محليا جهويا وأيضا وطنيا وخلق جسور التفاعل على تلك المستويات خارج حتمية سحب الوكالة .
إذًا ، هذا يرتبط مباشرة بقدرة النموذج الجديد على خلق وبعث هياكل مرافقة للانصات والتفاعل وتدعيم الحوار الاجتماعي والاعتراف بدور مختلف المكونات بأنها أجسام مشاركة لها وجهات نظر ولها بلا شك ادوار تعديلية مهمة قد تلعبها في مختلف المراحل والمحطات وليست فقط اجساما وسيطة خارج دوائر التأثير وبعيدا عن مقومات الحوار الاجتماعي..