قراءة في حركة 25 جويلية التصحيحية (4): ثورة مضادة حاكمة ، تشنج تحت جمر الاحداث وانحناء للعاصفة
بقلم سالم الحداد / باحث ومؤرخ
على نُخبنا، حسب راي الأستاذ سالم الحداد في الحلقة الرابعة من قراءة في حركة 25 جويلية التصحيحية أن تتعامل معه بروح نقدية دون السقوط في الترذيل المجاني للآخر أو التمجيد الجزافي للفاعلين الجدد. علينا أن نفهم لماذا وقع؟ كيف وقع؟ ماهي تداعياته في المستقبل المنظور والمتوسط والبعيد؟ ماذا علينا أن نفعل لدعم مسيرة التصحيح؟
VIII ـــ ردود الفعل الوطنية
أولا ـــ الوضع الضبابي لرئيس الحكومة
ترددت أنباء عن أن رئيس الحكومة مشيشي وقع احتجازه في قصر قرطاج وتعنيفه لأنه كان يستعد للتواصل مع قناة الجزيرة المدعمة للإسلام السياسي ويعلن رفضه للانقلاب ويدعو الأمن للتمرد، وليس من المستبعد أن يكون قصر قرطاج ضايقه بشكل من الإشكال، لكنه كذّب ذلك على صفحته وأعلن استعداده لتسليم مهمته للخلف الذي سيعينه رئيس الدولة. فعل ذلك عن طواعية أو مجبرا لا نعرف إلا أن طريق التحولات لا تخلو من أشواك.
ثانيا ـــ الإسلام السياسي من التشنّج إلى الانحناء للعاصفة
1 ــ التشنج تحت جمر الأحداث
جاءت ردود الفعل غدا صباحا 26 جويلية حيث حاول أعضاء من البرلمان تابعين للنهضة وائتلاف الكرامة ـ يتقدمهم كل من الشيخ راشد وسيف الدين مخلوف ــ الدخول إلى البرلمان لكن الشرطة منعتهم وبدأ الترويج لوجود انقلاب عسكري يقوده قيس سعيد وصدر بيان عن النهضة، مما جاء فيه إن "<<ما قام به قيس سعيد هو انقلاب على الثورة وعلى الدستور، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة >>وحاول الشيخ راشد أن يحوّل قصر باردو إلى ميدان رابعة العدوية في مصر كرمز للصمود وللدفاع عن الشرعية " وأن "البرلمان في حالة انعقاد دائم والحكومة ما زالت قائمة" كما ينص على ذلك الدستور، داعيا النواب إلى "الثبات والدفاع عن شرعيتهم أمام الإجراءات الباطلة التي اتخذها رئيس الدولة "لكن جماهير النهضة لم تسعفه، فلم يستمر الاعتصام إلا 12 ساعة أمام مقر البرلمان ، فكانت عملية الانكسار الأولى للإسلام السياسي والثورة المضادة.
يبدو أن الشيخ راشد وظف علاقته الدبلوماسية مع الأمريكان ومع الاتحاد الأوروبي للضغط على قيس سعيد حتى يتراجع لكن ردود الفعل لم تكن في مستوى طموحات النهضة فتصرف بعضهم بطريقة انفعالية . فمما يروى عن رضوان المصمودي رئيس مركز الإسلام والديمقراطية انه طلب من الأمريكان توقيف المساعدات لتونس بما في ذلك اللقاح كما أن الشيخ راشد صرح في حديث لصحيفة كورياري ديلا الايطالية << إن مئات آلاف المهاجرين غير القانونيين سيطرقون ابواب ايطاليا الجنوبية، كلنا في مركب واحد: التونسيين ولايطاليين وتحديدا انتم الايطاليين، فإذا لم تعد الديمقراطية في اقرب وقت فسريعا سننزلق للهاوية ... يمكن ان يتصاعد التهديد الإرهابي وعندها تسود حالة من عدم الاستقرار وتجبر الناس على الرحيل. هناك أكثر من500 ألف مهاجر محتمل سيتجهّون إلى السواحل الايطالية في وقت سريع>> ومن الأكيد أم هذا التهديد موجه لكل أوروبا لأن غاعلية إيطاليا محدودة .هذه المواقف كانت تحت جمر الأحداث تفاعلت معها بعض الأطياف في ليبيا<< فقد أعلن خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة التابع لتنظيم الإخوان في ليبيا وصاحب النفوذ في مؤسسات الدولة غربي البلاد، رفضه لقرارات الرئيس التونسي، واصفا إياها بـ"الانقلاب واستنفر مليشياته في ثلاث معسكرات>>.في المقابل ، بارك القائد العام للقوات المسلحة الليبية خليفة حفتر انتفاضة الشعب في تونس ضد الإخوان وقال << نتطلع إلى انطلاق وتحقيق أماني شعبها في مستقبل زاهر، بعد القضاء على أهم عثرة في طريق تطوره
2 ــ النهضة تنحني للعاصفة
شهد هذا الحزب زلزالا بعد 25 جويلية أفضى إلى تداعي أركانها من الداخل فلم تنجح القيادة في أسلوب التصعيد والهروب إلى الأمام معتبرة ما حدث "انقلابا على الدستور وعلى الديمقراطية" هذا الأسلوب اعتبره التيار المعارض للقيادة تغطيةعن الفشل وتجرأت العديد من العناصرالقيادية والمتوسطة والقاعدية على مجابهة المكتب التنفيذي وبالتحديد الشيخ راشد وتحميله مسؤولية المأزق الذي وصلت إليه الحركة مما اضطرها إلى تغيير خطابها في اتجاه مد الجسور مع الرئيس وجاء البيان الصادر يوم 5 أوت عن مجلس الشورى معلنا :
أ ـــ << استعداد حركة النهضة للتفاعل الإيجابي للمساعدة على تجاوز العراقيل وتأمين أفضل وضع لاستئناف المسار الديمقراطي ... مؤكدا حرص الحركة على نهج الحوار مع جميع الأطراف الوطنية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية من أجل تجاوز الأزمة المركبة وتحقيق السلم الاجتماعية وإنجاز الإصلاحات الضرورية
ب ـــ ضرورة قيام حركة النهضة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجهاوإطاراتها في أفق مؤتمرها 11المقرر لنهاية هذه السنة،لإعادةالنظرفي خياراتهاوتموقعهابما يتناسب مع الرسائل التي عبرعنها الشارع التونسي وتتطلبها التطورات في البلاد
ج ـــ تفهّم الغضب الشعبي المتنامي، خاصة في أوساط الشباب، بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة. وتحميل الطبقة السياسية برمتها كلا من موقعه، وبحسب حجم مشاركته في المشهد السياسي، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، ودعوتهم إلى الاعتراف والعمل على تصحيح الأداء والاعتذار عن الأخطاء.
هذا البيان هو أول عملية نقدية منذ عشر سنوات تعترف فيها الحركة بخطئها وتدعو إلى مراجعتها وتعتبر ما حدث هو فرصة للحوار مع الرئيس .وبهذا انقسمت النهضة إبى فريقين:
ــ فريق الصقور يرفض الاعتراف بالخطأ ويحمّل المسؤولية للرئيس ومن أبرز عناصره : عبد الكريم الهاروني ،نور الدين البحوري وتوفيق عبد السلام
ــ فريق ألحمائم : أقر بالأخطاء وحمل المسؤولية للقيادة التي أساءت إدارة الأزمة وتورطت في تحالفات مشبوهة وهو تواصل لمجموعة المائة قيادي التي توسعت لتصبح 130 لكنها لم تشكل أغلبية. ومن ابرز عناصرها عماد الحمامي، أمينة الزغلامي ،سميرديلو وعبد اللطيف المكي غير المستقيلين كلطفي زيتون ،زياد العذاري ،عبد الحميد الجلاصي ،عبد الرزاق حسين وغيرهم.وهؤلاءكانوا يدفعون نحو المراجعة و التواصل مع رئيس الجمهورية لكنهم اضطروا جميعا إلى تغيير الحطاب والمحافظة على الغنوشي كرمز للحركة.
ثالثا ــ الثورة المضادة الحاكمة : قلب تونس
اعتبر "قلب تونس" أن<< قرارات الرئيس قيس سعيد، "خرق جسيم للدستور ورجوع بالبلاد إلى "الحكم الفردي">>بعد هذا البيان اختفى هذا الحزب من الساحة السياسية فليس له لا دعم ولا رفض من الحركة التصحيحية ولم يسجل حضوره في المنصات الاعلامية بل إن قناة "نسمة" التابعة له لازمت الصمت ولم تتحدث عن الحركة وغاب نبيل القروي وأخوه غازي عن الساحة.
رابعا ــ الأحزاب الداعمة للقرارات
كانت حركة الشعب أول حزب سياسي يعلن دعمه المطلق للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس وهي إجراءات جاءت متفقة مع مواقف الحركة التي ما لبثت تؤكد أن حكومة المشيشي ألعوبة بين أيدي مخدتها الخادعة وغير قادرة على العطاء وهو موجودة قي الزمن الضائع.كما اتخذ التيار الشعبي، الوطد الموحد،حركة تونس الأمام وحركة البعث حركة الشعب ،نفس المواقف تقريبا وهي تلتقي معلاقيس سعيد في اكثر من هدف :مقاومة الفساد ،استقلالية القرارالوطني ، العدالة الاجتماعية رفض الفرنكفونية،فنسقت مواقفها وأصدرت بيانا مشتركا اعتبرت فيه اجراءات الرئيس <<"خطوة تصحيحية" لمسار سياسي راكم الفشل منذ عقد من الزمن. وجاءت هذه الخطوة على أنقاض انسداد سياسي داخل مؤسسات الحكم >>إ نحو ديمقراطية حقيقية في إبعادها الاجتماعية والسياسية
خامسا ــ الأحزاب الرافضة لإجراءات الرئيس
بالإضافة إلى أحزاب السلطة الرافضة لقرارات الرئيس فقد عبرت أحزاب أخرى عن رفضها لها وأبرزها:
1 ــ حزب العمال الشيوعي :اعتبر حمة الهمامي إجراءات الرئيس "خرقا واضحا" للدستور وتمثل خطرا على الديمقراطية وذكّر بموقف الحزب المتفرد من بيان 7 نوفمبر1987 الذي رحّب به الجميع ورفضه حزب العمال للكنه نسي أن يذكّر بحزب التجمع القومي ورئيسه بشير الصيد
2 ــ حزب أمل : ندد السيد نجيب الشابي رئيس الحزب الفاعلين السياسيين في المرحلة السابقة وفي نفس الوقت أدان خطوة قيس سعيد واعتبرها خطوة نحو الديكتاتورية.
في نفس التوجه اعتبرالرئيس التونسي السابق المرزوقي25جويلية << حادث مرور تاريخي ستخرج منه تونس مثخنة بالجراح لكن بتجربة لا تنسى وبعزيمة أقوى لبناء دولة قانون ومؤسسات لا يختطفها مغامروشعب لا ينخدع بالشعارات التي أوقعت كم من شعوب في فخّ الاستبداد وهو أشرّ أنواع الفساد” >>
سادسا ــ الأحزاب المتراوحة بين التأييد والتحذير : نعم ... لكن
يعتبر ــ حزب "التيار الدّيمقراطي" مثالا لهذه المواقف فقد ندد بسياسة ما قبل 25جويلية واعتبرها السبب المباشر للأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية لكنه يختلف مع قيس سعيد في قراءة قيس سعيد للفصل 80 من الدستور".
سابعا ــ أحزاب زئبقية
بقيت عدة أحزاب أخرى صامتة أو عبرت بطريقة زئبقية لا تفصح بوضوح عن مواقفها مثل النداء والدستوري الحر و"تحيا تونس" ، ومشروع تونس ، و"آفاق تونس و...وهي لا تلتقي مع رئيس الدولة إلا في نقطة واحدة وهي إزاحة النهضة من السلطة لتفسح لنفسها المجال للتوغل في مفاصل الدولة وهي جزء من منظومة الفساد والتبعية الفرنسية.
ثامنا ـــ منظمات المجتمع المدني
اجتمع الرئيس بمنظمات المدني الأساسية الاتحاد العام التونسي للشغل، منظمة الأعراف، اتحاد الفلاحين ، عمادة المحامين، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الاتحاد النسائي ، جمعية النساء الديمقراطيات ونقابة الصحفيين وطمأنها على أن الإجراءات المتخذة ذات طابع استثنائي أملتها الانحرافات عن مسار الثورة وأن المسار الديمقراطي سيستمر، لكن هذه المنظمات ــ رغم تفاعلها مع رئيس الدولة ــ لم تقدم له صكا على بياض فهي تدرك أنها مؤتمنة على الثورة ومسارها الديمقراطي، فطالبت الرئيس بخارطة طريق تحدد المسار. وقد بادرت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل بصياغة مبادرة أولية لكنها سرعان ما أجلتها ولعلها أدركت صعوبة المرحلة.
ملاحظة هامة : الآراء الواردة في هذا المقال لا تلزم الا صاحبها