دولي

جذور وتحولات حركة التحرر الفلسطيني في مواجهة مؤسسة قائمة على التوسع والسيطرة في المنطقة

الشعب نيوز / حسني عبد الرحيم - لاينبغي لنا تجاهل الأسس المؤسسة لدولة إسرائيل الصهيونية ..الحرب الحالية بين الدولة العنصرية الصهيونية ضد أهالي فلسطين المنفيين من كل قرى فلسطين التاريخية لقطاع غزة والذي بقى تحت الأدارة المصرية حتى حرب جوان 1967 وبَقى محتلآ بألجيش الاسرائيلي لما بعد كامب ديفيد وعاد ليصير ضمن مشتملات السلطة الفلسطينية بعد إتفاقيات اوسلو وإنسحاب الجيش الإسرائيلي منه. جذور وتحولات حركة التحرر الفلسطيني في مواجهة مؤسسة قائمة على التوسع والسيطرة في المنطقة

خطبة السيناتور الشاب "جو بايدن" -40عام- في قاعة مجلس الشيوخ والتى قال فيها:"إن لم تكن هناك دولة إسرائيل لإخترعناها" هي السياق العالمي للحل الذي إبتدعته الأمبراطورية البريطانية للمسألة اليهودية (وعد بلڤور) فألشرق العربي في بداية القرن العشرين لم يعد فقط هو الطريق الإستراتيچي الهام للشرق الأقصى بل صار مخزن لأهم عناصر الثورة الصناعية الثانية: البترول..كان على حكومة صاحبة الجلالة أن تؤمن هذين العاملين الإستراتيچيين. وورثت الإمبريالية الأمريكية العهدة الإستعمارية بمشتملاتها وحجر الزاوية لها في الشرق الأوسط دولة إسرائيل وجيشها المستعد في كل الأوقات لإحباط التطور الموضوعي لشعوب المنطقة.

الحرب العالمية الثانية نقطة مفصلية

الحركة الصهيونية كانت وليدة آنذاك ولم تكن فلسطين الإقتراح الوحيد بل كانت هناك على مائدتها مشاريع أخرى مثل أوغندا في افريقيا وبعض الجزر البعيدة ولكن تلك الحركة كان أقلية بين اليهود وجماعاتهم الرئيسية في شرق اوربا. الا أن المذابح المتكررة من التيارات القومية الرجعية المتطرفة دفعت الجماعات اليهودية اكثر تجاه الحركة الصهيونية والتى لم تكن موحدة فقد تنازعتها التيارات الفكرية والسياسية الأوربية والتى سادت بين الحربين من فاشية لليبرالية لإشتراكية. كان وصول الفاشية والنازية للحكم في المانيا إيطاليا وإسبانيا وإندلاع الحرب العالمية الثانية نقطة مفصلية للحركة الصهيونية. فمن ناحية بدات في المانيا والبلاد التى إحتلتها تجميع اليهود في معسكرات الإعتقال والمحرقة النازية والتصفية المرعبة لإنتفاضة "غيتو فرصوفيا" في بولندا (الحل النهائي) 

الملجأ الآمن ليهود شرق أوربا صار أولآ الولايات المتحدة والتي ورثت النفوذ البريطاني بعد الحرب. ومن ناحية أخرى فإن الجماعة اليهودية الامريكية أصبحت تمتلك نفوذا هائلا على الحياة السياسية في الولايات بفعل وجودها الموثر داخل الإقتصاد وكذلك في الجامعات والميديا. والولايات المتحدة في مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين كانت في حاجة لخدمات الكثيرين من المنحدرين من أصول يهودية أوربية شرقية والكثيرين منهم لهم ارتباطات أيدلوچية وعائلية بمستوطنين يهود في فلسطين. بينما المصالح الإمبريالية الغربية والامريكية بشكل خاص تكاد تتطابق مع مصالح دولة اسرائيل الصهيونية العازمة على ان تصير القوة المسيطرة في الشرق الأوسط وتتوسع لتستعمر ليس فقط الأرض التاريخية لفلسطين بل أراضي الدول العربية المجاورة.

الجماعات اليهودية ذات هرم إجتماعي مقلوب

تناقضات الحركة الصهيونية كانت منذ البدء.فاليهود المهاجرين من شرق اوربا أتوا من أوساط فقيرة كانت الحركة الاشتراكية ذات تاثير كبير عليها وكان الكثيرون من الرواد الصهاينة من تيار الصهيونية الإشتراكية "البورخوفية"وهى المسماة على اسم فيلسوف يهودي من مولدافا الروسية وفِي أوكرانيا فيما بعد و كان عضوآ في حزب العمال الإشتركي الديموقراطي الروسي وهو الذي له مساهمة نظرية جوهرية في التأسيس لهذه الحركة بكتابه "أهمية الطبقات في المسألة الوطنية(الصهيونية) والذي يحدد فيه أن الجماعات اليهودية ذات هرم إجتماعي مقلوب حيث القوى الكادحة من عمال وفلاحين هى أقلية بينما المجتمعات الأخرى تشكل هذه القوى قاعدة الهرم الأجتماعي ،وتبعآ لذلك فألهجرة لفلسطين ستعمل على تعديل هذا التكوين ومن هنا كانت المزارع الجماعية الكيبوتزات الزراعية المسلحةهى الأساس للدولة المعسكرة بألكامل وكانت الهاجاناه هي المنظمة العسكرية العمالية و"الهستدروت" كان يمتلك نفوذ كبير على توجهات الدولة وأتى من صفوف التيار الصهيوني العمالي العديدون من قادة دولة إسرائيل ومؤسسيها ك "ناحوم بن غوريون" و"غولدا مائير". وتوجد شوارع بأسم "بير بورخوف" في حيفا، تل أبيب، القدس، العفولة، نهاريا، الخضيرة، نتانيا، هرتسليا، رعنانا، كفار سابا، بتاح تكفا، بني براك، الرملة، حولون، بات يام، أسدود، عسقلان وبئر السبع.

تيار آخر من مؤسسي الدولة الصهيونية وهو التيار المتأثر بألفاشية الأيطالية بألذات ومؤسسه "زئيف كابوتنيسكى" الأوكراني الملحد والفاشي والذي تبني إرهاب السكان الفلسطينيين ليهاجروا وتمثل في عصابات" الآرغون" والمنظمة الدولية "بيتار" والذي له جذور نظرية وسياسية تمتد حتى" بنيتو موسوليني" والكتائب المسلحة والإرهاب لدفع الهجرة المنظمة ولطرد السكان الفلسطينيين مناحم بيجين" هو اشهر مؤسسي" الآرجون"وحزبه "الليكود" الذي وصل لسدة الحكم بعد "حرب الغفران" 1973وفشل" حكومة" المابام" في مواجهة العبور المصري لقناة السويس!!

صاحب مذبحة دير ياسين

كذلك "إبراهام شتيرن " مؤسس منظمة بأسمه قامت بمذبحة "دير ياسين" وكانت تفضل التحالف مع المانيا وليس بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية ومن ناحية العمل على تمدد أسرائيل لتصبح من الفرات إلي النيل! وأحد أهم قادتها "إسحاق شامير" رئيس الوزراء اللاحق! !

منذ حرب 1967 شهدت إسرائيل تغيرا ديموغرافيا مهما فالمهاجرون القادمون من الشرق كاليمن و شمال افريقيا وكذلك الفلاشا الاثيوبية وبدعم الصهاينة العلمانيين الميسورين من أمريكا الشمالية وبريطانيا قد ساهموا بنمو يمين متطرف مثلته الأحزاب الدينية والتى بادرت لخلق مستوطنات مسلحة على حدود غزة وفي الضفة الغربية وبالذات تخوم القدس تحت دعاوي دينية هستيرية لإعادة بناء هيكل سليمان.

"بنيامين نتانياهو" وصل للحكم بتحالف الليكود مع اليمين الديني المتطرف وفي ظل إدارة أمريكية من أقصى اليمين أعلن نقل الحكومة والتمثيل الديبلوماسي الأجنبي للقدس كعاصمة موحدة لدولة إسرائيل وهذا ما وافقته عليه إدارة "ترامب"التي شرعت في "صفقة القرن " بين الحكومات العربية وإسرائيل و أيدتها العديد من حكومات غرب أوربا.

المقاومة الفلسطينية للإحتلال والتهجير اخذت هي الأخرى أسماء متعددة ففي خلال الإنتداب البريطاني حاول  "الحاج أمين الحسيني" مفتى القدس إقامة تحالف مع ألمانيا النازية لمجابهة الحركة الصهيونية المتحالفة مع الإنتداب البريطاني والحلفاء، وبإنتهاء ا لحرب وانتصار الحلفاء والذين حارب في صفوفهم فيلق يهودي أصبحت الأرض ممهدة لاعلان الدولة وبداية النكبة الفلسطينية!

بعد النكبة تَهدم الهرم الإجتماعي الفلسطيني وتحول السكان في معظمهم للاجئين في دول الجوار الأردن وسوريا ولبنان وفي قطاع غزة تحت الإدارة المصرية وكانت الموارد المعيشية الرئيسية والخدمات تأتيهم من منظمة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة.

الصعود المدوي لحركة القومية العربية

الخمسينات والستينات شهدت الصعود المدوي لحركة القومية العربية التي تأسست تحت مظلة الجامعة الدول العربية وبتوجهات من عبد الناصر و مؤتمر القمة العربي في 1964 منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة" احمد الشقيري". لكن هزيمة جوان شكلت انعطافا كبيرا للحركة الفلسطينية نحو الكفاح المسلح وقيادة حركة فتح التى رفعت شعار"دولة ديموقراطية علمانية للعرب واليهود على كامل التراب الفلسطيني".

وبتجذر حركة القوميين العرب والمنظمات اليسارية الجبهة الشعبية (چورچ حبش) والجبهةالديموقراطية (نايف حواتمه) وكذلك فصائل صغيرة متعددة أخرى جميعها بوشائج مع النظم العربية القومية في سوريا والعراق وليبيا. وبعد 1973 ومعاهدة كامب ديفيد تكونت جبهة الرفض من هذه الجماعات. فضلا عن ان بزوغ البترودولار خلال ثلاثة عقود كامله كان له تاثير مهول على الحركة الفلسطينية التي أصبحت تستحوذ على موارد ضخمة ومن الناحية السياسية أصبحت منظمة التحرير بعد الخروج من لبنان أكثر ميلآ لتسوية سياسية (حل الدولتين) وانتهى بها الامر لاتفاقية اوسلو.

سيادة حركة حماس فرع الاخوان في قطاع غزة

لكن في نفس الوقت كان التوسع الهائل للإسلام السياسي وعلى الاخص للإخوان المسلمين وسيادة حركة حماس فرع الاخوان في قطاع غزة عبر انتخابات ومواجهات مسلحة تغلبت فيهما على حركة فتح التي اكتفت بألقيام بإدارة ذاتية تحت الإحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وتمثيل ديبلوماسي في الخارج !

العام 2013 شكل تحولا مفصليا جديدا فالتغييرات الدراماتيكية في المنطقة العربية في مصر وسوريا ولبنان قد جعل منظمة حماس التي تحكم غزة ولها أنصار في الضفة وفلسطيني أراضي 1948 ليست فقط في حالة حصار من إسرائيل ولكن أيضآ من الدول العربية المجاورة. قابله توسع النفوذ الايراني خاصة بأليمن وسوريا والحصار الضاغط على الشعب الفلسطيني في الضفة بواسطة التوسع الإستيطاني والعسكري الدائم وخاصة في غزة وبداية إستكمال التطبيع الكامل مع كل الأنظمة العربية وضع كلا من المعسكر الصهيوني وحركة حماس في وضع إختيار نهائي: حياة أو موت.

فإسرائيل وأمريكا يرغبان في مواجهة المشروع الإيراني النووي وحماس لا تجد من يدعمها من حكومات المنطقة سوى إيران. إذن ما العمل؟ هل إختيار "شمشون" كما ورد في التوراة علىّ و على إعدائي؟

الحياة في سجن مفتوح على السماء في قطاع غزة ليست ممكنة

نعم، الحياة في سجن مفتوح على السماء في قطاع غزة ليست ممكنة. كان الهجوم الفلسطيني علي إسرائيل غير متوقع إنطلاقآ من موازيين القوى الفعلية لكنه كان ضروريآ سياسيآ ووجوديآ بإعتبار إنسداد الأفق أمام أي تسوية .

التحالف الغربي خلف الإنتقام الإسرائيلي هو تعبير عن إختيار إستراتيچي لمجابهة مايسمونه الإسلام الراديكالي! لكن وضع مليونين من الفلسطينيين تحت القصف الوحشي المميت وتعبئة الجيوش الاسرائيلية والأمريكية لإقتحام القطاع لإعادة إحتلال غزة وتأهب حزب الله وإيران لمواجهة قد تتطور الى حرب شاملة في ظل وضع عالمي هش للغاية قد يؤدي لتداعيات كارثية غير منظورة!

لاشك انه ما لم تبدأ "حماس"الهجوم لبدأته إسرائيل ولو بعد حين! المعارضة للمجزرة والتصفية العرقية للفلسطينيين تتوسع و تمتد شعبيآ في أركان المعمورة الأربعة وحتى في الكونغرس ومجلس الشيوخ الاميركي والصحافة الأمريكية المؤثرة! لكن السؤال هل تكفي لوقف جريمة القرن؟

لن يكون الشرق الأوسط كما كان ..هذا مانتوقعه! لكنه قد يسير للأسوأ وهو سيادة الدولة الصهيونية على مجمل المحيط العربي! كان الإقتصادي الفلسطيني النابه "حسين أبو النمل" قد برهن منذ السبعينات في كتابه" بحوث في الإقتصاد الإسرائيلي "بأن هيكلة الاقتصاد الصهيوني (وليس فقط الحدود) مؤسسة على التوسع والسيطرة في المنطقة أي تصير إسرائيل إمبريالية صغرى تتحكم في كل المنطقة وربما أبعد! وليست وكيله!.أو سنعاصر إنبلاج نفس تحرري جديد يتخطى الإحتمالات الرياضية الحالية للصراع لمرحلة تحررية جديدة للشعوب العربية تعيد بناء إستقلالها ديموقراطيآ وإقتصاديآ وثقافيآ وهي نهضة ضرورية لاتكون بدون الشعب الفلسطيني المُحرر في قلبها !

* نشر في عدد اكتوبر2023 من ملحق منارات الشهري.