الهادي الغضباني يكتب عن وجوه ومواقف نقابية (25): سالم " أُبّة " من توزر عبر ملف "الخماسة" الى المكتب التنفيذي الوطني
الشعب نيوز/ مذكرات الهادي الغضباني - سألني بعض الاخوة والاصدقاء لماذا اكتب عن الموتى من النقابيين دون غيرهم..قلت اني تعرضت إلى بعض الأحياء منهم في سياق الحديث عمن توفاهم الله والأخ سالم عبدالمجيد، ضيف حلقة اليوم، حي يرزق أطال الله في انفاسه.
كذلك فانني اذكر المتابعين لهذه السلسلة من النصوص اني لست مؤرخا وإنما اكتب ما بقي عالقا بالذاكرة طيلة انتمائي للاتحاد لمدة تناهز الخمسين سنة.
طليعة الشباب
سالم عبد المجيد ابن الجريد وسليل الاحرار من توزر. هو من طليعة شباب الاتحاد العام التونسي للشغل ومن فيالق الحركة الكشفية التونسية. انخرط في العمل النقابي منذ انتدابه للعمل في قطاع الصحة العمومية ولم تكن توزر، بعد ، ولاية. كانت من بين معتمديات ولاية قفصة بلاد المناجم، ذات التقاليد النقابية المتأصلة..ولما صارت توزر ولاية لبلاد الجريد صار سالم عبد المجيد كاتبا عاما للاتحاد الجهوي للشغل بها .كان ذلك في مطلع الثمانينات من القرن العشرين.
وما لفت نظري في سيرة الأخ سالم عبدالمجيد النقابية اني لمست فيه الشاب النقابي المندفع المتحمس وانا أنشط مبتدئا في العمل النقابي بالقصرين. وأخص بالذكر انه اضفى على العمل النقابي حيوية ووهاجة وحركية جديدة في جهة صغيرة الحجم الجغرافي والسكني ، لكنها ذات تاريخ مجيد وتراث تليد.
قضية دولية
اهتم الاخ سالم بوضع فئة هشة ومهمة من العمال في منطقة الجريد وهم أولئك الذين يجنون صابات التمر مقابل نسبة مالية تساوي خمس المحصول او دونه ويطلق عليهم بالخمّاسة وليس لهم اي ضمان اجتماعي او صحي .. اطرهم تاطيرا جيدا واشركهم في الاتحاد ..حدد مطالبهم وبوبها واسمعها للاتحاد العام والراحل الزعيم الحبيب عاشور ذاته تبناها ووضعها نصب عينيه. بل ان ملف الخماسة الذي لم يلق آذانا صاغية لدى السلط انذاك تم رفعه في اطارقضية نزاع شغلي لدى المكتب الدولي للشغل بجونيف.
* في الصورة المركبة الى اليسار: سالم عبد المجيد مع الزعيم الحبيب عاشور والى اليمين وهو يتوسط الاخوين هارون بوعقة على يساره ومحمد قنيش الهادفي رحمه الله على يمينه
ثم كان ان انتخب الأخ سالم نائبا بمجلس النواب التونسي عبرالجبهة الوطنية الانتخابية التي تالفت سنة 1981 بين الحزب الحاكم والاتحاد. ورغم الانتقادات اللاذعة التي وجهها بعض النقابيين لرفاقهم النقابيين الـنواب وعددهم في الجملة 27، فإن سالم عبدالمجيد لم يصب بتلك النيران الصديقة. كان مدافعا عن خط الاتحاد في المجلس النيابي وليس العكس.
اذكر أنه في المؤتمر السادس عشر للاتحاد (ديسمبر 1984) طرحت مسألة انتخاب الأمين العام مباشرة وعلنا من طرف نواب المؤتمر دون بقية المترشحين لعضوية المكتب التنفيذي..وقد أحدث ذلك الموضوع جدلا لدى الأطراف "الديمقراطية" في الاتحاد. دخل الأخ سالم مسرعا تجاه منصة المؤتمر حيث وشوش في اذن الاخ الحبيب عاشور الذي كان بالمناسبة يرأس اشغال المؤتمر.
انتخاب مباشر
سلم عاشور المصدح الى سالم عبدالمجيد فقال ما معناه "ان أعضاء في البرلمان ومن ورائهم أطراف مناهضة للاتحاد يعملون على أضعاف موقع الحبيب عاشور في الاتحاد وذلك من خلال خفض عدد الاصوات المقترعة لفائدة سي الحبيب اذا ما أدرج اسمه في القائمة المعروضة على الاقتراع السري. ولذا اقترح ان يتم التصويت لفائدته مباشرة من النواب في قاعة المؤتمر".
لم يقبل الاقتراح بالحرارة الكافية قعقب الزعيم"الاخ سالم اقترحني للتصويت علنا وانا قبلت منه ذلك وانتهى الموضوع" فاستجابت القاعة وكان عدد المعارضين قلة تم احصاؤهم وترصدهم...
وظل الأخ سالم مناضلا صامدا ولم يطاطئ الراس أمام "التنصيب "ولا امام"التشريف"**
ولما انعقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد بسوسة عام 1989 بعد الازمة النقابية لسنة 1985 وأثر صعود بن علي لدفة الحكم .ترشح الأخ سالم لعضوية المكتب التنفيذي وكنت انا كاتب هذه السطور معه في نفس القائمة، قائمة الأخ السحباني.لم يسعفه الصندوق فلازم توزر إلى أن حان انعقاد مؤتمر الاتحاد في الكرم1 بعد خمسة اعوام فترشح فنجح.
عود على بدء
اما كيف عاد الأخ سالم إلى الكتابة العامة للاتحاد الجهوي للشغل بتوزر فذلك ما كان لي فيه، انا كاتب هذه السطور، يد.، إذ اني كلفت بإعداد مؤتمر استثنائي، ان امكن، لجهة توزر حيث اتصلت على عين المكان بنقابيي الجهة لعقد مجلس حهوي واخذ ما يناسب من قرارات. تحادثت على حدة مع الكاتب العام القائم يومئذ الأخ أحمد باباي دام بقاؤه فابدى لي استعداده للتخلي عن المسؤولية تسهيلا لمهمتي . وقد اكبرت فيه هذا الموقف.
وتوفقت مع اطارات الجهة على حل المكتب وتعويضه بلجنة تكونت من الاخوة محمد قنيش الهادفي ( التعليم الاساسي) رحمه الله (والذي أصبح كاتبا عاما للاتحاد الجهوي فيما بعد) وعمار الزين (الفلاحة) ومنور حمادي رحمه الله (الصحة) ومحمد الضيف (التعليم الثانوي ) تسهر معي على اعداد المؤتمر ووجدت تجاوبا واسعا مع نقابيي الجهة ومواطنيها ومع السلط الجهوية بإستثناء إشارة لطيفة حول التحفظ على وجود بعض الاخوة في اللجنة فكانت اجابتي بلطف ان المعنيين اعضاء في لجنة وقتية تنتهي صلاحيتها بانعقاد المؤتمر. ولكل حادث حديث . تبادلنا ابتسامات دبلوماسية وانصرف كل مهامه. وبالطبع انعقد المؤتمر وانتخب الأخ سالم كاتبا عاما لجهته .
وفاء الوفاء
في ديسمبر 1993، انتخب الاخ سالم امينا عاما مساعدا للاتحاد مكلفا بالشؤون المالية والإدارية وظل في مسؤوليته حتى اندلع الخلاف بين أعضاء المكتب التنفيذي والأمين العام اسماعيل السحباني حول شبهة الفساد المالي والحيد عن مسار الاتحاد انتهى باستقالة الأمين العام... وهو موضوع جدير بأن أعود اليه في موضع آخر بعد مرور السنوات والنقد الذاتي وظهور المستجد من المعطيات.
صورة من حفل تكريم للاخ سالم عبدالمجيد اقيم في مقر الاتحاد بتوزر سنة 2013 بحضور الامين العام آنذاك الاخ حسين العباسي
لم ار الأخ سالم مستاء متالما كما رايته في ذلك الظرف الحالك او الناصع، ربما.....!!!رغم ان المراقبة المالية برأت ذمته ويعلم النقابيون وغير النقابيين ان يد الأخ سالم لم تكن الطولى على خزينة الاتحاد..فانه استقال من كل مسؤولية نقابية في الاتحاد وال على نفسه ان لا يترشح لأية مسؤولية ..بقي شامخا شموخ باسقات النخل في الجريد ..وفيا لرفاقه واصدقائه ولاتحاد حشاد وفاءه لزوجته رحمها الله التي بقيت حاضرة في وجدانه ساكنة كيانه منذ أن رحلت عنه إلى الرفيق الاعلى.
تحية اكبار للأخ سالم ولكنيته الشهيرة "أبّة"وما ذكرته عنه غيض من فيض والمرء حديث بعده.
* التنصيب في قاموس النقابيين هو الاعتراف بشرعية التيجاني عبيد رحمه الله والذي نصبته السلطة امينا عاما للاتحاد، وتحمل المسؤولية النقابية في عهده. والتشريف هو الاعتراف والمشاركة مع من تنصبوا بالقوة على الاتحاد بعد السطو عليه عام 1985. واطلقوا على أنفسهم صفة الشرفاء باقتراح من الوزير الاول السابق محمد مزالي.
** الصور من صفحة الاخ سالم عبدالمجيد على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك.