وثائقي

مذكرات العميد منصور الشفي (19) عن أزمة 1965: المحامون يستعدون للمرافعات بالدربة على القائها طيلة 10 أيام

* صورة تمثل لود قرقنة - اي الباخرة الرابطة بين قرقنة وصفاقس - وهو شبيه لود الحبيب الذي احترق في جوان 1965 وبسببه حوكم الحبيب عاشور وآخرون

 الشعب نيوز/ مذكرات العميد منصور الشفي تهيأنا كمحامين لمحاكمة الحبيب عاشور أمام محكمة الاستئناف خاصة وقد حصلنا على الإستشارة القانونية من البروفيسير لوفاسار وبقينا أيام عديدة نلتقي انا والمحامي الاستاذ الطاهر الاخضر في مكتبه لنعدّ انفسنا ونتمرّن على المرافعة فقسّمنا الموضوع الى جزئين، الجزء الأول وهو المتعلق بجريمة الشيك دون رصيد. أما الجزء الثاني فهو المتعلق بعدم تجهيز الباخرة بالأوراق القانونية المنصوص عليها بمجلة التجارة البحرية.

إستمرت مقابلاتنا، أنا والطاهر الأخضر، عشرة ايام متوالية اذ كنا حسب اتفاقنا، او بالاحرى حسبما طلبه منّي، أتوجه الى مكتبه على الساعة السادسة مساء ونبقى هناك حتى الساعة التاسعة ليلا فنعيد كلّ ليلة قراءة الحكم الابتدائي الذي كنا اعددنا إنتقاداتنا له.

نتبادل الادوار

بعد ذلك، وفي آخر الحصة يقوم هو بإلقاء مرافعة حول جريمة الشك دون رصيد ثم، بدوري، اقوم انا بإلقاء مرافعة حول الجريمة المتعلقة بأوراق الباخرة. ومن الغد، نعكس الأدوار، فأقوم انا بالمرافعة في موضوع الشيك والطاهر الاخضر في موضوع اوراق الباخرة، وهكذا بعد العشرة ايام من هذا التحضير كان كل منا قادرا على المرافعة في كامل الملف.

وقد حرصت على ذكر هاته التفاصيل ليطلع القراء على طريقتنا في العمل، انا وصديقي المرحوم الطاهر الاخضر الذي كان قد تحمّس لقضية الحبيب عاشور حماسا شديدا، وكانت هي القضية السياسية الوحيدة التي باشر الدفاع فيها بعد الاستقلال وكانت له مقدرة فائقة جمعت الى جانب قوّة الحجة وسرعة البديهة موهبة خطابيّة منقطعة النظير.

لم يشاركنا المرحوم محمد بن الناصر في هذا الإعداد للمرافعة وكان ان توجه لصفاقس قبل يومين من المحاكمة ليجد الوقت الكافي للإعداد للمحاكمة كما ان الطاهر الاخضر قد تحوّل الى صفاقس قبل يومين من المحاكمة.

 أما أنا، فبقيت في تونس لأرافق المحامي نيكولاي والذي كان مصحوبا برايمون قوس وهو صهر الامين العام للكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة المعروفة اختصارا بـ " سيزل" أومير بيكي اذ هو زوج إبنته وكان مكلفا بالعلاقات الخارجية بنفس المنظمة. وكنت قد تعرفت عليه منذ مدّة في إحدى زياراته لتونس عن طريق الحبيب عاشور وأصبحنا صديقين وتوجهنا جميعا الى صفاقس في اليوم السابق للمحاكمة رفقة الحبيب عاشور.

اختبار لم نحصل عليه

كنت قد تلقيت بتاريخ 16 فيفري 1966 رسالة من نيكولاي يذكرني فيها بأنه لم يتلق مني بعد ما طلبه من وثائق لإعداد إستشارة قانونية تهم تهمة عدم تجهيز الباخرة ببعض الاوراق القانونية، وهاته الوثائق التي يريدها نيكولاي تتمثل في الإختبار المجرى على باخرة الحبيب (وهو الإختبار الذي لم يضف لملف القضية ولم تمكننا منه السلطة فهو لم يكن لدينا) وشهادات الراكبين بالباخرة وعقد التأمين ويقول انه لم يتلق هذا بالرغم من الإلحاح.

وفي الواقع، فإننا منذ أن اصبحنا نشك فيه، قررنا أنا والحبيب عاشور عدم التعاون معه ولم نرسل له أية وثيقة بل لم نرد حتى على رسالته خاصة وان موعد المحاكمة كان قريبا ولم يكن الوقت كافيا لإعداد إستشارة.

ويقول في هاته الرسالة انه إلتقى في باريس في أوائل فيفري بأحمد التليلي، وقد قال له انه سيرسل لنا المحامي الرزقي بوزيدة من هيئة المحامين بالجزائر، كما أنّه سيسعى الى إنتداب محام فرنسي، ثم يعلق نيكولاي انه لا يرى جدوى في ذلك ويضيف أنه طلب من السيزل إذا ما كانت مستعدة لدفع أجرة المحامي الفرنسي وأجابته بالنفي، كما قال في هاته الرسالة أنه سيتقابل مع (بيكي) الأمين العام للسيزل وسيحدثه عن الصعوبات التي يلاقيها مني.

وفعلا، ففي صباح يوم المحاكمة لدى الإستئناف وجدت في إنتظاري في بهو المحكمة وقبل بدء الجلسة الاستاذ الرزقي بوزيدة وقد طلب مني ان أقدّمه الى رئيس محكمة الإستئناف المرحوم الصادق الآجري والذي كان من أصدقاء  المصلح الطاهر الحداد ومن أتباعه وقد درس معه الحقوق، وعند حدوث الإنشقاق اليوسفي كان من الذين لا يخفون إنتماءهم لليوسفية.

" ما نهدرش بالعربي "

وعندما قدّمته للرئيس الآجري قال له الرزقي بوزيدة بلهجته الجزائرية: «أتيت مع زميلي يترجم لي إذ أني لا أهدر بالعربي»، فأجابه الرئيس: "ها أنك تهدر"، فقال بوزيدة: " شوية شوية " فقال له "هاك أنك تهدر" وضحكا، ورحّب به الرئيس الآجري ترحيبا خاصا وحضر معنا بوزيدة في الجلسة، بعد أن قدّم إعلام نيابته عن الحبيب عاشور.

وقبل إفتتاح المحاكمة، فوجئ الجميع بالأعداد الغفيرة من الناس الذين قدموا لحضور الجلسة، ويظهر ان الوالي كان في نيّته أن يعطي تعليماته لمنعهم من دخول المحكمة ولكن أجابه المرحوم عبد الجليل ثابت المدعي العام لمحكمة الإستئناف بأن ذلك ستترتب عنه فوضى عارمة وربما مصادمات وأنه يفضل  تمكينهم من حضور المحاكمة وطلب مني الوقوف معه بباب الدخول للمحكمة.

وترأس الجلسة الرئيس محمد الزياني وكان معروفا بصعوبة طباعه وربما اختير لهذا السبب.