آراء حرة

قراءة في علاقة السلطة بالعمل النقابي في تونس- من النشأة إلى وقتنا الراهن/الجزء الأوّل

الشعب نيوز/ عبد العزيز بوعزّي

الجزء الأول :

اتسمت علاقة السلطة إبان مرحلة الاستعمار أو الدولة الوطنية بالشد والجذب وتراوحت بين التوتر والانفراج ومحاولات الهيمنة والاحتواء وإرادة الاستقلالية والإخضاع .. وذلك باعتماد اسلوب التدخل السافر تارة والذي وصل مرارا حدّ الانقلاب على القيادة الشرعية للمنظمة وتنصيب قيادات موالية وطورا إلى ترتيب المحاكمات الصورية والسجن وأحيانا أخرى إلى اعتماد القوة الناعمة لإخضاعها. و تواصلت هذه العلاقة بوجهيها منذ أول تجربة نقابية عرفتها بلادنا بداية من العشرينات وصولا إلى الخمسينات والستينات مرورا بالسبعينات والثمانينات والتسعينات انتهاء بما بلغته اليوم من توتر في العلاقة بين الطرفين بلغ حدّا غير مسبوق في ظل حوار الطرشان وانعدام الحلول الكفيلة بالتقليل من منسوب التوتر الاجتماعي في وقت تمر فيه البلاد بظروف سياسية واقتصادية صعبة. ومن خلال دراسة العلاقة بين السلطة بالعمل النقابي المنظم نستخلص أن أي تدخل قسري للسلطة في الشأن النقابي تكون نتيجته الفشل في احتواء المنظمة رغم خضوعها ظرفيا كما يأتي في الغالب بنتيجة عكسية، ويستعيد النقابيون زمام المبادرة ودرء التدخل في شأنهم. وفي ما يلي استعراض لأهم المحطات التي مرت بها العلاقة بين السلطة والعمل النقابي منذ أول تجربة نقابية عرفتها البلاد إلى وقتنا الراهن.:

1/ فشل تجربتي جامعة عموم العملة الأولى والثانية :

تعتبر جامعة عموم العملة التونسية أول منظمة نقابية تونسية وعربية. ظهرت عام 1924 ولكنها لم تعمر إلا بضعة أشهر، رغم الانتشار السريع الذي عرفته في العاصمة وفي منطقة بنزرت ، ومنطقة المناجم بالجنوب الغربي. و وقد وجدت في بدايتها مساندة من الحزب الحر الدستوري التونسي و الحزب الشيوعي التونسي الذي كان يسعى لإضعاف نقابة الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية التي يهيمن عليها آنذاك غريمه فرع الحزب الاشتراكي الفرنسي بتونس. ولكن في مطلع عام 1925 أي بعد بضعة أشهر فقط من ظهورها تحالف ضدها الاشتراكيون والدستوريون والإصلاحيون، حيث كان الدستوريون يخشون مواقف المنظمة النقابية التي اعتبروها "متطرفة"، وقد التقى الدساترة في موقفهم مع إدارة الحماية التي تتهم جامعة عموم العملة ب"الموالاة للحركة الشيوعية"، وهو ما حدا بهما / إدارتا الحزب والحماية / إلى التحالف موضوعيا لضرب هذه التجربة النقابية الوطنية وهي في المهد وخضعت قيادات الجامعة إلى التتبعات العدلية للسلط الاستعمارية و أحيل قادتها على المحاكمة والنفي، مما حكم على التجربة الأولى بالفشل.

و تكرر الأمر ذاته سنة 1937 مع قيادة الحزب الحر الدستوري الجديد بقيادة الحبيب بورقيبة الذي عمل على تطويع النضال النقابي لصالح النضال السياسي لفائدة الحزب، إلا أن الكاتب العام لجامعة عموم العملة التونسيين الثانية، بقيادة بلقاسم القناوي، تشبث بفصل النقابي عن السياسي، وهو ما دفع بالحزب إلى التحرك للسيطرة على هذه النقابة وإفشال مؤتمرها باقتحام المؤتمر من طرف مجموعة من الدساترة في مقدمتهم الهادي نويرة.

2/ تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل وعلاقته بالسلطة :

توقف النشاط النقابي بعد فشل التجربة الثانية لجامعة عموم العملة التونسيين نتيجة سطو الدساترة على مؤتمرها واندلاع الحرب العالمية الثانية. لكن الزعيم فرحات حشاد الذي نجح مع رفاقه في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل من خلال توحيد النقابات الوطنية في الشمال والجنوب والنقابة العامة للموظفين مما أحدث نقلة نوعية في التنظيم النقابي على مستويي الهيكل والمضمون، فتمكن على المستوى الأول من الانتشار والتمدد في أغلب مناطق البلاد، و على مستوى الخطاب أو المضمون فقد أصبح يمزج بين النضال النقابي المطلبي والنضال الوطني ولا يفصل بينهما. وانطلاقا من ذلك ناضل الاتحاد العام التونسي للشغل، جنبا إلى جنب، مع الحركة الوطنية التونسية، وأدمج النضال الوطني بالنضال المطلبي النقابي.. حيث تولى الاتحاد قيادة معركة النضال الوطني السياسي والمسلح إبان ثورة التحرير الوطني في غياب القيادات السياسية المنفية أو المبعدة أو السجينة.

المصادر :

-مقال الحركة النقابية التونسية :المجلة المغاربية للدراسات التاريخية والاجتماعية

-تطور النضال النقابي في تونس 1924 - 1956 مجلة تاريخ المغرب العربي

-الحركة النقابية ودورها في استقلال تونس - سمية قباج

- دور الاتحاد العام التونسي للشغل في دعم المقاومة التونسية :مجلة العلوم الانسانية

يتبع 

***** عبد العزيز بوعزي-القصرين / تونس *****