سكة حديد القصرين مرة أخرى، لن نسلّم
الشعب نيوز/ عبد العزيز بوعزّي: كتب الأخ عبد العزيز بوعزّي عضو الاتحاد الجهوي للشغل بالقصرين والكاتب العام بالنيابة عن وضع السكّة الحديدية في القصرين المقطوعة منذ عقود:
" نظرا لما يكتسيه موضوع السكة الحديدية من أهمية وخاصة في جهة القصرين التي يكافح أهلها من أجل التمييز الايجابي والتنمية العادلة، وإذا كان قطار المغرب العربي قد عاد إلى سالف نشاطه فإن موضوع الخطوط الحديدية التي تربط القصرين بالشمال والجنوب والساحل لا زال لم ير النور بعد وللاهمية أعيد نشر هذا المقال الذي سبق و نشرته في شهر فيفري 2023 .
***متى تعود الحياة للسكة الحديدية في القصرين ولقطار المغرب العربي؟ ***
عندما احتلت فرنسا الاستعمارية بلاد المغرب في أوقات مختلفة بداية بالجزائر (1830) تونس (1881) المغرب (1912) بدأت بتنظيم مجال بلاد المغرب بتوظيفه في خدمة مصالحها الاستعمارية وذلك بإستخراج المواد الأولية من مواد طاقية( فحم حجري - نفط - غاز... ) ومنجمية ( حديد - نحاس- رصاص - أورانيوم....) وطبيعية ( غابية ونباتية) هذا بالطبع بعد الاستيلاء على أجود أنواع الأراضي الزراعية سواء تلك التي كانت ملكا للبايليك ورجال السلطة أو بإنتزاع أراضي العروش واراضي الاحباس. وسوف لن أفصّل في ذلك بإعتبار أن الموضوع يتعلق بقطار المغرب العربي.
فقد باشرت السلطات الاستعمارية منذ الايام الأولى بإرسال البعثات العلمية لإجراء مسح على كامل التراب الوطني في تونس وكذلك الحال في الجزائر والمملكة المغربية لدراسة خصائص كل جهة واستكشاف الموارد المتوفرة فيها. كما قامت سلطات الاستعمار بإنجاز خرائط طوبوغرافية بحجم 50/1 ثبتت عليها الخصائص التضاريسية لكل منطقة و ارتفاعها عن مستوى سطح البحر وما تحتويه من أودية وعيون... كما ثبتت على هذه الخرائط الأسماء المحلية المعروفة لدى أهلها وكذلك اسماء القبائل والعروش المتوطنة بها. وأوفدت بعثات أخرى لإستكشاف المواقع الاثرية واجراء الحفريات عليها ونقل مايعثرون عليه من آثار ( تماثيل - أواني فخارية أو معدنية- عملات نقدية) وهي تزين الآن متاحف فرنسا وأبرزها متحف اللوفر الذي يحتوي على أجنحة لأثار بلاد المغرب لكل العصور من العصور الحجرية حتى دخول المستعمر. وبعد تحديد أماكن تواجد المواد الأولية والمنجمية باشرت السلطات الفرنسية بربط هذه المناطق بالموانئ قصد نقل المواد المستخرجة إلى المركز (فرنسا) لتحويلها الزيادة في قيمتها الاضافية . فقامت بمد سكك حديدية بين أهم الموانئ ( تونس-سوسة - صفاقس) بمصادر المواد الأولية فربط الخط الأول ميناء حلق الوادى بجبل الجريصة (الحديد) وجبل القلعة الجرداء ( الفوسفاط) يتواصل إلى القصرين التي لم تكن غير منطقة لتجميع نبات الحلفاء الذي يشحن منها إلى ميناء سوسة الذي يتصل بها بخط حديدي ومنه إلى ميناء مرسيليا. كما ارتبط ميناء صفاقس بخط حديدي بالحوض المنجمي لنقل الفوسفاط. وقد ارتبطت نشأة العديد من المدن ( الجريصة - القلعة الجرداء - القصرين - حيدرة - فوسانة- المتلوي - أم العرائس - الرديف.....) بخط السكة الحديدية الذي يصلها لنقل ما تنتجه تلك المنطقة. وكان تأسيس أغلب هذه المدن من قبل الأجانب من فرنسيين وايطاليين ومالطيين وإسبان ونشأت حولها أحياء لعمال تلك المناطق من السكان المحليين وكذلك من الجزائر والمغرب وحتى الليبيين (الطرابلسية). وقد عرفت هذه المدن في تلك الفترة ازدهارا ونشاطا اقتصاديا وثقافيا كبيرا حيث كانت تشهد عروضا مسرحية وموسيقية وسنيمائيا.
كما عملت السلطات الاستعمارية الفرنسية على مد خط حديدي يصل تونس بالجزائر والدار البيضاء في المغرب الأقصى، وكان تستغله في نقل قواتها ومعداتها العسكرية كلما كانت لذلك حاجة. وقد استمر هذا الخط المغاربي بالنشاط إلى وقت قريب ولكنه توقف بشكل نهائي في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف الجزائري - المغربي. كما أن الحكومات التونسية المتعاقبة قد أهملت الخطوط الحديدية الموروثة عن المستعمر فتوقف خط تونس في القلعة الخصبة ولم يعد يصل القصرين التي توقف كذلك الخط الذي كان يصلها بسوسة ولم يعد قابلا حتى للاصلاح بعدما غمره سد سيدي سعد بجهة القيروان. وكذلك الخط الذي كان يربطها بقفصة عبر ماجل بلعباس بشكل نهائي ولا أمل في عودته بتاتا. وبذلك تدهور وضع المدن التي كان يصلها الخط الحديدي كالجريصة والقلعة الخصبة بعد إغلاق مناجمها.
كما أن تنمية وتطور المناطق الداخلية وجلب الاستثمارات إليها، لن يتحقق بدون إعادة الحياة لهذه الخطوط الحديدية وتطويرها وذلك بتوسعة السكة الحديدية وكهربتها. لأن النقل الحديدي أكثر جدوى وأقل كلفة. وكما هو معلوم أن السيطرة على المجال والتحكم فيه وحسن توظيفه لا يتحقق الا بالنقل الحديدي المتطور وهذا ما تفطنت إليه السلطات المغربية حيث أتمت إنجاز خط حديدي سريع (TGV) يربط طنجة بالدار البيضاء. كما أن وحدة الدول وتطويرها لا يتحقق بغير السكة الحديدية وهذا ما أقدم عليه بسمارك في ألمانيا التي كانت تتألف من عشرات المقاطعات المتحارية ولم تتحقق وحدتها الا بعد ربطها بالخطوط الحديدية. وإذا كانت وحدة بلاد المغرب العربي أمل لكل أبنائها فإن أحد عوامل نجاح هذه الوحدة هو عودة الحياة لخط المغرب العربي وتفعيل الطريق السريع المغاربي والتقليل من الإجراءات المتشددة عبر المعابر الحدودية لتسهيل تنقل المسافرين في انتظار إزالة الحدود مرة واحدة بعد زوال الخلافات السياسية بين الحكام ويبقى الأمل قائما في الوحدة المنشودة حتى يمكن للجزائريين السفر للمغرب وللمغاربة الوصول إلى تونس برا بدون منع وحتى لايسجن سبعة مواطنين تونسيين فقراء قاموا بنقل بضاعة جزائرية للإرتزاق منها .