ثقافي

السلطة الرابعة مسرحية عن الصحفيين والصحافة ومؤسساتها ومطالب وغايات مالكيها

الشعب نيوز/ حسني عبدالرحيم - ربما لا تُعرف معضلة الصحافة بقراءة الكتب عنها وتتبع تاريخ كبارالصحفيين الذين أرتفع بعضهم لمستوى نجوم السينما وجهابذة السياسيين!الصحافة مؤسسات والمؤسسات الصحفية أصبحت صناعة يملكها رؤوس الأموال وتديرها مجالس إدارات ضخمة مثل المؤسسات الصناعية والبنكية! لماذا ؟ لإن الصحافة لم تعد التعبير عن الرأي العام بل هي تشكله وتقوم على صناعته ! 

مسيرة صحفي بداية من أحلام الشباب بعد إنهاء دراستهم بتغيير العالم بواسطة الكتابة الصحفية وتبني ما يسهم في تطوير البلاد وتأطير العباد بما يخدم الصالح العام ومواجهة تجاوزات السلطات هو ماصنع التعبير الشائع "السلطة الرابعة".

على رُكح "الأرتستو"عُرضت مؤخرآ (منتصف شهر جوان) بعد عرضها في المسرح البلدي وفي مهرجانات مختلفة وكذلك بباريس.. الميلودراما المسرحية بأسمها"السلطة الرابعة" الذي يشير للمساءلة وربما التهكم من أوضاعها عبر مسارات صحفي فرد يبدأ حياته المهنية برفض التوظف أستاذآ في التعليم العمومي ليتسلق هضاب المجد الصحفي لكي يصير كما يتمنى "نار على علم".

 وبينما يخبر حبيبته بذلك، تتوهج عيناه فخرآ لإنه وضع أمامها بوصلة حياته كساعي للمجد ليصير كما "محمد حسنين هيكل" أو "توماس فريدمان"يخاطب الملوك والرؤساء ويسقط الحكومات ويشير للبدأ في المشاريع المحورية!

الخطيبة وهي تستمع لهذيان من كانت تتوقع أن يصير خطيبها أو زوجها تدير ظهرها لهذا الحالم الباكي المتعلق برومنسيات أيام زمان والتي كان فيها "بيرم التونسي" يصدر صحيفته وحده لكي بنتقد فساد أحوال زمانه وحكامه وقارئيه، عندما كانت عناوين الصفحة الأولى تسقط ملوك وتسجن رؤساء، لقد تغير كل شئ ليبقى الوضع على حاله المُلك لمِن ملَكَ!

"علي" الخريج الشاب في المدينة المعمورة" تونس" يكتب المقال الأول والذي ينم عن قدرات تعبيرية وأدبية واضحة ويرسله للجريدة المختارة فيستدعيه القائم عليها (رئيس التحرير) للقائه ليعمل لديه. فأي حظ سعيد يبدأه" علي"بمقابلة الرئيس دفعة واحدة ليعرض عليه مشروعاته الإصلاحية بألكتابة في موضوعات تخص المجتمع وسكانه ؟

لكن الرئيس كان لديه أولويات مختلفة تخص المستثمرين لاموالهم في الصحيفة وتخص المحافظة على السلم الإجتماعي والدخل السياحي وعدم إثارة المواجع في قلوب هـؤلاء المتنفذين وخاصة أن إقتراحه الأول يتعلق بتحقيق حول إنتشار الشحاذين في بلاد سياحية، وهذا يخيف القادمين للإسترخاء عند قراءته وليس عند مشاهدته في الشوارع وعلى مقربة من المنتجعات!

يتحول "علي" لموضوعات أخرى يفضلها الرئيس وينتظر بفارغ الصبر اليوم الموعود لخروج موضوعه الأول بعد أن أخبر معارفه بألموعد التاريخي ليفرحوا بمفتتح نجم الصحافة الموعود فيجد التحقيق في الصفحات الداخليه وبدون توقيعه الذي سقط في الطباعه دون غيره من الكلمات!

الشكوى بعد الألم لمن يعتبره المسؤول عن ذلك والذي يخبره إنه شخصيآ في بداياته حدث ذلك كثيرآ مع توقيعه! حدث أن سقط في المطبعة! والمِعلم في المطبعة يوضح له ان الصحافة ليست حول التوقيعات ولا حول المقالات بل حول التواجد في الفجر على أرفف بائعي الصحف بغض النظر عن مصير التوقيعات والتى لايراها غالبآ سوى شلة من المشترين للصحف السيارة!

"علي" الطموح يخبرنا بانه يتحدث من تونس الغالية فبعد حصوله على البطاقة المهنية يذهب ليرتاد كألآخرين "دار الصحفي" ليقابل نجوم المهنة وروادها ويتنور بتجاربهم ومقترحاتهم!لكنه يجدها "حانة" يعمها الضجيج بمختلف اللغات المفهومة والغامضة!عليه ان يتيكف مع ألأوضاع فيؤم حفلات الإستقبال الفاخرة ويتعرف برجال ونساء المجتمع ويمدحهم ويجاريهم ويلبس لكل مناسبة فيستة مختلفة!

ينتهي الحال ب"علي" إلى الوحدة، عجوزا متقاعدا عازبا ومدمنا وتعيسا يتحسر على ضياع أيامه ويرتدي كل البذلات والكرافتات معآ بينما قلبها في كل تحول في المسارات وظلَ يعلقها على مشجبه في غرفته التعيسة لكى يشاهد نفسه فى مرآته رجل لكل العصور ! أو كما عبر الروائي والصحفي ورئيس التحرير المصري المعروف "فتحي غانم " في روايته الأشهر "الرجل الذي فقد ظله"وهو يحكي عن نفسه وجيله في صحافة عصر ما و زمن مسكون بالحجب والتكيف والخواء، "زمن حاتم زهران"

الممثل القدير "خالد هويسة" لعب هذه التحولات الدراماتيكية ببراعة : التحول من الهزل للجدية للحسرة للضحك على المآلات. وحده على رُكح صغير وسط جمهور كانت غالبيته من الصحفيين والإعلاميين شاهدوا حالهم في مرآته التى تتوسط خلفية الرٌكح. كان الديكور البسيط من مشجب ملابس وطاولة مملؤة بعلب الأدوية وزجاجات الشراب وحسرات الأيام الضائعة. الإخراج للقديركمخرج وكاتب للنص" عبد القادر بن سعيد".