في محاضرة القاها بالجزائر، لطفي بن عيسى يحدد المدخل التشريعي لإرساء مقومات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
تونس/ الشعب نيوز- القى الاستاذ لطفي بن عيسى على منبر المعهد العربي للثقافة العمالية وبحوث العمل بالجزائر التابع لإدارة الحماية الاجتماعية في منظمة العمل العربية محاضرة تحت عنوان " المدخل التشريعي لإرساء مقومات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني " وذلك في اطار ندوة عامة انتظمت يومي 22 و23 جويلية 2024 تحت عنوان " "الاقتصاد الاجتماعي والتضامني : فرص وتحديات".
وبالنظر الى اهمية ما جاء في المداخلة، وتعميما للفائدة ننشرها كاملة.
1. تؤثث الجوانب التشريعية والترتيبية مرحلة مفصلية في مسار تنظيم نسيج متعدد ومتنوع من المؤسسات تحت يافطة "الاقتصاد الاجتماعي والتضامني" باعتبار أنه يجمعها حول تعريف و مبادئ وقيم و أهداف تنموية موحدة كما أنه يحدث مؤسساتها التمثيلية والتقريرية والاستشارية ويركز آليات تمويلها وأدواتها الإحصائية الخصوصية ما من شأنه أن يؤسس لكتلة اقتصادية قائمة بذاتها تحظى بالمرئية والمكانة الحرية بها وتساهم من موقعها في أنسنة الاقتصاد وخلق الثروة وتوزيعها بشكل عادل على مختلف طبقات وشرائح المجتمع في كل المجالات الترابية (سواحل ودواخل) دون استثناء.
2. تختلف المقاربة التشريعية من بلد لآخر ويمكن حوصلتها في مقاربتين اثنتين:
- مقاربة أولى تتمثل في البدء بوضع قانون اطاري للاقتصاد الاجتماعي والتضامني ثم المرور الى مراجعة التشريعات الخصوصية المنظمة لمختلف مكونات منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني (التاريخية منها والجديدة) لملاءمتها مع احكام النص المرجعي (اسبانيا - تونس).
- أما المقاربة الثانية فتتمثل في صياغة الاحكام المشتركة والتعديلات الخاصة بكل صنف من أصناف المؤسسات ضمن نفس النص القانوني. (فرنسا – المغرب).
3. تتوسط اللحظة التشريعية مرحلة تمهيدية وأخرى ختامية.
- تتعلق المرحلة التمهيدية بالاعتراف السياسي بالدور التنموي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني وترجمة ذلك الاعتراف في السياسات الحكومية ضمن محاور مخططات التنمية وأهدافها واجراءات ميزانيات الدولة ذات الصبغة المالية والجبائية.
- أما المرحلة الختامية فتتعلق بتموضع هذا القطاع في المشهد الاقتصادي والاجتماعي بين القطاعين التقليديين العمومي والخاص حيث يتميز نمط الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على النمطين المذكورين بقدرته على احكام المعادلة بين المردودية الاقتصادية والغاية الاجتماعية إذ غالبا ما يغيب عنصر المردودية لدى المؤسسات والمنشآت العمومية بحكم إعطائها الأولوية للجانب الاجتماعي فيما يطغى عادة الهاجس الربحي في القطاع الخاص رغم الزامه قانونا بمسؤوليات اجتماعية وبيئية.
-4. يضمن التمشي التشاركي تكامل الأدوار بين الدولة بمختلف مؤسساتها المركزية والمحلية من جهة والمجتمع المدني لا سيما المنظمات الوطنية ومختلف الجمعيات والشبكات المعنية بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والجامعات ومراكز البحوث والدراسات وغيرها من جهة أخرى وذلك في كل مراحل إرساء دعائم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وبغض النظر عن الجهة المبادرة بعملية التأسيس القانوني سواء كانت الدولة (الملك في المغرب) أو المجتمع المدني (الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس).
-5. غير ان المسار العام لا يسير وفق خط مستقيم بل يشهد تعرجات وتعقيدات وتوترات ومراجعات وتراجعات تفرضها التقلبات السريعة لموازين القوى السياسية كما هو الشأن في الحالة التونسية حيث ارتقى الاقتصاد الاجتماعي والتضامنـي إلـى مرتبـــة الخيـار الإســتراتيجي ضمـن السياسـة التنموية للدولـة التونسـية والاعتراف بـه رسـميا كرافـد ثالـث للاقتصاد الوطني إلى جانـب القطاعـين العام والخاص وذلـك بالتنصيـص علـى ضـرورة تركيزه وتطويـره سـواء في العقـد الاجتماعـي الممضـى بـين أطـراف الإنتـاج الثـلاثة : الدولـة و منظمة الشغالين بالفكر والساعد (الاتحـاد العـام التونسـي للشـغل) ومنظمة الأعراف (الاتحاد التونسي للصناعـة والتجارة والصناعات التقليديـة) ســنة 2013 أو في مخطـط التنميـة 2016-2020 المصادق عليـه مـن قبـل مجلـس نـواب الشـعب .وكترجمـة عمليــة لهـذا الاعتـراف الحكومي أعدت وزارة التنميـــة والاسـتثمار والتعـاون الدولـي أول دراسـة إسـتراتيجية سـنة 2017 كمـا تم تعيـين وزيـر مكلـف بالاقتصـاد الاجتماعـي والتضامنـي لـدى رئاسة الحكومة في شـهر نوفمبـر 2018 (لكن الخطة لم تعمر طويلا : ستة أشهر). وتوج هذا المسار بمصادقة مجلس النواب على القانون الإطاري للاقتصاد الاجتماعـي والتضامني في شهر جوان (يونيو) 2020. ومنذ ذلك التاريخ وبعد مرور أربع سنوات لم يصدر أي نص تطبيقي لتفعيل القانون المذكور ومقابل ذلك ظهر في المشهد الاقتصادي التونسي فاعل جديد سنة 2022 يتمثل فيما يسمى بالشركات الأهلية وهو صنف جديد من التعاضديات يراهن عليها رئيس الدولة كآلية أساسية للعمل التنموي ضمن رؤية جديدة للحوكمة المحلية (أو ما يسمى بالبناء القاعدي) نص عليها دستور سنة 2022 الذي ألغى دستور سنة 2014 علما أن هذا الأخير كان يتضمن بابا كاملا يتعلق بالسلطة المحلية ومسار اللامركزية الذي بات مآلها غامضا.
-6. يتموضع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المشهد الاقتصادي والاجتماعي من خلال ثلاث تقاطعات:
- أولاً، السوق، حيث يتميز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بعرض سلع وخدمات بجودة وأسعار تنافسية، في مختلف الفروع الانتاجية (مثل الفلاحة والصناعات الغذائية والصناعات التقليدية والصناعات المعملية والسياحة والخدمات الاجتماعية، وغيرها)، يتم إنتاجها وانجازها وفقا لقواعد المسؤولية الاجتماعية والمجتمعية والبيئية.
- ثانيا، المجتمع المدني، من خلال التضامن مع الحركات الاجتماعية والمجتمعية المنخرطة في النضال من أجل المساواة وضد التمييز، والحركات المواطنية التي تدافع عن البيئة والحركات النقابية التي تناضل من أجل العمل اللائق وتحسين القدرة الشرائية للمواطن وتساوي الفرص بين الرجل والمرأة.
- ثالثًا، بصفته اقتصاد قرب، فإن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يتقاطع مع السياسات العمومية فيما يتعلق بالتنمية المحلية لا سيما من خلال انجاز برامج تنموية في إطار تعاقدي مع الجماعات المحلية.
-7. يتأكد دور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الفعال خاصة زمن الأزمات لما يتميز به من قدرة كبيرة على الصمود والسر في ذلك المبادئ التي يحملها كما سنشرحه لاحقا. لكن لا ينحصر دور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في اصلاح ما تفسده الحروب او الأزمات الدورية للرأسمالية العالمية والسياسات النيوليبرالية بصفة عامة بل يرقى الى الاسهام في بناء منوال تنمية بديل حيث نجد ضمن أولوياته استراتيجية استعادة التوازنات بين الانسان وراس المال وبين الانسان والطبيعة وبين الطبقات والفئات الاجتماعية وبين الجهات وبين الأجيال وبين قطاعات الإنتاج (الفلاحي والصناعي والخدماتي والرقمي) وبين الانماط الاقتصادية (العمومي والخاص والاجتماعي والتضامني و غير المنظم)