آخر ساعة

ياسر الجرادي يحشد العئات من رفاقه ومحبي اغنياته في موكب جنازته بمدينة قابس

الشعب نيوز/ قابس - في أجواء خيمها عليها الحزن، ودع المئات من افراد عائلته وابناء مدينته واصدقائه ورفاقه ومحبيه الى مثواه الاخير في مقبرة سيدي بولبابة بقابس، الفنان المبدع ياسر الجرادي الذي وافته المنية فجر الاثنين 12 أوت 2024. 

العشرات بل المئات من اصدقائه ومحبي موسيقاه وغنائه تحولوا، رغم طول المسافات وحرارة الطقس، الى مدينة قابس التي جاؤوها من مختلف مدن الجمهورية ليودعوا فنانا نذر حياته وعصارة فكره للغناء عن الكادحين والمظلومين، منتصرا كما عرفناه للحقوق والقضايا الانسانية العادلة.

وكعادته، برز الرفيق أيوب عمارة بالقاء نص مسهب، عقلا وعاطفة، أبّن به الفقيد العزيز ياسر الجرادي، فقيدنا جميعا. 

وحيث لفت انتباهنا ما قرأه الرفيق ايوب عمارة في تابين الراحل العزيز، فقد تعسفنا عليه ونشرنا هنا نصه قبل استشارته في ذلك:

هذا سيّدنا النبيل، لقد توقّف عن الغناء....

#ياسىر يا ابن سنابل القمح والحلم والأغنيات التي يعتزّ بها الفقراء من الناس !

#ياسر يا ابن الأرض، كلّ الأرض صارت أجفانها تنزف بأنهار الدمع !

يا ابن براءة الدنيا وقلق الدهر وضربة البرق في الليلة الظالمة !

#ياسر يا ابن البلاد التي التحفت بالسواد !

يا ابن البلاد التي رفعت فيها رايات الحداد !

يا ابن البلاد التي ما عاد فيها قمح، ما عاد فيها غناء، نبكي وتبكيها السماء.

يا ابن الفرح الذي لم يكتمل، يا ابن الثورة التي لم تكتمل، يا ابن الحلم الذي لم يكتمل، يا ابن الجيل الذي قتل، يا ابن العمّال ودم الشهداء والرجال وزغاريد النساء الطيّبات الكادحات الحزينات الشامخات شموخ الجبال !

#ياسر يا ابن هديل اليمام في ساعات اليأس !

هل سئمت خسائرنا؟

هل أعيتك أشداق الدهر؟

هل أضنتك سكاكين ذوي القربى؟

هل هي الثقوب السوداء لهذه الثورة التي ابتعلت أغانيك التي لم يصل صداها؟

هل هي العقبان السّود من طاردت البلابل ومنعت عنها الغناء؟

هل هي البلاد التي لم تعد بلادنا فلم يعد لنا غير الرثاء؟

هل هي البلاد التي لم تعد بلادنا فقرّرت أن تسبقنا إلى الشهداء ومن مات من الأصدقاء؟

عذرا ياسر..

لا أعرف هل أنا أسمّيك الآن أم أنّي سأُكثر من الاعتذار؟

عذرا ياسر.. لقد نسيتك البلاد لأنّها سبيّة رهط جديد من السياسيين والدجّالين والمشعوذين والقتلة المأجورين، وستنساك مثلما نسيت شعراءها وكتّابها وفلاسفتها ونقّادها وثورييها.

عذرا ياسر.. لقد نسيتك البلاد لأنّ يمينها الذي اغتال رفاقك شرّدك عن الآخرين من رفاقك فلم نعد نلتقي إلا في الجنائز.

عذرا ياسر.. لقد نسيتك البلاد لأنّ يسارها لم ينج من بشاعة مخياله السياسي فذهب وئيدا في النسيان ليترك جمرة في القلب قتلتك وستقتلنا بعدك بعد حين.

عذرا ياسر.. إنّ طفلا في غزّة ليلة البارحة، يحمل كيسا من لحم أبيه الشهيد، انتبه لموتك أيضا، فأوجد لك نصيبا من الدمع باسم الله والحبّ وأوجاع الأنبياء وظلم الدّهر والقهر فكان أصدق من بعض الخونة أصابتنا الأيّام بجحيمهم.

عذرا ياسر.. "إنّ صديق الحقيقة ليس صديقا لأحد"، فعذرا، عذرا يا أخي ودمي لأنّي أقولها الآن دون خجل.

يا ابن الحجل البرّي...

من غيرك غجريّ هذه الثورة؟

من غيرك الذي غنّى للفقراء والأطفال بالمجان؟

من غيرك الذي وقف مع أطول الواقفين في ساحات الرفض؟

من غيرك الذي ارتحل في هذه البلاد من جنوبها إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها مردّدا بصوته الغجري "نرجعلك ديما ديما"؟

من غيرك الذي يهاجر في اليوم آلاف المرّات أيها الغجري؟

ألم تكن بالأمس ريشة طاووس في معرض انتمائك إلى الفنّ التشكيلي؟

ألم تكن بالأمس رقصة الكلمات في معرض انتمائك إلى الخطّ العربي؟

ألم تكن بالأمس في ضيافة الموسيقى أم أنّك آمنت بأنّ "الحياة بلا موسيقى خطأ فادح" يا ياسر؟

"اااااه يا ياسر.. ياسر حلّيت قلبك للناس وما خفت من القوّاد والعسّاس

ياسر حلّيت قلبك للناس ورغم همّك عطيتهم قوّة المعنى والإحساس

ياسر حلّيت قلبك للناس وحتى كي ضرّوك كنت تقول لاباس

ياسر حلّيت قلبك للنّاس وعمرك ما قلت شبيه فرغ الكاس"

خذيه يا سماوات الله..

خذيه منّا.. من حمّى القلب المذعور، من ارتجافة الدم في الشريان، من دمعة القهر، فلقد كان يغنّي.

خذيه يا سماوات الله..

خذيه منّا.. من نكباتنا وخساراتنا، من يأسنا وضعفنا، من صمتنا وصدمتنا، فلقد كان يغنّي.

خذيه يا سماوات الله..

خذيه منّا.. من فراغنا وحرماننا، من غضبنا وسقوطنا، من وحدتنا وتشتّتنا، فلقد كان يغنّي.

خذيه يا سماوات الله..

خذيه منّا.. نحن الذين صمتنا، نحن الذين أصابنا بعض الكره، نحن الذين فقدنا من قبله بعض الأعزاء، ولكنّه الوحيد الذي كان يغنّي.

خذيه يا سماوات الله..

خذيه منّا.. إلى براءة قلبه، إلى الشهداء في يوم قيامتهم، إلى الأحبّة في يوم ساعتهم، إلى شكري بلعيد ومحمد البراهمي الصغير أولاد أحمد مالك الصغيري جاد الهنشيري حمزة القرصان ريم الحمروني نجيبة الحمروني مي الجريبي وأحلام بالحاج وعدنان المدب ولينا بن مهنّي ...فلهؤلاء، لهؤلاء كان يغنّي.

خذيه يا سماوات الله..

خذيه منّا، واغفري له، فذنبه الوحيد أنه كان يغنّي... حرّا مثل جدول ماء، حارّا مثل الدماء، صادقا مثل قصص الأنبياء، بريئا مثل أطفال الفقراء، قويّا مثل وحوش الصحراء، ثائرا مثل مواويل الغناء، عاشقا مثل طفلة تراود نجوم السماء.

صاحبك و رفيقك أيوب