ثقافي

عن مسرحية "لوزينا " : لا يرفع الستار عن الرُكح فألمسرحية ليست عن الواقع إنها الواقع ذاته وقد تحول لفانتازيا

الشعب نيوز/ حسني عبد الرحيم - يأخذ المشاهدون مقاعدهم ويصمتون. رأس رجل مغطى جسمه كله بملابس بألوان متنوعة وينظر إليهم رأسه من على قمة هرم من الألوان الباذخة . لا نعرف لمن هذه الرأس المسيطرة من فوق على الرُكح وعلى القاعة . يهبط من أعلى ويخرج من هرم الدبش الملون لكي يتمخطر على الرُكح كملك متوج في ملابس عصرية ببذلة من ثلاث قطع ومنديل أحمر في جيبه وكرافت أصفر في عنقه.

 إنه ليس ملكآ عاديآ إنه "ملك الفريب" "الكغبوني "والذي يسيطر على تجارة البالة والذي خرج من القاع للقمة ولا ينتهى طموحه. إنه الإقتصادي الأوفر حظآ في المرحلة الحالية لإنه أستطاع أن يحول كل مخازن العاصمة لمعارض للفريب العادي والمتوسط والرفيع وأصبح الشارع الرئيسي يسمى بأسمه ا"شارع الكغبوني"ويخطط كذلك للمستقبل بأن يؤسس في المراكز والمساحات الفخمة التجارية جناح الكغبوني للملابس المستعلمة(الفريب) حتى في المطارات الدولية ينبغي وجود جناح الكغبوني في السوق الحرة (Free Shop)!

ليس شخصا بل مرحلة...

الكغبوني ليس شخصآ بل مرحلة ومؤسسة تدير المصنع (Louzina) الذي لا ينتج شيئآ بل يفرز البالات ويعدها للتوزيع على الشوارع في المخازن والطرقات، في كل المدن إنطلاقآ من المركز الرئيسي في الحفصية، ولديه إدارة منضبطة على رأسها المتخصص في الحسابات وتلفيق الفواتير والتعامل مع الضرائب والديوانه والضمان الإجتماعي والشرطة العدلية، ومديرة لمكتبه تلبس على الموضة من غير الفريب وترقص وتغني لمولاها وصاحب الفضل عليها وعلى المجتمع بتشغيله للآلاف في إمبراطورية الممتدة من الحفصية حتى طبرقة وبن قردان 

 جمهورية الفريب.

المصنع الذي لايصنع شيئآ بل يفرز(من الفرز وليس من الافراز) منتجات مستخدمة في أوروبا. به شغيلة نساء ورجال يبدأون يومهم في العمل بألنشيد الوطني الجديد المُقترح (يا كغبوني يا سيد الرجال) وهم بألطبع عليهم فرز الفريب الذي أمتلأ به الرُكح( المصنع) ليس فقط بل إرتفع بعضه فى ستار كبير في خلفية الرُكح وربما الحياة اليومية كراية وطنية .

العمال نساء ورجال يتعايشون وبينهم قصص حب" فيربية" مُعاد تدويرها وفرزها من برامج تلڤزية وحتى من حكايات تراثية فألمحاسب يغرم بألمرأة ألتحفونة والخدام يغوي زميلته ليتعاونوا في زيجة تساعد الى مواجهة مصاعب الحياة.

خبزك مع خبزي 

لايكتفي الخدامة بمشاريع العشق و الزواج بل يتذكرون أنهم أيضآ شغيلة ويذهبون لتكوين نقابة تنخرط في "بطحة محمد علي " ويرفعون المطالب بالمساواة في الأ جر والحماية الإجتماعية كخلفاء للشهيد "فرحات حشاد" الذي لم يعاصر رأسمالية الفريب ولم يعرفها، ويرفعون مطالبهم ويدخلون في مجادلات مع الكغبوني الذي لايتصورهم إلا مطيعين.

لكن "نقابي الفريب" يدخل في التفاوض ويحصل لهم على مطالبهم التى يقدمها للخدامة كإنتصار مبين لوحدة الشغيلة على طريق حشاد.

الخدامة ليسوا ملائكة فتغويهم قطع الفريب الجميلة التى يلبسونها مسروقة تحت ملابسهم لكن الأعراف في "المصنع" يفتشونهم فألمصانع لا تعمل بدون الأمن. العمال في ثورتهم وتناحرهم مع الكغبوني يحضرونه عنوة لمقدم الرُكح ويدفنونه في هرم سطحي تحت قطع الفريب الملونة وتنتهى الدراما بأغنية الكغبوني والذي مازال يحدق في المشاهدين ويرقص الجميع حوله بينما يبدو "الكغبوني" أنه مشغول بتقدير وتوزيع حساباته في البنوك الذي تتضخم من لاشئ!

رؤيا تشكيلية بديعة

المسرحية إنجاز مهم ل"هيكل الرحالي" من الناحية الدرامية والذي يتضمن رؤيا تشكيلية بديعة من الفريب للوحة تشكيلية بديعة ! المشهد كله مُبهج ووقائع الحكي متماسكة دون تمثيلات رمزية و أخلاقية وتحويلات الفريب أثناء العرض كأداة للصراع وكذلك كطريق للصعود والهبوط و الشخصي الإجتماعيين وكذلك كأرضية جمالية للواقع كما في "نهج مدريد" وفي المدن التونسية بإختلافها من "قربة" حتى "القصرين". تتحول المدينة لسوق ويتحول السوق للفريب ويتحول السكان لفزازين بحثآ عن القطع والماركات العالمية المستهلكة!

العمل الذي عُرض في إفتتاح الموسم المسرحي التياترو لثلاث أيام كاملة العدد سيعاد تمثيلة لثلاث ليال أخري نهاية أكتوبر ونحن ننصح بمشاهدته للجميع، ذلك لإن مشاهدته ممتعة ومبهجة بصريآ وحكائيآ وكذلك تطرح تساؤلات مزعجة ومفيدة حول ما صار إقتصاديآ وإجتماعيآ ظاهرة ذات مردودات ثقافية طفيلية حتى أصبح كما لو عنصر طبيعي في حياتنا اليومية-الفريب-حتى كبراديقم تفكير فريبي.

مغامرة مكلفة وناجحة

رؤية وإخراج "هيكل رحالي" ومساعد مخرج "هادي هلال" صوت وتوضيب عام"وليد حصير" إضاءة "محمد زيدان محرز" و الأزياء "ألطاف حبيري "والإنتاج" سرور الجبالي" التي تستحق شكرآ خاصآ للمغامرة الإنتاجية، المُكلفة والناجحة.

تمثيل: عَبَد الكريم البناني و زينب المالكي و"رحمة الجربي شطورو" و"هشام بوراوي" و"آمال العياري" و"ضحى حرز الله" و"بلال بن رمضان" و"سهير خمير " و"أمين حمزاوي" و"محمود السعيدي" وكلهم أجادوا دون إستثناء وبألذات" عبد الكريم البناني" في دوره البديع "الكغبوني " ملك الفريب.