وطني

فيلم "الدم عمرو ما يشيح " يلقي أضواء جديدة على معركة بنزرت وضحاياها من المدنيين.

 الشعب نيوز/ حسني عبالرحيم - في ذكرى الجلاء عن بنزرت (عيد الجلاء) تم عرض الفيلم التسجيلي الدم 'عمرو ما يشيح" هومن إنتاج المفكرة القانونية وإخراج المحررة بها "الفة لملوم"..وهوفي الواقع هو شهادة مصورة لأثنين من معاصري الحدث المأسوي والذي جرت وقائعة في مدينة وميناء "بنزرت" خلال العام 1961 !

فبعد الإستقلال الجزئي، بقيت القاعدة العسكرية الأكبر في تونس في الميناء الإستراتيچي في البحر المتوسط تحت السيادة الفرنسية مع الإلتزام من جانب فرنسا بحسب برتوكول لاحق على إتفاقية ألإستقلال! لكن أمور هائلة قد حدثت بين توقيع وثيقة الاستقلال وموقعة بنزرت هى رضوخ فرنسا في حربها الطويلة في الجزائر وبداية مفاوضات رحيل الجيش الفرنسي والمستوطنين عن المستعمرة الأهم في شمال أفريقيا والتي كانت ولاية فرنسية في جنوب المتوسط !  

تم ذلك في ظل صعود كبير للحركة القومية العربيه في بلاد شمال أفريقيا مدفوعة بإنتصار الجزائر ..ولم تكن تونس إستثناء فقد كان اليوسفيون حتى بعد إغتيال "صالح بن يوسف" والذي كان ضمن تحالف باندونج (عدم الإنحياز)- قبل إغتياله في ألمانيا - يشكلون تيارا قويا في البلاد وكذلك تشكيل الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بألمغرب (المهدي بن بركة) والذي صدر حكم بإعدامه في المغرب واختطف وأغتيل في باريس بمساعدة" الموساد"وچينرالات فرنسيين ومغاربه من بينهم الچينرال أوفقير!

وسط هذا التراجع الكبير لنفوذ فرنسا في شمال أفريقيا، أتت معركة "بنزرت" حيث كانت فرنسا توسع قاعدتها بمعاكسة للبرتوكول وتتملص من الإيفاء بإلتزامها بألجلاء التام في موعد آخره العام 1960!  كان بألقاعدة بميناء بنزرت حوالي 20 الف جندي ومطار حربي تم دعمهم لاحقآ - أثناء المواجهات - بمظللين وحاملة طائرات!

الديوان السياسي للحزب الدستوري بدأ تعبئة شعبية شاملة دفعت الآلالف من المواطنين لمحاصرة القاعدة وكانت قوات الجيش التونسي تقوم بقصف المطار! لكن تعبئة الأهالي الكبرى هي التي تم مواجهتها بألرصاص الحي سواء من الجنود الفرنسيين أو المستوطنين في وسط المدينة من ألمباني العالية التي تمترسوا بها! الحصيلة سقوط أكثر من ألف قتيل من المواطنين!

ثم إصدار الأمم المتحدة لقرار وقف الحرب وإنسحاب الجيش الفرنسي من معقله بألميناء

منذ ذلك اليوم صار يوم الجلاء (15 أكتوبر) موضوعا للتفسيرات المختلفة للمؤرخين والكتاب الذين يرى بعضهم أن مؤامرة قد دُبرت للخلاص من الحركة الشعبية الوطنية المتأثرة باليوسيفيين، وخاصة ان "صالح بن يوسف"كان معترضآ على وثيقة الإستقلال .

يأتي هذا الفيلم في موعده لكى يقدم أثنين - ذو حيثية - من المعاصرين والمشاهدين العيان والفاعلين للأحداث هما المناضل اليساري المخضرم "محمد صالح فليس" أبن المدينة وكذلك العقيد المتقاعد في الجيش "طارق دربال"- أبن المدينة أيضآ - والذي شارك في المواجهات، وهما أصدقاء تاريخيين منذ ذلك الحين!

الجديد في هذه الشهادة هو أنها تضعنا مباشرة في أماكن المواجهات وتحكي مالم يحكه التأريخ الرسمي - والذي يتفحصه من سنوات عدد من الأكاديميين- فعدد الشهداء من الحركة الشعبية كان بألالآف والذين تم تجميع جثثهم في مقبرة جماعية أزيلت فيما بعد (مقبرة العين) فيما تم إنشاء مقبرة ونصب تذكاري للشهداء الأمرالذي أعتمدته الحكاية الرسمية.

أما المواجهات التى تمت بين الجماهير المنتفضة والمسلحين والجنود الفرنسيين بوسط المدينة فقد تم إزالة آثارها من الأذهان والسردية الوطنية! لكن مازال العديدون من المؤرخين ينبشون في الأرشيفات في تونس وباريس لتبيان الحقيقة!

لكن شهادة هذا الفيلم تمثل إضافة جوهرية نظرآ للموقعين المختلفين للشاهدين وتاريخ كليهما النضالي والمهني ونظرآ لإنهما شاهدي عيان وليسا باحثين في الأوراق! الحضور للعرض الأول بقاعة "الريو" ضم باحثين ومناضلين من مختلف الأجيال وكانت مناقشتهم مثيرة ومتشعبة لإعادة التفكير في جوانب الحدث وإستنتاجاته والتي تشكل حجر أساس في الذاكرة الوطنية.