وطني

على هامش احتجاب "الشارع المغاربي"(3/3):   لا خطوط تحريرية لشركات الإنتاج ولا مرابيح للتلفزات في التعامل معها

الشعب نيوز/ متابعات – يأتي الزميل طارق السعيدي (أبو إبراهيم) في الجزء الثالث والأخير من المقال الذي كتبه على هامش احتجاب جريدة "الشارع المغاربي "، الى ضرورة استغلال امتياز الخبرة والاحتراف في الانتقال الى الرقمي الحرفي المهني القادر على منافسة الرقمي المعمم المشاع ويفكك خصائص العملية الإنتاجية في التلفزات قبل ان يصل الى توصية للدولة بان تحمي القطاع باعتباره حيويا وتاريخيا من الاندثار وان تأخذ بيده الى حين تجاوز مرحلة الانتقال الصعب.

طارق السعيدي (أبو إبراهيم)
[ ان التقنية بوصفها عنصرا حاسما في سياقات التغيير الاجتماعي لا تجد هذا الاجلال عند جورج بالاندييه الذي يعتبر انه من الوارد ان يخضع المجتمع السيل الجارف للتقنية الى ديناميكياته الثقافية الخاصة، وبالتالي فان هناك ديناميات تغيير اجتماعي لا تخضع بالضرورة الى المنطق التعسفي لهيمنة التقنية ومقولات الحتمية التاريخية. 
ومن هنا يمكن لقطاع الصحافة، بوصفه مجتمعا، ان يستند الى خصائصه لإعادة صياغة بناه ومواجهة هيمنة التدفق التقني. وبدل التصادم مع سيل التحديث التقني يمكن حسن توظيفه في تطوير حقل الاعلام وهنا يكمن الجهد المنتظر من الإعلاميين ومن الدولة. 

مطلوب من الدولة والإعلاميين حسن توظيف التحديث التقني بدل التصادم معه
ومن الافاق الممكنة هو الاعتماد على المراكمة المعرفية والعملية للإعلاميين واستغلال امتياز الخبرة والاحتراف في الانتقال الى الرقمي الحرفي المهني القادر على منافسة الرقمي المعمم المشاع. 
ليس الامر سهلا على اعتبار ان امتلاك هاتف ذكي والتحكم في بعض التقنيات من قبل أي فرد قد يدخله مجال منافسة الصحافة المحترفة غير ان التميز يمكن المحترفين الحقيقيين من إنتاجات ذات خصوصيات لا تطالها تطلعات المبتدئين والهواة. فمثلا طبيعة الأسئلة التي يطرحها الصحفي المحترف خلال الحوار تختلف عن أسئلة المبتدئين فالمدونة التي يستند اليه الصحفي تجعل قدرته أقوى على حسن اختيار زاوية النظر.
 ان المسالة لا تتعلق طبعا بالقدرة على التحكم في التقنية او غيرها، بل في السجل الخاص بالإعلام وهو سجل يمكن الإعلاميين والصحفيين من انتاج محتواهم بمضمون محترف راق وقادر على المنافسة. وسيكون على الفاعلين في الحقل الاعلامي بذل الجهد في التكوين وتطوير المهارات للتمكن من مسايرة التطورات المتسارعة للتقنية ولمنتجات التقنية.
قد يكون المضمون المتردي للإعلام في جل البرامج الفرجوية رغم نسب المشاهدة العالية قد بلغ مداه بعد ان وصل المشاهد الى مرحلة التشبع (saturation).

المشاهد المتتبع رأى في ذلك النوع من البرامج كل ما يمكن ان يرى. كلام بذيء، مواقف سيئة من الشأن العام، مضمون عنصري، خريجو سجون يحاضرون في الاخلاق العامة، سرقات أدبية، عرض الحياة الشخصية على قارعة التلفاز، اقتحام المساحات الخاصة للافراد وتدنيسها عبر عرضها للعموم، تصفية حسابات شخصية. 

 التميز يمكن المحترفين من إنتاجات ذات خصوصيات لا يطالها المبتدئون والهواة
ان كل ما ورد يطرح بشدة ضرورة اعادة الاعتبار الى هياكل التعديل قصد تخليص القطاع السمعي البصري من شوائب الرداءة ويتطلب هذا الامر نقاشا عاما بين هياكل المهنة والدولة حتى لا ننزلق الى مرحلة الرقابة والصنصرة. 
ثمة امر مهم للغاية وهو ان جل المؤسسات الإعلامية في الصحافة المسموعة والمرئية لا تحمل من صفة المؤسسة الإعلامية الا الشعار المرتبط بالاسم وحق البث. اما بقية المضمون فقد عهدت به التلفزات الى شركات انتاج. ستقولون ثم ماذا؟ ما العيب في ذلك؟ وسنجيب بان شركات الإنتاج، يا سادة، ليست مجبرة على ان يكون لها هيئة تحرير ولا ان يكون لها خط تحريري أصلا، بل تمثل كل فرصة للربح خطا تحريريا خاصا ومستقلا وهو ما يمثل مصدر الارتباك والارتجال والتخبط الحاصل في المشهد الإعلامي. 
سطوة شركات الانتاج
ولذلك نرى نفس البرنامج الإعلامي يجول في عدة تلفزات بنفس الوجوه ونفس المضمون. فاذا كان ذلك يعني تطابق الخطوط التحريرية لكل التلفزات التي جابها ذلك البرنامج فما الحاجة اذن الى التنوع والتعدد، ام ان التفزات بلا خطوط تحريرية أصلا وتقبل باي مصدر ممكن للربح. 
 وسنقول أيضا إجابة على سؤال ثم ماذا؟ ان عدم خوض المؤسسات الإعلامية التجربة الإنتاجية بذهنية المؤسسة الاقتصادية قد أفقدها، للأسف، القدرة على مراكمة المهارة والخبرات البراغماتية في التعرف الى نسق السوق وحسن توظيف فرص الاستثمار.

 فالتخلص من هاجس الربح لفائدة شركات الإنتاج وضع المؤسسة الإعلامية بوصفها مؤسسة اقتصادية في وضع الربح القليل والمخاطرة الأقل أي الخروج من دائرة التنافس ولكن هذا الخيار بالذات قد ارتهن المؤسسة الإعلامية لدى شركات الإنتاج وسحب عنها الى حد كبير صفة المؤسسة الاقتصادية. 
وبالتالي، فان التغلب على صعوبات السوق يتطلب أولا وقبل شيء معرفتها من خلال مواجهتها وابتداع الخطط الكفيلة بتفاديها وهو ما يطرح على المؤسسات الإعلامية استعادة الإنتاج الإعلامي ولو بشكل تدريجي من اجل الدربة ومن اجل ان يكون المنتج الإعلامي جديرا بوصفه بالعمل الصحفي.
واجب الدولة
في حديثي مع أحد الرفاق، قال ان قطاع الصحافة المكتوبة مازال الى الان ينتظر من الحكومة مستحقات بعض الصحف والمجلات مقابل ما قدمته من خدمات في مواجهة تأثيرات الكوفيد والتي تم تقييد الحصول عليها بشروط مجحفة. كذلك مازال القطاع الى الان ينتظر الدعم – غير المباشر - الذي يمثل بشكل ما حلا مهما والمتمثل في تنظيم توزيع الاشهار العمومي – وحتى الخاص - واقتناءات الهياكل العمومية من الصحف والمجلات. لا ينتظر القطاع هذا الدعم -غير المباشر- فقط وفق رايه، بل الدعم المحمول على الدولة التي يجب ان تحمي القطاعات الحيوية والتاريخية من الاندثار وان تأخذ بيدها الى حين تجاوز مرحلة الانتقال الصعب. 
ان أهمية الدعم تبرز خاصة في عدم ربطه بعلاقات الرضا المتبادل بين الدولة والفاعليين السياسيين من ناحية والفاعليين الإعلاميين من ناحية أخرى. ان الدور المحمول على الدولة في مجال الاعلام هو المساندة المطلقة لتجاوز المازق في مستوييه المالي والاجتماعي حيث يجب ان لا تبقى الدولة مكتوفة الايدي – مثلا - في مواجهة ازمة الورق الذي ترتفع أسعاره بجنون. ]

اقرأ ايضا:  

على هامش احتجاب "الشارع المغاربي" (1/3) : هل تتوقع الدولة ان تتمكن من صياغة وتفعيل منوال تنموي جديد دون اعلام حر وفاعل؟

على هامش احتجاب "الشارع المغاربي"(2/3): ممارساتنا  مع الاعلام التقليدي محل مساءلة واندثار بعض الصحف  تمليه التقنية وسطوة العلم

-من سيء الى أسوإ: صحفيون بلا أجور لمدة أشهر، بلا تغطية اجتماعية لسنوات وبطالة قسرية زاحفة

-حقائق عن وضع الاعلام في تونس يكشفها توقف أسبوعية "الشارع المغاربي " عن الصدور