ثقافي

توفيق الجبالي يعود بـ"التابعة " الى نص قديم بتقنيات جديدة وممثلين آخرين في عرض مسرحي مبهر

الشعب نيوز/ حسني عبد الرحيم - "لتوفيق الجبالي" أحوال كما لجميع الناس! لكن أحوال توفيق هي أحوال مسرحية أحوال فنان ومبدع ينظر للمستقبل والماضي لكي يضعه ضمن هواجسه الآن. 

له عشرات الإبداعات كتابة وتمثيلآ وإخراجا بمراحل عمره المختلفة ! لكنه كمخرج مخضرم منذ السبعينات مع العددين من رواد المسرح التونسي وصاحب تجربة متفرده في صنع مسرحه" الخاص" في" التياترو"الذي قدم العشرات من الأعمال الرائدة وكذلك العديدين من الممثلين والمخرجين المجددين ناهيك عن جمهوره من المشاهدين الدائمين لأعماله والذين يشكلون ضمانة لإستقلاله وتطوره بحيث أصبح - في التياترو- كل المشاهدين نقاد شفويين وكذلك يكتبون نقدهم سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أو خلال الأوقات الحميمة التي يقضونها مع الفنانين بعد العروض في بهو وكافتيريا الصرح الثقافي المتميز "التياترو".

أمر يحرص عليه ويطالب به "توفيق" لمشاركة الجمهور في رؤية العروض وإبداء آرائهم حول ماشاهدوه وكذلك لتشجيع الفنانيين على مواصلة رحلة تطوير التعبير المسرحي وغالبيتهم مهنيين وليسوا متفرغين وتكونوا في "التياترو"خلال سنوات فصاروا جماعة متعددة الإجتهادات والأذواق.

للمرة الثانية بعد "المجنون" يعود توفيق لمعالجة نص مسرحي سابق له كان قد ألفه وأخرجه منذ سنوات(2015)… يعود ليس فقط بتقنيات مسرحية جديدة بل بممثلين آخرين ورؤية وتعديلات للنص السابق ! وبـ"توفيق جبالي"متغير عما كانه..إنه حالآ سيبلغ الثمانين ..ربما أكثر حكمة ولكن أشد رهافة وجنونآ مسرحيآ..وبألطبع ليراه جمهور مختلف عن السابق !

الخروج من" المسرح الأدبي" هو هاجس توفيق منذ "ثلاثين وأنا حاير فيه" و"المجنون" و" على هواك"..وفي الحالات كلها هناك قلق الجبالي نفسه تجاه عمله وجدواه ورؤيته للحاضر والتاريخ! واقعيآ توفيق يسائل نفسه وفنيآ هو فى منافسة مع ذاته المتحولة عبر الزمن والأحداث والتغيرات الدراماتيكية في العقدين الماضيين.

شذرات كتابية كتعبير غير متيقن وضبابي عن واقع مُذرّر وعالم كذلك على كف عفريت وأحداث مؤلمة - ك"التابعة" - ليصرح بصوته " نحن الصور الأكثر بشاعة بهذا العالم الانقراضي"

ستائر هابطة من أعلى الرُكح تشكل نصف دائرة تطل على المشاهدين لتواجههم بتابعتهم (هن) .. كمصير دائري مسكون بلعنة ولاتفتح إلا على "التابعة". يدخل الممثلون السته بحقائب سفر عليها صور لمآسي حدثت ومازالت ! مظاهرات ومواجهات لما كان ينبغي حدوثه بطريقة أخرى ولكنها لعنة malédiction ! الهاربون الذاهبون للامكان تواجههم أسئلة ليقدموا وثائق لكى يثبتوا أنهم خاليين من الأمراض المعدية وليس لديهم سوابق وأنهم على قيد الحياة وهي متطلبات للعبور بحقائبهم(هن) المصور عليها مآسي سابقة.

الشذرات عن مصائر وحكايات مأساوية لرجال ونساء يواجهون اللعنة المشتركة ويبقى سؤال هل البوح بذلك مُجدي؟ وهل يؤدي لتداعيات مؤلمة هى وربما لمساءلات مزعجة؟ هل السكوت بدافع الخوف؟ أم بسبب اللا جدوى ؟ يتقاطع مع ذلك دخول ممثل بألبياض الملائكي لكي يطرح أسئلة مختلفة عن معاناة أخرى ل"بيتهوڤن" و"موزارت" و"تشارلز ديكنز"و"شكسبير" وآخرين يتمزقون لينتجوا فنيآ ما يوازي المعاناة الواقعية.

ثم يخرج(الممثل) بعربة للمقعدين ويعاود آخر للدخول عاريآ وجالسآ بنفس العربة للمقعدين التى تدفعها فتاة يواجهها الموت بلا سبب واضح بينما الآخرون يتناقشون في طقوس الدفينة ! تقاطع بين العالم المأساوى مع الفكر والفن في لحظات الولادة الصعبة لأمل من جوف المعاناة!

الستائر الفضية تتحول لأدوات إنتحار جماعي بإرادة مشتركة! ثم تهبط كغيث نافع أولآ ثم تتحول لما يشبه قنابل فسفورية وتصخب الموسيقى الإيقاعية كإيقاع الحروب لتلتهم المشهد كله ليتحول الممثلون لأجساد عصبية تتلوى بعصبية بنشوة الألم .

لا تهبط الستار على المشهد بل ترتفع على المُعلقات الفضية صور لضحايا لقصف مُرعب و حطام مدن مأهولة ،وأجساد أصبحت أشلاء وأطفال من غزة يرقصون و يضحكون بينما يتهددهم الموت الحاسم !

لا توجد إرتباطات سببية ومكانية بين الحوارات الموزعة كشذرات بين العام والخاص بين الشخصي والمجتمعي والعالمي! فقط إرتباطات زمانية. إنها تحدث الآن وتحدث لنا، نعانيها ونشاهدها في نفس الزمان الذي نحياه ولإناس منا كُتبت عليهم اللعنه مثلنا. "التابعة" كمصير مشترك من المعاناة ومرارة اللعنة malèdiction.

تهنئة للجميع بألعرض المُبهر و المؤلم.. ول"توفيق الجبالي" بغواياته و بأعوامه ألثمانين.

المهم الجميع لاباس!

“ التابعة " Malédiction لتوفيق الجبالي منذ السابع حتى العاشر من نوفمبر بالتياترو:

بمشاركة :  – يسر القلعي -  ـ ليلى اليوسفي –  – زياد العيادي  –  - سيرين بن يحي – ياسمين الديماسي - مهدي الكامل – سرور الجبالي

نص و اخراج : توفيق الجبالي

ساهم في الكتابة : عياض الشواشي و امال الرامي 

مساعدة المخرج  :آمال العويني

تصميم المشاهد : مروان الروين

تصميم  الاضاءة : صبري العتروس

المؤثرات الصوتية و البصرية و التوضيب ا لعام  : وليد حصير

تنفيذ الاضاءة : محرز زيدان

تنفيذ الملابس   :بسمة الذوادي

سينوغرافيا: توفيق الجبالي و صبري العتروس

إدارة الانتاج : سرور الجبالي – ايناس الجبالي

اعلام : رحمة الفخفاخ

إعادة : التياترو  و التياتر ستوديو - 2024